عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

حانوت صغير في رأسك!

الجمعة ٢٧ مايو ٢٠١٦

الذكريات التي كانت والأحلام التي نجري خلفها لتكون، الذكرى التي نعرفها والحلم الذي نبنيه ونتلمس ملامحه، ركنان أساسيان يشكلان تكويننا وجغرافية قلوبنا. أنت وأنا وكلنا لا يمر علينا يوم دون أن نتفقد أحلامنا أو نستدعي ذكرياتنا، عزيزة هذه الذكريات أو غير عزيزة على قلوبنا تلك مسألة أخرى، مشرقة أو بائسة، حزينة أو تعيسة تلك تفاصيل وأحكام خارج السياق، نحن نتحدث عن استدعاء الذاكرة، والذاكرة تخصنا فعلاً لكن عملها يخصها هي فقط، نحن نملكها وهي تملك مخزونها، لذلك فهي تحتفظ بأرشيفها الضخم والغني والغريب في أمان تام، تحتفظ بالصور المهمة كما تحتفظ بالتفاصيل التافهة والمزعجة، تحتفظ بالأصوات وتحتفظ بالروائح أيضاً، ولا سبيل لمحو شيء منها! الذاكرة في جزء منها معمل تصوير، وفي جزء آخر حانوت عطور انتقائي ومريب أحياناً، فهل نعرف كيف نتلصص على تلك الحوانيت؟ أغمض عينيك تذكر المقهى الصغير الذي دلَّتكَ عليه فتاة الاستقبال في فندق »البيرغو« العريق في مدينة فينيس، ستجد صورة الفتاة حاضرة بعينيها المشعتين، بينما سيضج رأسك بروائح مطاعم ساحة سانت مارك وروائح القهوة الفاتنة في ذلك المقهى! اغمض عينيك مجدداً واطلب الرحمة لجدتك التي توفيت في أواخر رمضان مضى مخلفة فراغاً هائلاً في بنية علاقات العائلة. سيخيل إليك لوهلة أنها تتحدث خلف أذنيك، سيأتيك صوتها الأجش الواهن وروائح الصندل ودهن العود والبخور التي كانت تملأ…

السعادة ثمنها باهظ أحياناً

الخميس ٢٦ مايو ٢٠١٦

إذا كان لا بد لك من أن تختار المال - في ظل حاجتك الماسة له - في مقابل أن تفقد أصدقاءك، فماذا ستختار؟، مع العلم بأن »المال يسبب الجنون، وهو أساس لأربع جرائم من كل خمس، وسبب حالة اكتئاب من كل اثنتين«، كما يقول الروائي الفرنسي غريغوار دو لاكور، فهل ستختار المال؟، وهل يصح هذا الحكم القاسي على المال، باعتباره سبباً للتعاسة أكثر من كونه جالباً للسعادة؟، على اعتبار أنه يمكننا الحصول على البهجة بأقل ما يمكن من المال! يعتقد البعض أن حصولهم على أموال ضخمة وغير متوقعة مثلاً، سيفقدهم من يحبون حتماً، أو سيحول حياتهم إلى هواجس وشكوك، بينما سيحول الأزواج والأصدقاء والأبناء إلى كائنات انتفاعية ومنافقة، وأن الطريق الأسلم، هو التكتم على الأموال، هؤلاء بالتأكيد يخاطرون، ولكن بكل شيء، فلا هم انتفعوا بالمال ووظفوه لتحقيق سعادتهم وإسعاد من حولهم، ولا هم ضمنوا بقاء أحبتهم إلى جوارهم إلى الأبد! في مجتمعاتنا الشرقية عموماً، وفي معظم المجتمعات بدرجات متفاوتة، فإن اجتياز المرأة أزمة منتصف العمر، عادة ما يعرضها للكثير من المخاوف والقلق، كالخوف من الوحدة، فقدان الشريك، مغادرة الأبناء، المرض، الشيخوخة والعجز، هذه المخاوف تحدد خياراتها غالباً في هذه السن، ولذا، فإن علينا أن نتفهم ذلك جيداً، لا شيء كالخوف مر الوحدة والعجز يجعل الإنسان صريع الأوهام والتصرفات غير المفهومة…

