ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

الرعب ليس مكانه الظلام فقط

الأحد ١٨ فبراير ٢٠٢٤

لقد أحصيت خلال السنوات الأخيرة، فوجدت أن الإنتاج السينمائي في الإمارات ودول الخليج، ينحصر معظمه في موضوع وثيمة «الجن والسحر والشعوذة» وأفلام يقال عنها إنها أفلام رعب، لكنه رعب يُضحك، حتى الأفلام التي أنتجتها شركاتنا السينمائية الكبيرة، وبميزانيات عالية، وفريق فني أجنبي مستورد، مثل فيلم «جن» الذي ظهر كأضعف ما أنتج من أفلام الرعب عالمياً، فما عاد صرير الباب يخوف المشاهد، ولا الرعد عند النافذة المفتوحة، تلك مشاهد كلاسيكية تجاوزتها السينما العالمية، وإنتاجها، فأفلام الرعب في أميركا وأوروبا وحتى السينما في هوليود تجدها ذات تقنية عالية من القصة إلى التمثيل إلى المكياج والإضاءة والموسيقى والمؤثرات البصرية والسمعيّة، وفيها جهد مبذول، بحيث يخرج المشاهد، وهو تعب من السينما، وتحت ضغط عصبي لم يحس به إلا بعد انتهاء الفيلم، والذي عادة يتسم بنهاية شبه موحدة أن الشر باقٍ، وأن الشرير لم يمت في نهاية الفيلم، وربما هناك تكملة لجزء تالٍ إذا ما حقق الفيلم الإقبال والانتشار والدخل المالي. اليوم أشعر أن كل مخرج جديد عندنا، إذا ما أراد أن يبدأ تجربته الأولى سينمائياً، يختار موضوعاً يعده مثيراً عند المتلقي، ويخوض في المسائل الغيبية، مثل السحر والشعوذة والجن والمارد، ويعتقد بـ «توليفة» سينمائية أحياناً ساذجة، أنه يحقق شيئاً ذا قيمة فنية، لكن لو نُظر لها بعين أوروبية أو أميركية فاحصة فنياً، وناقدة، لكان…

العين تدمع ثلجاً

الثلاثاء ١٣ فبراير ٢٠٢٤

منذ وقت طويل جداً لم تشهد العين نزول بَرَد بهذه الكثافة، وهذا الوضوح، في صغرنا كان ينزل بين فترة وأخرى، وبشكل متفرق، ولا يحدث ذاك الضرر، لأنه لم يكن هناك شيء نخاف عليه من الضرر إلا الزرع، أما أمهات الضرع، فكانت تشاركنا سكننا وقت الشدة والخطر، بالأمس حين أرسلت لي أختي صور ومشاهد بيتنا في العين، والله ما عرفته، أتحسبته مدخل بيت في أوروبا عشية عيد الميلاد، قصورنا بس نجلس كأطفال مهذبين ونظاف في رياض ومدارس خاصة، ننتظر عمنا «بابا نويل» وهداياه، البَرَد والثلج خربط العين وأجواء البر والمزيون، يعني معقول نحط أغاني «ميحد حمد» القديمة في هذا الجو المتشح بالبياض الذي يحيط بالمكان، ويغري الناس بالدهشة والاكتشاف، لذا خرجت نوادر ومِلَح وتعليقات من الناس الذين خرجهم الجنرال الأبيض من بيوتهم، ومن مزاجهم، ومن طورهم، وكثير منهم لم يعرفوا كيف يتصرفون، فاجتهدوا وارتجلوا، فجأة أصبح الجميع مثل الأطفال يريدون أن يلعبوا بهذا القادم الأبيض، وخرجت ضحكاتهم بريئة وبيضاء؛ أحدهم يقترح على الناس أن لا يسحبوا نقوداً من جهاز الصراف الآلي، فربما أخرج لهم «يورو» بسبب الأجواء الأوروبية. بصراحة أمس الجو، جو لندني بامتياز، ذكرنا بـ «كريسمس» كيف كنا نقضيه في طفولتنا في برور العين، ونحن متعقطين ومتزربلين، خوف الشحف والحفاء؛ وأتذكر أصدقاء من ذاك الزمن الجميل أنا مع رشود وسعود…

