الإثنين ١٣ يوليو ٢٠١٥
عرفت الراحل العزيز محمد أبوعمير في منتصف الثمانينات من القرن الماضي وكنا طالبين في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود. كان دوما برفقة رفيقه عطية الثبيتي. وكنت أنا مع مجموعة من الأصدقاء وخصوصا سلطان المهنا وحامد الحويماني. وكانت الجامعة آنذاك محطة مهمة يمر بها الجنوبي والشمالي، النجدي والحجازي، السني والشيعي، البدوي والحضري في ألفة وطنية مبهرة. كتبت يوما في (الوطن) أنني أعدت اكتشاف وطني خلال دراستي الجامعية، ما بين الدرعية والرياض! كانت الجامعة محطة مهمة في تجربتنا الوطنية. بل كانت بالنسبة لي نافذة رأيت منها الطائف وحائل وعنيزة ونجران وعرعر وشقراء وسيهات. جئت من الجنوب فعرفت أكثر مما كنت أعرفه عن الجنوب. هناك عرفت عن قرب جنوبيا شهما كان فعلاً "الأخ الذي لم تلده أمي". ومنذ الأيام الأولى التي عرفت فيها محمد أبو عمير وجدت فيه الأخ الذي يقدم مصلحة أخيه على مصلحته والصديق الذي لا تعكر صفو صداقته منافسة أو مصالح عابرة. عشنا أياما في الجامعة وخارجها بحلاوتها ومرارتها، نجاحاتها وإخفاقاتها. وكان "أبو سعيد" حاضرا في كل الأوقات، يبارك في كل مناسبة نجاح ويحفز على الوقوف مجددا عند الانكسار! في كل صداقاته كان صادقا وفيا أمينا حتى حينما أشغلته مسؤوليات المنصب عن أصدقائه. وكان حلقة الوصل مع أصدقاء مكانهم القلب وفي مقدمتهم "الإنسان" النبيل خالد السهيل والعزيز جابر القرني وغيرهما.…
الثلاثاء ٢٨ أبريل ٢٠١٥
ما أكثر الدروس التي يفترض أننا في مجلس التعاون الخليجي تعلمناها منذ انطلاق عاصفة الحزم في 26 مارس، وهي في معظمها تذكير بأهمية أخذ المبادرة واستباق الأحداث والواقعية في تعاطينا مع وعود «الحلفاء» وفي رؤيتنا لعلاقاتنا مع من حولنا. أول العبر المهمة أننا في الخليج أقوى مما كنا نعتقد في أنفسنا. فما إن أخذنا بزمام المبادرة حتى تذكرنا أن: السَّـيْـفُ أَصْــدَقُ إنْـبَــاءً مِـــنَ الـكُـتُـبِ فِـي حَــدهِ الـحَـدُّ بَـيْـنَ الـجِـد واللَّـعِـبِ دعونا نراجع رؤيتنا لأنفسنا ما قبل عاصفة الحزم، لقد شعر كثير منا بشيء من الحيرة والتردد، خصوصاً أمام تمادي صناع الفوضى في منطقتنا في الاستهتار بكل القيم والمبادئ وإمعانهم في الغرور والغطرسة والاستفزاز واستعراض القوة وكأن «صبر الخليج» ليس سوى ضعف وخوف، فداعش يهددنا بالموت ويتوعدنا بالفوضى من الشمال. ومن الجنوب الحوثي يستفزنا بحماقاته وتهدياته وصور أوليائه في إيران. ثم يطل علينا أحد طبول الحرب الإيرانية منتشياً وبكل جرأة: «نحن أسياد البحر»! وما هي إلا أيام حتى يظهر بوق آخر يعلنها على الملأ: بغداد عادت عاصمة بلاد فارس!. مخيف جداً أن تشك في نفسك وفي قدراتك. ومحبط جداً أن تشاهد كل هذا الاستفزاز وهذا العبث يهدد أمنك الوطني ولا تعرف ما تفعل. لكننا ـ وعلى الرغم من السنوات العجاف التي تمر بها منطقتنا منذ بداية ما ظنناه «ربيعا» ـ لم…
الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠١٣
فجأة ومن دون مقدمات صارت «الديموقراطية» محور جدالاتنا وخصوماتنا العربية، وهي التي إلى وقت قريب كان بعضنا – وكثيرهم ما زال – يكفر من ينادي بها. عند بعضنا اليوم، هذه الديموقراطية صارت مبدأ وقناعة لا فكاك عنها ما دامت طريق آمنة وسريعة للسلطة. وبعد الوصول للمبتغى تتحول فجأة إلى «مطية» تُمارس عبرها كل أشكال الاستبداد والإقصاء. من قال إن الوصول لسدة الحكم، عبر صناديق الاقتراع، يعطي الحق لتغيير قوانين اللعبة الديموقراطية ويحيل إدارة الدولة إلى ما يشبه إدارة شركة العائلة؟ الرئيس الأميركي نفسه حتى وإن وصل للبيت الأبيض بغالبية تصويت ساحقة يظل محكوماً بقواعد وقوانين يحكمها الدستور وتراقبها أعين الناخبين. أما أن يعتقد بعضنا أن الفوز في الانتخابات يمنح الحق المطلق في إصدار أي قرار وإلغاء أنظمة وقوانين كبرى، ويقدم «الثقة» على الخبرة في اختيار الوزراء والمدراء، إنما يؤكد فهماً قاصراً لهذا الوليد الجديد الذي نسميه ظلماً «ديموقراطية»! وإذا كانت الديموقراطية تعني «حكم الشعب لنفسه» فماذا نقول إن كانت الغالبية الساحقة من الشعب ترفض وتحتج على ما أفرزته هذه الديموقراطية؟ لا يمكن أن تسلمني رخصة قيادة ثم أنطلق في سيارتي بكل تهور متجاوزاً حدود السرعة عابثاً بكل قواعد وقوانين القيادة وحينما توقفني دورية المرور أصرخ في وجهها: أتركوني وشأني... ألستم من أعطاني رخصة القيادة؟ في عالمنا العربي تبقى المشكلة مشكلة…
الأحد ٠٧ يوليو ٢٠١٣
على مدى الأيام الماضية، استعاد ميدان التحرير هيبته ووهجه ومعناه. مخطئ من يظن أن ما يحدث فى مصر ليس إلا شأناً مصرياً خالصاً. إنها مصر التى أراد لها الله أن تكون قلب العرب النابض بالحياة والمحبة والسلام. ولهذا فإن الحدث المصرى كان محل اهتمامنا اليومى فى الخليج ومتابعتنا وقلقنا. لقد تفاعلنا هنا مع كل لحظة عاشتها مصر وشبابها يصرون على الخروج من مأزق الأدلجة وما قادت له من تراجع وخيبة أمل! وما زال ميدان التحرير يحرضنا على التفكير والتأمل فى دروس مهمة أعطتنا إياها تجربة السنة الماضية التى اختزلت «السبع العجاف» فى سنة واحدة. وأهم تلك الدروس أن من يقدم «الأيديولوجيا» على «التنمية» لابد أن يفشل. ولو انشغل الإخوان بقضايا التنمية قدر انشغالهم بمحاولات الهيمنة على كل حراك المجتمع وكل مفاصل الدولة لما انتهى بهم المطاف تلك النهاية المحزنة. من لا يقرأ وعى شباب مجتمعه وهمومه واهتماماته إنما يبنى بينه وبينهم سداً منيعاً يفقده صواب الرؤية. ما بناه الإخوان فى ثمانين سنة هدمه مرسى فى سنة واحدة. وفى ذلك خير: لقد عاش الشارع العربى طويلاً يسمع شعارات تنادى بأن «الإسلام هو الحل». وإن سألنا: أى إسلام تقصدون؟ جاء الرد بالتكفير والتخوين والإقصاء. فكل جماعة تسعى لفرض «إسلامها» على الجميع بالقوة. وكل جماعة ترى فى نفسها الحق وفى غيرها الباطل. كأن…
