الثلاثاء ١٦ أبريل ٢٠٢٤
لم تقل العرب ذاك القول اعتباطاً، فكثير من الحلول عندهم قد لا يكون آخرها الكي، وإنما القطع والبتر أو استباق الحالات مثل قولهم: «أوسمها قبل لا تضلع»، لا أدري من هو القائل، لأن المقولة طغت على القائل، رغم أنه نُسب مرة للشاعر العباسي «بشار بن بُرد»، لكنه منسوب لمن قبله أيضاً، وهو «أبو الدرداء الأنصاري»، والبعض يردها إلى «أبي الطفيل عامر بن وائلة»، وزاد عليها «ابن عدي» قوله: «لكل مقام مقال، ولكل زمان رجال»، و«المتنبي» فصّلها وشرحها متناً وهامشاً بقوله: ووَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلا مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدَى. مرد الحديث أن بعض المذيعين التقليديين وكل المذيعين الرقميين، لا يعرفون التحكم في إيقاع أصواتهم، ولا يعرفون أين موضعهم من الإعراب، ولا معرفة المقام، وفن المقال، فلا يمكن أن نستمع لمذيع في برنامج صباحي وجماهيري، وهو هدّاد، وصوته عال، ومتوتر على أصغر القضايا، وكأنه أتى من منزله وهو يغلي مما حدث معه ومع الزوج المصون! مثلما لا نقبل آخر يتحدث في برنامج الصباح وهو متكاسل متثاقل، يتثاءب تخمة وعجزاً، وكأنه آت من وراء خاطره أو كأن المحطة تقبّضه بـ «التومان الإيراني!». كذلك بعض المذيعين لا يفرقون بين برنامج اقتصادي يعتمد على أرقام وأحكام ورسوم بيانية، فيظهر على الناس، وكأنه خطيب الجمعة، موعظة وعبرة وإسهاباً لغوياً، وذكر مترادفات لكلمات…
الأحد ٠٧ أبريل ٢٠٢٤
قبل البدء كانت الفكرة: - ليس هناك من سعادة دون فعل الخير، ولا شهقة فرح دون الإحسان، ولا سكون للنفس دون القناعة، ولا راحة للبال دون كف الأذى، ومنع الظلم، ولا طمأنينة دون رضا، ولا ضحكة دون حب! ونحن في الإمارات مثل الإمارات، يد بيضاء ممدودة لا مَنّ، ولا أذى، بل ود وكرم، وحفظ ماء وجوه الناس الطيبين المتعبين. خبروا الزمان فقالوا: - التعاليم الدينية لا تجعلنا صالحين، بل تمنعنا من أن نصبح شريرين للغاية. - من يقرر أن يبدأ العمل في التجارة، لا بد وأن يباشر بإشعال شمعة للشيطان. - ألم ترَ أن الدهر يهدم ما بنى ويسلب ما أعطى ويفسد ما أسدى فمن سرّه أن لا يرى ما يسوءه فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقدا عجائب وغرائب: - المناشفة «منشنستفود»، والبلاشفة «بلشنستفود»، كانوا أعضاء حزب العمل الديمقراطي الاشتراكي الروسي، عام 1903م انشق الحزب للاختلاف على عضوية منتسبي الحزب، فقاد «لينين» جناح الأغلبية أو البلاشفة الذين يرون أن يحصروا عضوية الحزب في المؤسسين وكوادر الثوريين المحترفين، أما بقية الحزب فظهرت كجماعة الضد، وتسموا المناشفة «الأقلية» الذين كانوا ينادون بمرونة أكثر في قبول عضوية حزب العمل، «البلشفيك» كانوا ينادون بالحل الثوري المسلح، أما «المنشفيك» فكانوا يميلون للحل السلمي. خزانة المعرفة: - «حال القَدَر دون الوطر»، قاله المأمون لما مات أخوه…
السبت ٢٣ مارس ٢٠٢٤