السينما تغزو الصحراء

الأحد ١١ فبراير ٢٠٢٤

ليس أحب ولا أجمل من ثيمة الصحراء وعدسة الكاميرا، سواء أكانت فوتوغرافية أم سينمائية، الصحراء مغرية ومشتهاة، تجذب عشاقها من الولوعين بشغف المغامرة والتصوير، ولطالما كانت الصحراء حاضرة في السينما بسحرها وغموضها وبالمعارك الدائرة على رمالها، وبالكنوز المدفونة بين كثبانها، ومثلما الصحراء حاضرة وبقوة في الأفلام، فهي حاضرة على الدوام في الأدب. ولعل فيلم «الكثيب Dune» في جزئه الأول، والجزء الثاني الذي ستستقبله دور العرض الأسبوع المقبل، والذي صور في صحراء أبوظبي، دليل يوضح كيف يمكن أن تتحول الرمال والكثبان الترابية بألوانها المختلفة إلى حكايات حب وحرب، وأجواء أسطورية لمغامرات غائرة في الماضي، ومخترقة لآفاق المستقبل، الصحراء الكبرى الأفريقية كانت موطن التصوير الأول للصحراء وما يحدث فيها، وشاهدها جمهور العالم، وفي الآونة الأخيرة ظهرت الصحراء في الأردن في الكثير من الأفلام الأميركية وخاصة التي تتحدث عن ما حدث في العراق، ولعل النهضة السينمائية الجديدة، والتي يمكن أن نسميها بالطفرة، لأنها أكبر من القفزة، والتي تجري في المملكة العربية السعودية، سيكون معها لصحراء الربع الخالي نصيب كبير في الحضور السينمائي الدولي. كل تلك الأمور خرجت متداعية ومنسابة من الذاكرة، وأنا أشارك في المهرجان الأول للسينما والصحراء الدولي في سلطنة عُمان الشقيقة، والذي استضافته مدينة «البديّة» بين كثبانها الرملية، ونخيلها الباسقات، وأفلاجها العذبة النابعة من بين صخور جبالها الشاهدات، والذي حلّت الإمارات…

سؤال غائر حد عظم الرقبة

الثلاثاء ٠٦ فبراير ٢٠٢٤

ترانا نحن جيل الستين والسبعين والثمانين ما نتحمل مصلحات الأجيال التي تلتنا، خاصة المولدون سنة ألفين، ونحن في تلك السنة غدينا محامل قديمة، صدورنا تدخن، وهم يأكلون من أطعمة «كارفور»، ويستخدمون قطنة، بالتأكيد هناك بون شاسع بين جيل مجالد من أجل اللقمة، وجيل فطم وفي فمه ملعقة من فضة وذهب، ومهما تحدثنا عن تجسير الهوة بين الأجيال أو تواصل الأجيال، وتلاقح الثقافات، لكن لا اللغة تسعفنا ولا تسعفهم، ولا التصرف منهم يعجبنا، ولا تصرفنا الملتزم يروق لهم، هناك قطيعة واضحة، وتتجلى أكثر ما تتجلى بين جيل الستين وجيل الألفية الثالثة، مثلاً؛ في المجلس أنت «جاب ركبة» رغم أن عظامها تتناقع، وهو «متفرشغ»، وحين تطلب منه أن يصطلب، ويجلس جلسة رجال، يرد عليك بجواب، لا تستطيع أن تقول عنه إنه غير مقنع، خاصة حين يعزف على الوتر الحساس للركبة، وأن تلك الجلسة لا تتناسب وعمرك التقاعدي، وأن دراسة ألمانية شخصت كل أسباب أوجاع المفاصل وتصلبها وهشاشة العظام في دول مجلس التعاون تعود للعادات الاجتماعية التي يمارسونها في حياتهم اليومية. تظهر مثلاً مع ولدك ليزور أعمامه، أنت بعقال أو متعمم، وهو لابس «كاب» على الكندورة، وحين تقول له: ما أحد يزور أرحامه، وهو لابس «كاب»، يقول لك: «واي نت»؟ فيسقط في يدك، ولا تلوي على جواب يخرسه، فترتد على مرجعية العادات والتقاليد…