الخميس ٢٧ يونيو ٢٠١٣
ما الذي يدفع عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة رئيس الكتلة البرلمانية للحزب في مجلس الشورى، أن يهاجم دولة الإمارات العربية المتحدة وفي هذا الوقت تحديداً؟ التفسير الأقرب للموضوعية -خصوصاً في ظل الظرف المصري المتأزم- لا يخرج عن كونه محاولة جديدة لإلهاء الشارع المصري عن فشل جماعته الذريع في إدارة الدولة وإنقاذ اقتصاد البلاد المنهار. تلك «عادة» سياسية فاشلة، إذ يلجأ السياسي المخنوق داخلياً إلى افتعال حروب وعداوات في الخارج. وإخوان مصر يشعرون أن الخناق يزداد قسوة عليهم مع استمرار التخبط في القرارات والتراجع في الاقتصاد، وانكشاف خطط الهيمنة على حراك المجتمع ومفاصل الدولة. الشـارع المصـري واعٍ جداً لمناورات جماعة الإخوان، ولهذا جاءت الردود ضد تصريحات العريـان من الداخل المـصري ذاته قاسية وساخرة. لقد انقلب السحر على الساحر، فتحول هجوم العريان ضد الإمارات وبالاً عليه وعلى جماعته، التي حاولت التنصل من المسؤولية من دون جدوى. رئيس «حزب العدالة والحرية» محمد سعد الكتاتني قال إن تصريحات العريان ضد الإمارات «لا تعبر عن وجهة نظر الحزب وموقفه الرسمي». كيف؟ أليس الرجل يشغل المنصب الثاني في الحزب؟ ثم أين وفي أي مناسبة أطلق العريان تصريحاته الشاتمة؟ لم يكف جماعة الإخوان غض الطرف عن إهانة العريان لبلد عربي مهم تربطه بأهل مصر علاقات أخوية متينة وقديمة، ولكن وتمادياً في استغفال عقول الناس ظن…
الخميس ٣٠ مايو ٢٠١٣
مشاركة «حزب الله» العلنية في معركة القصير ضد ثوار سورية تشكل إعلاناً صريحاً عن دعم الحزب علانية لنظام لا يردعه رادع في قتله المريع لشعبه. وهنا سقط الحزب الذي طالما تغنى بالثورة ضد المحتل وبمناصرة الفقراء والمغلوبين على أمرهم في شر أعماله. حسن نصرالله قالها - أخيراً - صراحة إنه لن يتخلى عن دعم نظام الأسد مهما كلفه الأمر. وأنصاره في وسائل الإعلام العربي قالوها صراحة: حسن نصرالله يضحي بسمعته في مقابل مبادئه! هذه المبادئ تجلت طائفيتها في القصير. تلك هي حقيقة نصرالله الطائفية التي تحايل وتذاكى طويلاً لإخفائها. تورطه العسكري في سورية كشف المزيد من الأقنعة عن وجه حسن نصرالله وحزبه. كان بإمكان نصرالله أن يكتفي بدعم نظام الأسد سياسياً، وهذا الدعم كان سيبقى مكان خلاف «سياسي». بل ربما تفهم البعض، حتى في صفوف المعارضة السورية، موقف «حزب الله» السياسي، بحكم أن نظام الأسد يعد من أركان دعم «حزب الله» الرئيسة في المنطقة. لكن التورط ميدانياً في حرب بين نظام يقتل شعبه وثوار يسعون لاستعادة وطنهم وحريتهم، يكشف القناع عن وجه طائفي كان حسن نصرالله يخفيه خلف شعارات مقاومة إسرائيل وتحرير القدس. ما أكذبهم أولئك الذين أشغلونا لعقود بوعودهم الجوفاء بتحرير القدس ومواجهة إسرائيل. انكشف المستور لكل من بهرته خطب حسن نصرالله ودروسه في المقاومة ومحاربة المحتل. فالرجل اليوم…