قبل البدء كانت الفكرة: - هناك شعوب طويلة بال، وشعوب شغل دهديه، الشعب الياباني طويل البال، بحيث يمكن أن تلقى واحداً مختصاً في تثبيت المسامير الصغيرة، والشغلات الثانية ما يخصه فيها، شيء من تلك المسامير التي يمكن للاسكتلندي أن يهمصّها بإبهامه، أما شعوب شغل دهديه، فيرفعون دائماً شعار، «ما في مشكلة.. كله مضبوط»، «مافيش مشاكل»، «لا تحاتي يا أخوي أمورك طيبة»، «ما فما أي مُشكل» «شغله مو محرزة»! وبعدين تعال وشوف المشاكل بعد التركيب، وحده المرتاح اللي نصا الياباني، ولا استخسر فيه ولا في شغله. خبروا الزمان فقالوا: - ينبغي صنع جسر جديد للعدو الهارب. - يقضي الكندي شطرين من عمره موضحاً للأميركي أنه ليس بريطانياً، وللبريطاني أنه ليس أميركياً. - عادة ما يقتل المتبجح أسداً غائباً. - السود يرسمون الشيطان أبيضَ. عجائب وغرائب: - عام 1997 رفضت شركة «ياهو» شراء «جوجل» بمليون دولار، اليوم تبلغ قيمة «جوجل» 200 مليار دولار، وقيمة «ياهو» فقط 20 مليار دولار، دخل «جوجل» في الثانية 732 دولاراً، وفي عام 1976 باع رجل حصته البالغة 10% في «أبل» بقيمة 800 دولار فقط، واليوم قيمتها وصلت إلى 58 مليار دولار. خزانة المعرفة: - من جماليات العربية وجناسها، وتراكيبها اللفظية: من خالفت أقواله أفعاله تحولت أفعاله أفعى له من أظهر السر الذي في صدره لغيره وهاله وهى…
الأحد ١٠ مارس ٢٠٢٤
- دخيل الله ما نريد مسلسلات شغل الثمانينات والتسعينيات، عقل وعقوص وشعر طويل وكحال صراي تارس العيون، و«طراد» قتل «هلال»، وابن عمه فارس «يبي» الثأر، وتظهر في النص بدوية غاوية تغير سير المسلسل من الثأر إلى الحب والهيام وتبادل الغرام شعراً وبنظرات العيون، ويتم «مشاري» يقرض الشعر، ويتشبب في بنت العم، ويتمون الجماعة قهوة سايرة وفناجين معمولة جاية، وعبارات ما تغيرت من مسلسل «فارس ونجود» وما يقهرونك إلا حين تسمع تلك الجملة غير المفيدة والمضللة للمشاهدين الكرام: «روّح جاي يا ابن العم»، فلا تعرف طلبه بالضبط هل يريده أن يذهب بعيداً أم يأتي قريباً منه؟ - دخيل الله شبعنا من مسلسلات المخدرات والتعاطي ورجال العصابات الذين يلبسون «جاكيتات» سوداء جلدية في رمضان، ومشاهد الدماء والخطف، حتى ما عدنا نستطيع أن نميز بين المسلسل اللبناني أو السوري أو التركي، وكأنهم جميعاً يعيشون في بلدان كارتيل المخدرات! - دخيل الله، ترا بسّنا من المسلسلات الخليجية المكررة، والتي تعتمد على البكائيات على اللبن المسكوب صيفاً، وعلى دموع «حياة الفهد» التي لا تجف، وعلى الصراخ الذي يشبه قرع أواني المطبخ في هدأة الليل، مسلسلات تجلب الضجر في هذا الشهر. - دخيل الله فكونا من الحوارات الساذجة في المسلسلات المحلية، وكأن كلها مكتوبة بطريقة أنثوية، ولا تناسب مع مقولات الرجال، ومرات تجدها متخشبة ومفتعلة ولا…
الأحد ٠٣ مارس ٢٠٢٤