الذين يسجنون أنفسهم

الإثنين ٢٣ مايو ٢٠١٦

في معظم الأوقات نحن ندفع أيامنا وأوقاتنا، كما ندفع غيمة ثقيلة تطبق على أنفاسنا، وفي معظم الأوقات أيضاً نحن نعتاد على وجود تلك الغيمة، فنمرر الوقت -كيفما اتفق- وبكل تفاصيله، بهجته وكآبته، ضجيجه وفراغه، ومثلما نعتاد على أشكالنا وصورنا وأشكال أصحابنا وأسمائهم وتصرفاتهم، فإننا نعتاد على عيوبهم وحسناتهم، سيئاتنا ومزايانا. عندها تصبح الأشياء كلها كنسيج سجادة ثمينة، لا ندقق في كل خيط وكل خط فيها، ولكننا نعتاد صورتها الجميلة بكامل رونقها وتناسقها، ثم نحبها ونعتدُّ بها ونتباهى بها، لأنها ثمينة كحياتنا ومختلفة كشخصياتنا، دون أن نسأل: ألا يمكن أن يكون هناك ما هو أجمل؟ ذات يوم التقيتها في أحد ممرات متجر ضخم لبيع الكتب، كانت مختلفة تماماً عما اعتدته، كانت أكثر رشاقة وأكثر شباباً، لم أُبْدِ أي استغراب أو دهشة، لكنها بادرت سريعاً إلى سؤالي عن رأيي في رشاقتها، أبديت إعجابي، وأسهبتْ هي في شرح الظروف الصحية التي جعلتها تفقد الكثير من وزنها. لكنها لم تنسَ في نهاية حديثها معي أن تؤكد أمراً لم يغادر ذاكرتي قط، قالت: «حتى لو لم تكن هناك ظروف صحية، فأنا سعيدة بهذه النتيجة، لقد تحررت»، قالت في نهاية كلمتها وغادرت! فهمت أنها كانت مسجونة في ذلك الجسد الضخم الذي كانت ترزح تحت ثقله، صحيح أنها اعتادت عليه كما نعتاد جميعنا على كل شيء دون…

إنهم يسرقوننا في وضح النهار!

الأحد ٢٢ مايو ٢٠١٦

انظر ماذا يفعلون بك؟ ماذا يفعلون بتراثك؟ بهويتك؟ بآثارك؟ بتاريخك؟ انظر جيداً، لا تمر على الأخبار والصور والأحداث مرور الكرام ولا مرور العميان، ولا مرور الإهمال واللامبالاة، لأن ما يحدث مخيف جداً ولا يمكن تصديق خطورته، كل ما في الأمر أننا غافلون عن هذا الذي يدور في الخفاء أو لا نعرف عنه شيئاً لأسباب مختلفة، منها أننا لا نتابع ولا نقرأ ولا نهتم، ومنها أننا نخاف دائماً ونهرب من المواجهات، على الرغم من أن وجودنا مستهدف بشكل واضح وعلى أكثر من مستوى! إن مبدأ التدافع والصراع وبقاء الأقوى هو ما يحكم الحياة في حقيقة الأمر، وهذا ما يعزز مبدأ القوة دائماً، صحيح أن الله خلق الناس شعوباً وقبائل لتتعارف، لكنه لم يفرض عليهم الأخذ بمبدأ تحري المصلحة الفضلى لبعضهم البعض. أما مبدأ التحالفات فمجرد خيار براجماتي ظرفي تستدعيه أو تفرضه المصلحة التي تتغير بتغير الأحوال والأزمان، السائد والذي نراه ونعيشه هو الصراع والغلبة، وإحدى أدوات الصراع اجتثاث الآخر واستعباده وتشويه هويته: تاريخه وآثاره ولغته وفنونه، وغير ذلك من تفاصيل وجوده وذاتيته! لنقف قليلاً أمام صفحات التاريخ: المغول ألقوا كتب دار الحكمة في النهر، وهي ثروة لا تقدر بثمن، والسلطات ضيقة العقل صادرت أفكار العلماء والمجددين والفلاسفة بتهمة غبية لا معنى لها هي الزندقة والهرطقة، أميركا سرقت أرض حضارات المايا والآزتك…