الخميس ١٦ مايو ٢٠١٣
انطلقت صباح أول من أمس في دبي فعاليات الدورة الـ 12 من منتدى الإعلام العربي. وهي مناسبة يجتمع فيها أكبر حشد من الإعلاميين العرب، إذ تقدر أعداد المسجلين لهذه الدورة بما يزيد على الـ800 إعلامي وإعلامية. في معظم المنتديات الإعلامية، تشاهد أعداد الحاضرين خارج قاعات الجلسات الحوارية تفوق كثيراً عدد الحضور داخل تلك القاعات. فمناسبات مثل هذه تتيح فرصاً ثمينة لزملاء المهنة أن يلتقوا لتبادل الأفكار، وربما التهم، حيال شؤون المهنة وشجونها. لكن المنتدى هذا العام يأتي في ظل ظروف صعبة على الإعلاميين العرب. فالإعلامي العربي اليوم صار، بشكل أكثر وضوحاً، أراد أو لم يرد، جزءاً من الحدث ولاعباً سياسياً مع رواد اللعبة المعقدة وشديدة التناقض. ذلك عائد، في أحد أوجه المشكلة، لغياب ثقافة استقلال الإعلام في عالمنا العربي. طبيعي جداً ألا يشكل الإعلام العربي «سلطة رابعة» في بيئة تتداخل فيها بقية السلطات وأحياناً تتقاطع في أدائها ومصالحها. وطبيعي جداً أن يصـــبح الإعلامي صاحب «موقف سياسي» منحاز في ثقــافة أسست لصحافة الأحزاب وفي بيئة سياسية ســــيطر فيها السياسي على معظم حراك المجتمع واستخدم الإعلام أداة مهمة من أدواته في الترويج لنفسه وزيادة مكاسبه ومحاربة خصومه. وقبل ذلك، ينشغل الإعلامي العربي -في الغالب- بهمومه المعيشية وبمخاوفه على مستقبل أبنائه فيصبح -كغالبية مَن حوله- موظفاً حذراً على وظيفته ولتحترق كل شعارات «الحرية»…
الأربعاء ٢٧ مارس ٢٠١٣
استغل «الديكتاتور» العربي وجود المحتل الإسرائيلي لصناعة فكرة «العدو» الخارجي في العقل الجمعي لشعبه، ليبرر تأجيل قضايا الداخل -مهما كانت ملحة-، زاعماً أنه منشغل بعدوه في الخارج. بلعت شعوبنا العربية في بداية المواجهات مع إسرائيل الطُّعم، فصدقت أن بعض قياداتها تُعدُّ لمواجهة المحتل وتحرير الأرض. تاجر «الديكتاتور» العربي بالقضية الفلسطينية على حساب قضايا التنمية في بلاده، واتخذ منها غطاءً يُخفي جرائمه وفساده وجشعه. فمعمر القذافي أشغل شعبه والمنطقة على مدى أربعة عقود بأكاذيبه حول المواجهة مع إسرائيل وما تبع ذلك من حماقات لم تتوقف عند فكرته «إسراطين». وفي كل حماقات القذافي السياسية، كان الإنسان الليبي والتنمية في ليبيا الضحية. سمعت يوماً رئيس وزراء ليبيا سابقاً مصطفى بن حليم (الذي شرده القذافي طويلاً) يروي كيف أن ليبيا في منتصف خمسينات القرن الماضي، كانت تسعى لتأسيس جامعة عريقة في ليبيا. قال إن التعليم كان على رأس اهتمامات وزارته، وكان الملك إدريس السنوسي يطمح إلى تأسيس تعليم جاد يُمكّن مجتمعه وقتها من النهوض والتقدم. وحينما جاء القذافي إلى السلطة دمّر التعليم واختزله في ترهاته التي لم يكن آخرها كتابه الأخضر. وكان جواسيس القذافي يجوبون القرى والمدن الليبية للبحث عن المميزين من طلاب المدارس المتوسطة والثانوية. هل تظن أنه كان يعد لهم برامج تأهيلية تستثمر في تميزهم وترتقي بهم؟ لا! كان يخشى من كل…