تلألأت مساء أمس نجمة جديدة في سماء السعديات، لتضاف إلى أيقوناتها الثقافية صرحاً فنياً، حمل اسم الصديق العزيز، والأخ الكبير «بسام فريحه للفنون والعمل الإنساني»، كان الحضور كبيراً احتفاء وتقديراً لهذا الإنسان النبيل، بعرض جزء من مقتنياته الفنية، والخاصة بفن ولوحات الاستشراق، وما استوحى الرسامون الغربيون من حياة الشرق الساحرة والجميلة بكل تفاصيلها، وتركيزاً على الوجوه الإنسانية، والمرأة وجمالها بالذات. كان حفلاً مبهراً يليق بالمكان، ويليق بصاحبه، ولعلها من المرات القليلة التي أشاهد فيها حضوراً في فعالية ثقافية وفنية بهذا الحجم ونخبويته، ولعل هذا هو الهدف الذي من أجله بنيت كل تلك المنشآت الثقافية والصروح الفنية في هذه الجزيرة التي كانت دائماً في نطاق المراهنة عليها، وعلى أرضها، منذ أن راهن على خيرها الزراعي، المغفور له بإذن الله تعالي زايد الخير والبركة والحب والأعمال الريادية العظيمة، حين جلب لها خبراء مستعيناً بجامعة «أريزونا» في الستينيات، ليثبت لنفسه وللآخرين أن المراهنة على هذه الأرض كلها خير، وأن ملح البحر يمكن أن يروض، وأن التصحر يمكن أن يحتوى بالتحدي وبكثير من الوعي والثقة بالنفس، فكانت فرحة الثمار والخضار والفاكهة اليانعة، واليوم في نهضتنا الجديدة بقيادة رئيس دولتنا، وتاج رؤوسنا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بفكره المتجدد، وأحلامه الكبيرة والبعيدة، يذهب بهذه الجزيرة نحو أفق آخر، ومساحة أخرى، الثقافة بمفهومها…
الإثنين ٢٦ فبراير ٢٠٢٤
الإمارات بُنيت بالخير، وعُمرت بالبركة، وسادها رجال طينتهم الكرم، وبذرتهم السخاء، يفعلون ولا يقولون، يثيبون كخُلق عربي ولا يمنّون، يجودون حين الناس يعطون، لا لون لأياديهم إلا لون البياض، مثل وجوههم، ورغم ذاك هناك الجاحدون، وهناك المجندون وهناك الساعون للخلاف والاختلاف، قصة مساهمات الإمارات الإنسانية تختصرها سيرة رجل نبيل منا وعنا، هو عنوان للطيبة حين تكون، وعنوان للخير أينما كان، رجل يسبق الخير.. يفخر به أي وطن، يسود بين الناس، جاعلينه تاجاً من ظَفَر، وتزهو به المجتمعات لطول أياديه البيضاء، وسعة كفه، وسرعة خطواته نحو الخير، وفعله خلف كل قافلة محملة بالبركة، وخلف كل العطاءات المتوجهة شرقاً أو غرباً، وخلف فرحة قلوب الناس أينما كانوا، وخلف ضحكتهم بعد الآلام، وفجائع الزمن وكوارث الطبيعة. رجل يسبق الخير.. والمعروف جزء من طقسه اليومي، تشاهد طفلة بين النار والرماد، تأسرك صورتها في الحزن المحيط بها، فتقول: من لها؟! وفي اليوم نفسه يتهلل وجهك بشراً، لأن جابر عثرات الكرام، تكفل بها، وطببها وأشرف على علاجها، وعلّمها، وسماها ابنته، تفرح وتقول: الدنيا ستبقى مفعمة بالخير، لأن فيها رجلاً نبيلاً مثله، قلبه مشرّع للعون والمساعدة، وتذكر المعسرين، والمتعبين، والمنسيين، ومن أضنتهم الحياة أو عاندتهم الظروف وأعوزتهم، لا يكتفي بفعل الخير، بل يسعى لدوامه، وتعميمه ونشره في الأرجاء. رجل يسبق الخير.. يذهب إلى أفريقيا حيث الفقر مقبرة،…
الأحد ١٨ فبراير ٢٠٢٤