قانون حقوق الطفل «وديمة»

الجمعة ٢٠ مايو ٢٠١٦

بصدور القانون الاتحادي رقم 3 لعام 2016 تحت اسم قانون حقوق الطفل والمتسق في معظم مواده مع القانون الدولي لحقوق الطفل الذي وقعت عليه الإمارات عام 1997، يكون مجتمع الإمارات بكافة شرائحه أمام مسؤولية كبيرة ومضاعفة فيما يخص شريحة الأطفال التي تصل نسبتها تقديرياً 24% من مجموع نسبة السكان وبما يعادل ربع السكان تقريباً ويبقى أمام الأجهزة المختصة تأكيد الأرقام بشكل أكثر دقة تساعد على وجود رؤية دقيقة لما يمكن تقديمه للأطفال في كل المجالات. إن اهتمام الإعلام وباقي مؤسسات ومنظمات المجتمع الأهلي والرسمي بهذا القانون يدل - في حقيقة الأمر - وبوضوح على وعي حقيقي بمكانة ودور الأطفال الذين يشكلون مستقبل البلاد وخزان القوة فيها، ولهذا يمكن القول وبمنتهى الثقة إن نوعية الأطفال الذين نعتني بهم اليوم ونوعية التربية والحماية والحقوق التي نقدمها ونضمنها لهم تعطينا الصورة الحقيقية لنوعية المستقبل الذي ينتظر هذه البلاد، فكلما كان اهتمامنا بالأطفال قوياً ومبنياً على أسس وقواعد قانونية واجتماعية وثقافية وتعليمية سليمة، أمكننا القول إن هذا المجتمع يسير في الطريق الصحيح، فلا شيء يمنح المجتمعات القوة والاستقرار أكثر من القوانين المرعية والمطبقة بصرامة وحزم. إذا كنا نريد أن ننافس الباقين على مقاييس التطور علينا بالقانون، وإذا كنا نطمح إلى مجتمعات عميقة وحقيقية في اهتماماتها وأنشطتها فعلينا أن نوجه أنظار شبابنا وإعلاميينا للاهتمام والانغماس…

ارفع رأسك عالياً.. أنت إماراتي

الخميس ١٩ مايو ٢٠١٦

أعطني وطناً عظيماً أعطك مواطنين صالحين، تذكر الأوطان فيقترن ذكرها بأنبل سمات المواطنة وبأكثرها سمواً، الأوطان ليست جغرافيا مرسومة بخطوط حمراء على الخريطة، يدرسها معلمون في المدرسة بالصراخ وبالمسطرة والطبشور، يقولون للتلاميذ بصوت عال احفظوا أن هذا وطنكم وهذا رئيسكم، يحدكم شرقاً كذا وغرباً كذا وشمالاً وجنوباً كذا وكذا وفوقكم سماء زرقاء وتحتكم أرض معطاء، وقبل أن يغادروا يذكرونهم بالسلطة وبالشرطة وو، ثم يدق الجرس وينتهي درس الوطن، الأوطان كرامة وفخر وأمان وحقوق محفوظة وواجبات مقدسة. في الإمارات تعلمنا درس الوطن بطريقة أجمل، ومن معلمين مختلفين تماماً، معلمين رسموا الإمارات في قلوبنا بأيديهم، بأصواتهم، بكلماتهم ووصاياهم، بعيونهم وتلويحة أياديهم، بخطوات أقدامهم إذ تنغرس في رمال الصحراء وشواطئ البحر، علمونا باسم الله وباسم الوطن من زمان عندما كنا صغاراً جداً قبل أن نذهب للمدرسة، عندما لاح وجه زايد وراشد وإخوانهما آتين ركضاً من خلف الأيام الصعبة التي كانت المنطقة تقطع شدتها، ليقدموا لنا أملاً جديداً سيغدو مع الأيام وطناً عظيماً، وسيعلو على الدنيا ليصير مطمحاً وحلماً يسعى إليه الجميع، فكانت الإمارات العربية المتحدة. بالأمس تسلم 152 رجلاً وامرأة من الأخوة أبناء المواطنات جنسية الانتماء للدولة ممن شملهم المرسوم الاتحادي الصادر عن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وفي احتفال يليق بالمناسبة، فليس هناك أهم في…