الأربعاء ٠٦ مارس ٢٠١٣
أن تحتفي بالربيع العربي لا يعني بالضرورة أن تحتفي بنتائجه. وأن تمارس فضيلة النقد - والنقد القاسي أحياناً - إزاء ما آلت إليه الأحوال في بلدان «الربيع» لا يعني ردّاً فكرياً ضد أفكار «التغيير» و «التطوير» و «الإصلاح» التي تنشدها وتنادي بها منذ زمن، ومن قبل أيام الربيع. لكننا في عصر شاهد على أننا في العالم العربي لم نتغير كثيراً حتى وإن سقطت أنظمة سياسية وتوارت أجيال وزادت أعداد الشباب وامتلكنا أحدث أجهزة الاتصال والتواصل. فتهم مثل «العمالة» و «الخيانة» و «التواطؤ» غدت مرتكزات جوهرية في خطابنا العربي منذ عقود. من وقف ضد الانقلابات العسكرية، في زمانها، اتُهم بالعمالة، ومن رفض أفكاراً كالقومية والاشتراكية اتُهم بالخيانة والرجعية، ومن وقف ضد الإقصاء باسم الدين اتُهم بالكفر والإلحاد. وها نحن اليوم نشهد عصراً جديداً من التخوين والإقصاء. فثنائية «معي» وإلا فأنت «ضدي» هي اليوم سيدة المشهد. هكذا، صار المرء في حيرة من أمره: إن عبّر عن قلقه إزاء هيمنة الإسلام السياسي على المشهد كان هدفاً سهلاً لتهم التخوين والعمالة وفتاوى التكفير. وإن كان ضد هيمنة «الإخوان المسلمين» على المشهد السياسي في مصر أو تونس فهو تلقائياً مصنف من أعوان «النظام السابق» وفي دائرة «الفلول». ففي هكذا بيئة، لا يمكنك أن تعارض «الإخوان» إلا إن كنت ضد الربيع العربي. ولا يمكن أن تشكك…
الأربعاء ٠٦ فبراير ٢٠١٣
في زيارتي الأولى للأهرامات قبل أيام، رأيت ما يمكن أن يلخص لي حال مصر: الفوضى! ويا ليتها فوضى «خلاقة»، لكنا عزينا النفس بأن القادم أفضل. لكنها -في ما يبدو- فوضى عبثية هي من نتاج الإهمال الطويل للتنمية الإنسانية، وهي شاهد صارخ على سوء الإدارة وضعف الرقابة. حزنت أن أرى واحداً من أهم المعالم السياحية العالمية يعيش حالاً من البؤس والفوضى لا تعرف معها من هو مسؤول الأمن، ومن هو دليلك السياحي؟!! ولم تعد تفرق في زحام الناس حولك، بين «الغلبان» و «المحتال»! وإذا كانت السياحة واحداً من أهم روافد الاقتصاد المصري، فإن ســـوء الإدارة عند الأهرامات دليل ساطع على فشل الإدارة العليا للاقتصاد المصري. كيف يُترك أهم معلم سياحي في مصر لتلك البدائية في الإدارة ومعاملة السواح؟ هناك، قلت لنفسي: إن صلحت إدارة السياحة في الأهرامات ربما صلح الاقتصاد المصري. ولكن كيف يصلح اقتصاد مصر والقادة الجدد هناك منشغلون بخططهم وحساباتهم من أجل الهيمنة على كل مفاصل الدولة في مصر؟ الفوضى هي عنوان المشهد المصري اليوم، وهي للأسف منظومة متكاملة، يساند بعضها بعضاً، تبدأ من دخولك المطار ولا تنتهي عند أبواب الأهرامات. وإن لم يُعط الاقتصاد أولوية قصوى فستتراكم مشكلات مصر، ونعود بعدها إلى المربع الأول الذي انطلقت منه وبسببه ثورة شباب التحرير. أسفت جداً لرؤية مصر المثقلة بمشكلات جديدة…