لقد أحصيت خلال السنوات الأخيرة، فوجدت أن الإنتاج السينمائي في الإمارات ودول الخليج، ينحصر معظمه في موضوع وثيمة «الجن والسحر والشعوذة» وأفلام يقال عنها إنها أفلام رعب، لكنه رعب يُضحك، حتى الأفلام التي أنتجتها شركاتنا السينمائية الكبيرة، وبميزانيات عالية، وفريق فني أجنبي مستورد، مثل فيلم «جن» الذي ظهر كأضعف ما أنتج من أفلام الرعب عالمياً، فما عاد صرير الباب يخوف المشاهد، ولا الرعد عند النافذة المفتوحة، تلك مشاهد كلاسيكية تجاوزتها السينما العالمية، وإنتاجها، فأفلام الرعب في أميركا وأوروبا وحتى السينما في هوليود تجدها ذات تقنية عالية من القصة إلى التمثيل إلى المكياج والإضاءة والموسيقى والمؤثرات البصرية والسمعيّة، وفيها جهد مبذول، بحيث يخرج المشاهد، وهو تعب من السينما، وتحت ضغط عصبي لم يحس به إلا بعد انتهاء الفيلم، والذي عادة يتسم بنهاية شبه موحدة أن الشر باقٍ، وأن الشرير لم يمت في نهاية الفيلم، وربما هناك تكملة لجزء تالٍ إذا ما حقق الفيلم الإقبال والانتشار والدخل المالي. اليوم أشعر أن كل مخرج جديد عندنا، إذا ما أراد أن يبدأ تجربته الأولى سينمائياً، يختار موضوعاً يعده مثيراً عند المتلقي، ويخوض في المسائل الغيبية، مثل السحر والشعوذة والجن والمارد، ويعتقد بـ «توليفة» سينمائية أحياناً ساذجة، أنه يحقق شيئاً ذا قيمة فنية، لكن لو نُظر لها بعين أوروبية أو أميركية فاحصة فنياً، وناقدة، لكان…
الثلاثاء ١٣ فبراير ٢٠٢٤
منذ وقت طويل جداً لم تشهد العين نزول بَرَد بهذه الكثافة، وهذا الوضوح، في صغرنا كان ينزل بين فترة وأخرى، وبشكل متفرق، ولا يحدث ذاك الضرر، لأنه لم يكن هناك شيء نخاف عليه من الضرر إلا الزرع، أما أمهات الضرع، فكانت تشاركنا سكننا وقت الشدة والخطر، بالأمس حين أرسلت لي أختي صور ومشاهد بيتنا في العين، والله ما عرفته، أتحسبته مدخل بيت في أوروبا عشية عيد الميلاد، قصورنا بس نجلس كأطفال مهذبين ونظاف في رياض ومدارس خاصة، ننتظر عمنا «بابا نويل» وهداياه، البَرَد والثلج خربط العين وأجواء البر والمزيون، يعني معقول نحط أغاني «ميحد حمد» القديمة في هذا الجو المتشح بالبياض الذي يحيط بالمكان، ويغري الناس بالدهشة والاكتشاف، لذا خرجت نوادر ومِلَح وتعليقات من الناس الذين خرجهم الجنرال الأبيض من بيوتهم، ومن مزاجهم، ومن طورهم، وكثير منهم لم يعرفوا كيف يتصرفون، فاجتهدوا وارتجلوا، فجأة أصبح الجميع مثل الأطفال يريدون أن يلعبوا بهذا القادم الأبيض، وخرجت ضحكاتهم بريئة وبيضاء؛ أحدهم يقترح على الناس أن لا يسحبوا نقوداً من جهاز الصراف الآلي، فربما أخرج لهم «يورو» بسبب الأجواء الأوروبية. بصراحة أمس الجو، جو لندني بامتياز، ذكرنا بـ «كريسمس» كيف كنا نقضيه في طفولتنا في برور العين، ونحن متعقطين ومتزربلين، خوف الشحف والحفاء؛ وأتذكر أصدقاء من ذاك الزمن الجميل أنا مع رشود وسعود…
الأحد ١١ فبراير ٢٠٢٤