عمائم كاذبة

الأربعاء ٣١ يناير ٢٠٢٤

لعل من ميزات وسائل التواصل والاتصال الجديدة أنها تختصر عليك مشقة البحث والتنقيب في أمهات الكتب، والتي يكون الاطلاع عليها للمتبحرين والباحثين والمتقصين، وهؤلاء الأشخاص هناك الكثير ممن يكذبهم، والكثير ممن لا يسمع لهم، والكثير ممن يشكك فيهم، وممن يؤمن بما قالوا، دخلوا معهم في سجال ومناقشة، اليوم الوسائط الذكية تنقل لك بثاً حيّاً وملوناً بالصوت والصورة، ويصل إلى الجهات الأربع في الوقت نفسه، وهنا لا أتحدث عن الأشياء المفبركة والمركبة وما كان القصد من طرحها الترفيه وجلب الضحكة، أنا أتكلم عن نقل حي من مساجدهم وحوزاتهم وخلواتهم وتكاياهم وزواياهم، وأمامهم ميكروفونات ذات تقانة عالية، اخترعها من يلعنونه، ويسمونه الكافر والمخلد في النار، لكنهم يمتطون ظهره، ولا يأكلون لحمه، وأمامهم حشد كبير من البسطاء أو الجهلاء أو المعتلين، وهناك المندسون والمدفوع لهم من أصحاب الأجندات، والذين يقودون عقلية القطيع، كلهم جاؤوا وهم يعتقدون بطهارة ذاك الجالس يخطب، ويدوزن صوته بين الجواب والقرار، وبعضهم يتمادى، ويستخدم خاصية صدى الصوت في مكبرات الصوت، لخلق مزيد من التأثير على الناس، وبعضهم تَهلّ عبراته ودمعاته ليستدر العواطف، ويسلب الناس تفكيرهم، هؤلاء الذين يعدون ظواهر مسرحية، تغلب عليهم العمائم الملونة والخواتم الفضية، ذات الأحجار الكريمة، وعطور أشبه بالكافور، وروائح الجنائز. كان الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، يختصر الإسلام لشخص بدوي، لا يريد من الدين الجديد…

آكلو الأكباد

الثلاثاء ٣٠ يناير ٢٠٢٤

سأجعل التداعيات وخواطر الحديث تنقلنا وأنا أتحدث عن الكبد، وارتباطها بثقافات الشعوب، وخاصة العربية، وحضورها اليومي في مفردات الناس، إما بالسلب أو الإيجاب، ومن ثم سنعرج على الموضوع الرئيس، وهو الحديث عن آكلي الأكباد، لا فرق بين كبدة حيّة نيئة، مثلما يفعل اللبنانيون أو أهل شمال السودان الذين يعدون كبدة الجمل النيئة أكلة الأبطال في فطورهم، أو كانت كبدة مشوية أو مقلية مثلما هو فطور بعض الشعوب مثل اليمنيين والعراقيين، فهي مفيدة إن استسغتها لأنها مصدر مهم للحديد في الجسم، مثلها مثل لحم الخيل المنعوت للذين يعانون من فقر الدم. المهم أن الحديث عن الكبد يطول ويتشعب، ويمكن للإنسان أن يشرّق ويغرّب، ولا يأتي بقاصيه، ولعل من المشهورات في الجاهلية ماضغة الأكباد أو آكلة الأكباد «هند بنت عتبة» انتقاماً لمقتل أبيها عتبة، وأخيه شيبة، وأخيها الوليد في معركة بدر، وفعلت فعلتها التي جرحت الرسول الكريم حين لاكت كبد حمزة بن عبد المطلب، بعد استشهاده في معركة أحد، وحين فتح مكة أهدر دمها، لكنها أتته مسلمة ممن عرفوا بعد الفتح بالطلقاء، ولم ينظر لها الرسول الكريم قط. والعرب كانت تقول: ضربنا أكباد الإبل في طلب العلم، وآباط الأبل في طلب العمل، دليل التعب والمشقة، وضرب الدروب من أجل الحصول عليهما، وأهل الخليج يقولون: «لاعت جبدي، وغثيت جبدي»، بمعنى سببت لي حومة…