تخيل قصة أخرى لحياتك

الأربعاء ١٨ مايو ٢٠١٦

هذه القصة جزء من مشهد الحياة اليومي، أصدرها البرازيلي باولو كويللو عام 2008 في كتاب حمل عنوان (مكتوب أن تتخيل قصة جديدة لحياتك) يبدو العنوان أطول مما ينبغي لكتاب، لكنه ذلك النوع من العناوين التي إن سمعت بها أو قرأتها فلن تنساها، ثم لن يهنأ لك بال حتى تحصل على نسختك وتباشر في قراءتها. يقول كويللو: يجيء يوم الجمعة فتعود إلى البيت، تحمل معك الصحف التي لم تتمكن من قراءتها على مدى الأسبوع، تدير جهاز التليفزيون دون صوت، تضع شريطاً في آلة التسجيل، تستخدم جهاز الريموت كنترول لتقفز من قناة إلى أخرى وأنت تقلب الصفحات وتستمع إلى الموسيقى. لا جديد في الصحف، برامج التليفزيون مملة، أما الأسطوانة فقد استمعت إليها قبل ذلك عشرات المرات، زوجتك ترعى شؤون الأطفال، تضحي بأزهي سنوات العمر دون أن تفهم سبباً لذلك، تلتمس أنت عذراً بينك وبين نفسك لتقول: «هكذا الحياة»! في الحقيقة يؤمن كثيرون بأن الحياة هكذا، قدر لها أن تكون مملة ومكررة وخالية من المعنى، سوى ذلك المعنى القدري الذي لا نعرفه لأنه من علم الله، ولو أننا خلقنا لنعيش الحياة هكذا خالية من المعنى والفكرة والعمق، فما الفرق بيننا وبين قطيع الماعز إذن؟ ما الفرق بيننا وبين الاسطوانة وجهاز التحكم عن بعد؟ لماذا يستسلم البعض لهذه الفكرة السقيمة؟ ما الذي يريح البعض…

احذروا.. إنكم تستغلون أطفالكم

الإثنين ١٦ مايو ٢٠١٦

نتهم الصغار والمراهقين بالسفه وعدم المسؤولية وتقدير الأمور، هذا ما نفعله طيلة الوقت كآباء وأمهات ومعلمين ومعلمات، هذا ما نكرره على مسامعهم إذا لم ينجحوا في المدرسة، وإذا كانت درجاتهم في الاختبارات المدرسية متدنية، وإذا تأخروا في العودة إلى المنزل، وإذا صادقوا أشخاصاً ليسوا بالمواصفات التي نريدها. وإذا أمعنوا في إدمانهم على «تويتر» و«إنستغرام»، وإذا زودوها على «السناب شات»، لماذا تعرض حياتك الشخصية وصور البيت وتفاصيل السفرات الخاصة لكل الناس؟ هكذا صرخت صديقتي في وجه ابنها، ولطالما صرخت في وجه ابنتها المراهقة لأنها توافق على طلبات الصداقة المقدمة من الجميع!. حسناً، لنتفق أولاً على دقة هذه العبارة «العمر له أحكام»، صحيح أننا غالباً ما نستخدمها لدلالة محددة وعادة ما نقصد بها التقدم في العمر، إلا أن علينا أن نعيد النظر في العبارة السابقة، العمر يمكن أن يكون صغيراً أيضاً وله أحكامه كذلك، وعليه فلماذا لا نعامل الصغار وفق هذا المنطق. لماذا ننسى فارق العمر والتجربة والمعرفة بيننا وبينهم فنظل نتهمهم بالسفه لسوء اختيار الأصحاب؟ ألم نتعلم بعد التجربة رقم 100 كيف نختار صديقاً جيداً؟ ومع ذلك نظل نقع في المصيدة دائماً؟ لماذا نتهمهم بسوء تقدير الأمور في تعاملهم مع مواقع التواصل، ألا يفعل الكبار الأمر نفسه، بل أسوأ، بالرغم من أنهم كبار وحكماء وعقلاء ويعرفون كل شيء كما يدعون؟ .…