ليس أحب ولا أجمل من ثيمة الصحراء وعدسة الكاميرا، سواء أكانت فوتوغرافية أم سينمائية، الصحراء مغرية ومشتهاة، تجذب عشاقها من الولوعين بشغف المغامرة والتصوير، ولطالما كانت الصحراء حاضرة في السينما بسحرها وغموضها وبالمعارك الدائرة على رمالها، وبالكنوز المدفونة بين كثبانها، ومثلما الصحراء حاضرة وبقوة في الأفلام، فهي حاضرة على الدوام في الأدب. ولعل فيلم «الكثيب Dune» في جزئه الأول، والجزء الثاني الذي ستستقبله دور العرض الأسبوع المقبل، والذي صور في صحراء أبوظبي، دليل يوضح كيف يمكن أن تتحول الرمال والكثبان الترابية بألوانها المختلفة إلى حكايات حب وحرب، وأجواء أسطورية لمغامرات غائرة في الماضي، ومخترقة لآفاق المستقبل، الصحراء الكبرى الأفريقية كانت موطن التصوير الأول للصحراء وما يحدث فيها، وشاهدها جمهور العالم، وفي الآونة الأخيرة ظهرت الصحراء في الأردن في الكثير من الأفلام الأميركية وخاصة التي تتحدث عن ما حدث في العراق، ولعل النهضة السينمائية الجديدة، والتي يمكن أن نسميها بالطفرة، لأنها أكبر من القفزة، والتي تجري في المملكة العربية السعودية، سيكون معها لصحراء الربع الخالي نصيب كبير في الحضور السينمائي الدولي. كل تلك الأمور خرجت متداعية ومنسابة من الذاكرة، وأنا أشارك في المهرجان الأول للسينما والصحراء الدولي في سلطنة عُمان الشقيقة، والذي استضافته مدينة «البديّة» بين كثبانها الرملية، ونخيلها الباسقات، وأفلاجها العذبة النابعة من بين صخور جبالها الشاهدات، والذي حلّت الإمارات…
الثلاثاء ٠٦ فبراير ٢٠٢٤
ترانا نحن جيل الستين والسبعين والثمانين ما نتحمل مصلحات الأجيال التي تلتنا، خاصة المولدون سنة ألفين، ونحن في تلك السنة غدينا محامل قديمة، صدورنا تدخن، وهم يأكلون من أطعمة «كارفور»، ويستخدمون قطنة، بالتأكيد هناك بون شاسع بين جيل مجالد من أجل اللقمة، وجيل فطم وفي فمه ملعقة من فضة وذهب، ومهما تحدثنا عن تجسير الهوة بين الأجيال أو تواصل الأجيال، وتلاقح الثقافات، لكن لا اللغة تسعفنا ولا تسعفهم، ولا التصرف منهم يعجبنا، ولا تصرفنا الملتزم يروق لهم، هناك قطيعة واضحة، وتتجلى أكثر ما تتجلى بين جيل الستين وجيل الألفية الثالثة، مثلاً؛ في المجلس أنت «جاب ركبة» رغم أن عظامها تتناقع، وهو «متفرشغ»، وحين تطلب منه أن يصطلب، ويجلس جلسة رجال، يرد عليك بجواب، لا تستطيع أن تقول عنه إنه غير مقنع، خاصة حين يعزف على الوتر الحساس للركبة، وأن تلك الجلسة لا تتناسب وعمرك التقاعدي، وأن دراسة ألمانية شخصت كل أسباب أوجاع المفاصل وتصلبها وهشاشة العظام في دول مجلس التعاون تعود للعادات الاجتماعية التي يمارسونها في حياتهم اليومية. تظهر مثلاً مع ولدك ليزور أعمامه، أنت بعقال أو متعمم، وهو لابس «كاب» على الكندورة، وحين تقول له: ما أحد يزور أرحامه، وهو لابس «كاب»، يقول لك: «واي نت»؟ فيسقط في يدك، ولا تلوي على جواب يخرسه، فترتد على مرجعية العادات والتقاليد…
الأربعاء ٣١ يناير ٢٠٢٤