الجمعة ٢٥ يناير ٢٠١٣
حينما انطلقت بوادر ما ظنناه «ربيعاً» عربياً، لم يكن أمام من احتفى به غير التصفيق والتفاؤل بمستقبله. وكيف نلوم الظمآن التائه في صحراء قاحلة إن ركض خلف السراب؟ لا ماء في السراب، وحتى اليوم، لا ربيع في «الربيع»! بعضنا يصف المشهد اليوم بالربيع الإسلامي، وآخرون يكابرون ويصرون على أنه «الربيع العربي»، وأياً تكن التسمية؛ فالنتيجة واحدة. واقع العالم العربي - على أغلب الأصعدة - يبقى أسوأ مما كان عليه قبل عامين، وتلك نتيجة في عداد «تحصيل الحاصل» بعد ستة عقود من الضياع والفوضى والقمع والاستبداد، لكننا نحن الذين صفقنا لما ظنناه «ربيعاً»، نسينا في غمرة الاحتفال ببدايات ما جرى، جملة من الحقائق المهمة تشكل السدّ المنيع في وجه «الربيع»، فغير أننا شعوب تحركها العاطفة وتلتف حول صاحب الصــــوت الأعلى، ورثنا ثقافة تُبجل الحاكم، وتصنع منه أحياناً طاغية ومستبداً، وحتى مفهوم الدولة عنـــــدنا شائك وملتبـــــس، فـ «الأمة»، في خطاباتنا الدينــــية، وخــصوصاً عند التيارات الأصولية، تأتي قبل الوطن إن لم تكن هي «الوطن»، و «الدولة» في تراثنـــا هي غنيمة المنتصر، ولم تتأسس لدينا، حتـــى اليوم، ثقافة تستبدل مفهوم «السلطة» بفكرة معاصرة تتمثل في «الإدارة» لا أكثر ولا أقل. وهنا مربط الفرس، فما لم تكن الإدارة المؤهلة هي مصدر «شرعية» مؤسسة الحكم، فسيظل الصراع السياسي قائماً على أساس البحث عن «شرعية» تبرر البقاء…
الثلاثاء ٠٤ ديسمبر ٢٠١٢
كانت فعلاً (مغامرة) أن ألتزم بالكتابة اليومية. أعترف الآن بالإرهاق اليومي من مطاردة الفكرة الملائمة والساعة المناسبة لكتابتها ومراجعتها. أن تكتب وأنت تعي أن ثمة من يقرأك، ولو من حين لآخر، فتلك مسؤولية كبرى، أو هكذا أظنها. عسى أن أكون قد وفقت في هذه التجربة التي -صدقاً- أعتز بها. وما رسائل القراء الكرام وتواصلهم معي، على مدى العام، إلا شهادة محبة لن أنساها. لقد منحتني “الشرق” فرصة ثمينة عبر هذه (المغامرة) ليس فقط بإتاحة مساحة مهمة للتعبير اليومي عن رأيي إزاء أحداث اليوم وما يجول بالخاطر من أفكار، ولكنها أيضاً منحتني تجربة التعبير عن الفكرة بأقل عدد ممكن من الكلمات. تعلمت كثيراً على مر السنة الماضية وأنا أكتب هذه الزاوية. أكذب إن زعمت الدقة والكمال، على طول السنة، في الرأي والمعلومة. لكنني حاولت -قدر المتاح والمستطاع- أن أكون صادقاً مع نفسي ومع قارئي في الكتابة عما رأيته ملائماً للزاوية. لم أنجرف وراء دعوات مباشرة وغير مباشرة أن أكتب عن مواضيع تصنع للكاتب “جماهيرية”. وإنما حاولت أن أكتب عن قضايا أستطيع أن أكتب فيها وجهة نظر. وأعرف عز المعرفة أن الكاتب في منطقتنا مثل من يسير في حقل ألغام. أنت لا تستطيع أن ترضي الجميع. بل لعلها حماقة أن تفكر في إرضاء أحد، وأنت تعبر عن رأيك، غير ضميرك. أشهد أن…