وسام على الصدر جهة الشمال

الأحد ٢٨ يناير ٢٠٢٤

من يرى قلعة الجاهلي لا يعتقد أنها مبنية بغير سواعد الرجال وللرجال، وأنها كانت عيناً على العين في السهد وفي الظلام، وأنها كانت ترساً ودرعاً عن سكانها، حين تلم الخطوب، وحين يكثر الحِمام، ندخلها ونحن نتذكر كم هي شامخة وعصيّة، وعلى رأس مشراف، لها تحركت كتائب وسرايا، وفيها مكث ضباط وجنود على مر السنين والأوقات، تعقبهم أرتال من آليات عسكرية تغلب عليها صبغة اللون الأخضر الزيتوني العسكري، ذكرها الرحالة، ودونت في كتب ورسائل وتقارير القادة والسياسيين الإنجليز، والمندوبين السامين للتاج الملكي البريطاني. بالأمس احتفت هذه القلعة بنخبة من المتقاعدين العسكريين القدامى، رفاق السلاح والتعب والصبر وسنوات الجَلَد، والذين يتذكرونها قديماً وهي مطلية بالنورة البيضاء، ويعرفون بابها الرئيسي جهة الشمال، لأن الكثير منهم مسك «الزام» عند مدخلها بندقيته «الكند»، و«دريسه» الخاكي والقميص الرصاصي والشماغ الأحمر، والعقال الذي تزين منتصفه بخنجر فضي، وليس لونها الطيني، ولا بابها الرئيسي الآن جهة الغرب معادلاً الشارع العام، لقد بقي أولئك الرجال المتقاعدون يتذاكرون السنوات البعيدة، وكم مكثوا فيها قبل أن تتبدل السرايا والكتائب منها وإليها، إما صوب المنامة أو جهة محطة الشارقة أو نحو الحمراء وجبل الظنة أو المرفأ، تذكروا مكتب القائد العام، و«ميز» الضباط، و«الكانتين»، وأبراج الحراسة الليلية، دائماً الأشياء التي تعيها ذاكرة الشباب تبقى طرية كما هي في الذاكرة، كان هناك كثير من…