لعل من ميزات وسائل التواصل والاتصال الجديدة أنها تختصر عليك مشقة البحث والتنقيب في أمهات الكتب، والتي يكون الاطلاع عليها للمتبحرين والباحثين والمتقصين، وهؤلاء الأشخاص هناك الكثير ممن يكذبهم، والكثير ممن لا يسمع لهم، والكثير ممن يشكك فيهم، وممن يؤمن بما قالوا، دخلوا معهم في سجال ومناقشة، اليوم الوسائط الذكية تنقل لك بثاً حيّاً وملوناً بالصوت والصورة، ويصل إلى الجهات الأربع في الوقت نفسه، وهنا لا أتحدث عن الأشياء المفبركة والمركبة وما كان القصد من طرحها الترفيه وجلب الضحكة، أنا أتكلم عن نقل حي من مساجدهم وحوزاتهم وخلواتهم وتكاياهم وزواياهم، وأمامهم ميكروفونات ذات تقانة عالية، اخترعها من يلعنونه، ويسمونه الكافر والمخلد في النار، لكنهم يمتطون ظهره، ولا يأكلون لحمه، وأمامهم حشد كبير من البسطاء أو الجهلاء أو المعتلين، وهناك المندسون والمدفوع لهم من أصحاب الأجندات، والذين يقودون عقلية القطيع، كلهم جاؤوا وهم يعتقدون بطهارة ذاك الجالس يخطب، ويدوزن صوته بين الجواب والقرار، وبعضهم يتمادى، ويستخدم خاصية صدى الصوت في مكبرات الصوت، لخلق مزيد من التأثير على الناس، وبعضهم تَهلّ عبراته ودمعاته ليستدر العواطف، ويسلب الناس تفكيرهم، هؤلاء الذين يعدون ظواهر مسرحية، تغلب عليهم العمائم الملونة والخواتم الفضية، ذات الأحجار الكريمة، وعطور أشبه بالكافور، وروائح الجنائز. كان الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، يختصر الإسلام لشخص بدوي، لا يريد من الدين الجديد…
الثلاثاء ٣٠ يناير ٢٠٢٤
سأجعل التداعيات وخواطر الحديث تنقلنا وأنا أتحدث عن الكبد، وارتباطها بثقافات الشعوب، وخاصة العربية، وحضورها اليومي في مفردات الناس، إما بالسلب أو الإيجاب، ومن ثم سنعرج على الموضوع الرئيس، وهو الحديث عن آكلي الأكباد، لا فرق بين كبدة حيّة نيئة، مثلما يفعل اللبنانيون أو أهل شمال السودان الذين يعدون كبدة الجمل النيئة أكلة الأبطال في فطورهم، أو كانت كبدة مشوية أو مقلية مثلما هو فطور بعض الشعوب مثل اليمنيين والعراقيين، فهي مفيدة إن استسغتها لأنها مصدر مهم للحديد في الجسم، مثلها مثل لحم الخيل المنعوت للذين يعانون من فقر الدم. المهم أن الحديث عن الكبد يطول ويتشعب، ويمكن للإنسان أن يشرّق ويغرّب، ولا يأتي بقاصيه، ولعل من المشهورات في الجاهلية ماضغة الأكباد أو آكلة الأكباد «هند بنت عتبة» انتقاماً لمقتل أبيها عتبة، وأخيه شيبة، وأخيها الوليد في معركة بدر، وفعلت فعلتها التي جرحت الرسول الكريم حين لاكت كبد حمزة بن عبد المطلب، بعد استشهاده في معركة أحد، وحين فتح مكة أهدر دمها، لكنها أتته مسلمة ممن عرفوا بعد الفتح بالطلقاء، ولم ينظر لها الرسول الكريم قط. والعرب كانت تقول: ضربنا أكباد الإبل في طلب العلم، وآباط الأبل في طلب العمل، دليل التعب والمشقة، وضرب الدروب من أجل الحصول عليهما، وأهل الخليج يقولون: «لاعت جبدي، وغثيت جبدي»، بمعنى سببت لي حومة…