كيف يفكر العقل الإرهابي؟

السبت ١٤ مايو ٢٠١٦

بعد أكثر من نصف ساعة من الحديث حول الإرهاب وأسبابه وطرق التصدي له، وقفت سيدة من بين الحضور لتسأل: لماذا وصل الأمر بالشباب العربي في بعض الدول إلى أن يفجروا أنفسهم بالأحزمة الناسفة؟ لماذا لم نسمع عن ذلك في الخمسينيات مثلًا؟ ولم تنسَ أن تسأل: هل نحارب الإرهاب أم نبحث في أسباب تورط شبابنا في هذا الطريق المدمر؟ أسئلتها هي أسئلتنا جميعاً، إن أي امرأة عربية بسيطة تجتاز الطريق في إحدى مدن العراق أو سوريا محملة بالأحزان والهموم ومسكونة بضياع الأمان والأحلام، أي امرأة يمكنها أن تطرح هذه الأسئلة الوجودية والمعبرة عن القلق والخوف في الوقت نفسه! أجبتها مباشرة: إنها جريمة الأنظمة التي حكمت تلك الدول والإنسان بالحديد والنار والسجون والمعتقلات وتكميم الأفواه وسرقة الثروات ومصادرة الحريات والحقوق والكرامة، وبدل أن تستخدم الثروة في بناء الإنسان والمكان استخدمتها ضده، حتى جاء اليوم الذي انفجرت فيه الشوارع العربية مطالبة بأبسط حقوقها قبل أن يتم حرف المسار كله وتغيير اتجاه المطالبات لتتحول إلى صراخ وتدمير وحرق وقتل! قلت لها إنه علينا أن نتصدى بجهود مكثفة وعالمية للإرهاب وفي الوقت نفسه نفكك ذهنية الإرهابي وكيف تكونت، وماذا أثر فيها، وكيف يمكن تغيير قناعته وتحويله من ذلك المسار المدمر لمسار آخر بعيد تماماً عما كان عليه، الإرهاب فكر في نهاية الأمر، مهما كانت درجة…

حفلة التفاهة

الجمعة ١٣ مايو ٢٠١٦

قرأت آخر أعمال الكاتب التشيكي الأصل ميلان كونديرا "حفلة التفاهة"، فلم أستطع استساغة الرواية ولم أكملها، ففكرتها معقدة وترجمتها لم تكن جيدة، وحين زرت براغ للمرة الثانية منذ مدة، تصادف سكني في فندق يحتفي بالكتاب التشيكيين الكبار، فقد قرأت على غرفة الاجتماعات "قاعة ميلان كونديرا"، وعلى الجانب الأيسر للباب المقابل لغرفتي قرأت اسم "فرانز كافكا"، وحين خرجت للشارع أبحث عن مقهى دخلت بالمصادفة إلى واحد يحمل اسم "كافكا كافيه" في الساحة الرئيسية، عندها فكرت أن الأشياء لا تحدث بالمصادفة أبداً، وأن علي أن أقرأ شيئاً لهؤلاء الكبار! بعد أن عدت إلى دبي، تذكرت "حفلة التفاهة" واجتهدت في إكمالها برغم صعوبة فكرتها التي تدور حول: التفاهة في مقابل وجودنا الإنساني، أو التفاهة كمعادل لكل ما يحيط بنا، لكنني أنهيتها وحققت نقطة لصالحي، بعدها استغرقت في طرح الكثير من الأسئلة حول الرواية لأنها تزرعك بالأسئلة فعلاً! ما أشعل أسئلتي حفلة التفاهة الفعلية المقامة على امتداد جغرافيا الشرق الأوسط، ثم أحاديث واهتمامات الكثير من الناس حولنا، والتي تبدو بلا معنى وخالية من المضمون، تذكرك بفقاعات الصابون التي ينفخها ذاك المهرج في ساحة براغ محدثاً حالة من البهجة الزائلة في نفوس الأطفال والناس الذين يلاحقون الفقاعات بلا هدف حقيقي، سوى أن قوس قزح يبدو مغرياً وهو يتكون على سطحها! ميلان كونديرا يؤمن أن التفاهة…

المتطرفون كيف نقاومهم؟

الخميس ١٢ مايو ٢٠١٦

من السهل على الناس وعلى المجتمعات في لحظات الشحن العاطفي والتوتر أن تقع في شر التطرف، باعتبار أن الناس يظنون أن المبالغة نوع من تأكيد الإيمان بالفكرة، فيصرخون ويتصايحون ويحملون السلاح - أياً كان نوع السلاح - هم يعتقدون أن ذلك دليل أكيد على صدق إيمانهم، المصيبة أن المبالغة أو المغالاة لا تُعبّر بالضرورة عن صدق الإيمان، لكنها تدلل حتماً على استعداد صاحبها للانسياق وراء عاطفته ومبالغاته للوقوع في المحظور، والمحظور المقصود هنا هو التطرف والمجاهرة بإرهاب الآخرين وتهديد أمنهم تحت ذريعة الدفاع عما نحبه ونقدسه! ليس هناك من بلاء أشد على المجتمعات من التطرف، وهذا ما نراه ونعايشه اليوم، الملاحظ دائماً أن التطرف كالخلية السرطانية ينتشر بسرعة وينقسم إلى ما هو أخطر على جسد المجتمعات والدول، لاحظوا كيف بدأ التطرف بما يعرف بتنظيم (القاعدة) بعد حرب أفغانستان بكل ما صاحبها من مبالغات وأكاذيب لا حدود لها، واليوم أين وصل العالم؟ كم نوعاً من التطرف نعاني؟ تطرف على أساس العرق، والدين والمذهب والانتماء الطائفي، تطرف سياسي وديني وفكري والحبل على الجرار، يعني لايزال في جيب التطرف ما يخرجه للعالم ما لم يقف هذا العالم كجسد واحد ضده! كيف نستطيع الوقوف في وجه التطرف؟ ابتداء هل من الممكن أن ننجح في مقاومته أو الوقوف في وجهه؟ نعم، لكن قبل أن يتحول…

أنسنة الإعلام لمواجهة حيونة الإرهاب

الأربعاء ١١ مايو ٢٠١٦

تبدو بعض القضايا أكثر تعقيداً مما نتصور، بحيث لا يمكن تمريرها بقليل من التشاؤم وكثير من التفاؤل والأمل، خصوصاً حين تكون هذه القضايا متمددة في الجغرافيا ومتشابكة في بنية العلاقات والمصالح، كقضية الإرهاب والتطرف مثلاً، وعلاقة ذلك بالإعلام، فحين نضع الإذاعة والصحيفة والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت في وجه الجماعات المتطرفة، ونقول إننا نريد ونطمح ونتمنى أن نواجه شراسة وقوة الإرهاب بالإعلام كقوة ناعمة ذات تأثير حاسم، ماذا نكون قد فعلنا في هذه الحالة؟ أعتقد أننا نكون كمن وضع الحصان أمام العربة ليس أكثر، بمعنى أن الإعلام لن يفعل شيئاً مؤثراً، بينما سيتمادى الإرهاب في شراسته أكثر! طرح منتدى الإعلام العربي في جلسته الرئيسة، صباح أمس، إشكالية في منتهى الخطورة يعاني منها الجميع (الإنسانية في مواجهة الإرهاب)، كيف يمكننا أنسنة الإعلام؟ كيف يمكن أن نواجه بالإعلام أو عن طريق الإعلام، تحديات التطرف والإرهاب بكل ما يفرزانه من سلوكيات مدمرة، هل يبدو ذلك ممكناً؟ بعد أن تمكن الإرهاب من أن يفرض حالة من النفوذ والاهتمام الكبير في وسائل الإعلام بكل ما ينتجه من خطاب وفعل تدميري، لقد أصبحت وسائل الإعلام العربية والعالمية لفترة من الزمن، واحدة من أدوات ترويج سيكولوجية الخوف والرعب التي لطالما أراد المتطرفون فرضها على الجميع! صحيح أن هناك خبراً يجب تغطيته مباشرة، لكنّ هناك أموراً أخرى…