انتصر لنفسك

الثلاثاء ١٦ يناير ٢٠٢٤

من ضمن الدراسات التي يجريها علماء النفس، هناك دراسة تخص موضوع الترقب والتحفز والانتظار، ومدى تأثيرها على مختلف الناس بمختلف الأجناس والأعمار، حيث ثبت للعلماء الدارسين والمراقبين أن ما نسبته 95% من الناس، حينما يتصل بهم أحد، ويقول لهم: «أريدكم في موضوع أو أريد التحدث معكم بخصوص مسألة»، يصابون بالتوتر والقلق، ويبدأ الانتظار يقتلهم، وينسجون قصصاً متخيلة، وسيناريوهات محتملة، وربما أدى بهم ذلك الصراع مع النفس لبعض الوقت لطرح نهايات أو صنع ردات فعل متعددة، وقد ينسى ذلك الشخص المتصل الموضوع، ويسهو عن الاتصال، وكأن المنتظر على جمر الغضا لا يعنيه، ولا ذلك الذي ما برح يضرب أخماساً بأسداس لم يسبب له أي قلق. نصيحة من علماء النفس: لا تدعوا أحداً يخلق لكم فيلم الرعب ذاك، ولا يشغلكم بطلبه، ولا يدعكم في دوامة الأسئلة، ولا في ساعات الانتظار التي تتحرك دقاتها ببطء وإلى الخلف، والخير أن تبت الموضوع معه حالاً وفي ذاك التو أو على الأقل يكون واضحاً بطلبه، ولا تدعه يتصنع الجدّية، ويمارس عليك بعضاً من الغموض والإثارة، لأنه إن فعل أثّر على نفسيتك، وأعطب صحتك، وعطل نشاطك أو أقل القليل أنه لم يجعلك على طبيعتك وهدوء نفسك. ويبدو أن هناك أناساً متخصصين في إتلاف أعصاب عباد الله، كأن يتصل بك واحد، وبالكاد تسمع هسيس صوته، ويجر عليك تلك…

متفرقات عام جديد

الثلاثاء ٠٢ يناير ٢٠٢٤

- عام مضى، عام ولى وانتهى، عام تركناه خلفنا وانقضى، كانت له بصماته وابتساماته على العام والخاص، على المكان، وفي نفوس كثير من الناس، مثلما له علاماته وأحزانه التي تبقي في ذاكرة المكان وقلوب الأشخاص الآهلين في المكان، ولأننا ضد عشاق الظلام، ومحبون للنور، دائماً ما نعلق آمالنا وأمانينا على ظهر العام المقبل، القادم كعربة جامحة تجرها جياد السباق، ونستودع تعبنا وآلامنا العام المنصرم الذي يتلاشى في ظلال الزمان، ولا يبقى منا، ولا فينا إلا وقائع يومنا المُعاش. - في العام الذي ودعناه بالأمس، سجلت الإمارات وطناً وأفراداً ومؤسسات ريادة وسبقاً وزهواً بنجاحات مختلفة على كثير من الصُعد، هي نجاحات متتالية سابقة ولاحقة، ومقبلة، لأن ميزة الإمارات وامتيازها أنها متحركة على الدوام، لا شيء ثابتاً عندها وفيها، إلا الأخلاق والقيم والمُثل، وما تواصت به الأجيال، وتلك النظرة الإنسانية المتسامحة مع الجميع، ومن أجل الجميع. - تحية واجبة ومستحقة، ومباركة كريمة لازمة بالعام الجديد للقائد، رئيس دولتنا، تاج رؤوسنا، لأنه فرح وفخر الدار، ولأنه جالب السعادة والأمن والأمان للدار وأهل الدار، ومن سكن الدار، ولأنه يحمل الثقيلة عنا، ويترك الخفيفة لنا، ولأن طلعة محياه تعني لنا الكثير، ولأن بسمته تحمل لنا الكثير، ولأن كلمة الرضا منه تُحمّلنا الكثير، لذا وجبت تلك القبلة لـ «أبو خالد» على الرأس فخر الرجال، وعلى الجبين…

مات ثعلب السياسة

الثلاثاء ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٣

«هنري الفريد كيسنجر» ولد في مقاطعة بافاريا بألمانيا عام 1923، باسم «هاينز»، هرب من ألمانيا النازية مع عائلته عام 1938 وعمره 15 عاماً إلى لندن ثم إلى أميركا، حصل على الجنسية الأميركية وعمره 20 عاماً، والده «لويس» مدرس، وأمه «بولا ستيرن» مدبرة منزل، له أخ وحيد هو «والتر» يصغره بعام، ومات قبله بعام تقريباً، اسم «كيسنجر» جاء بتسمية من جده الثالث نسبة لبلدة اشتهرت بالمياه المعدنية في بافاريا اسمها «باد كيسينغن»، بدأ حياته لاعب كرة قدم جناحاً في ناد ألماني عريق، لكنه وجد مضايقات من عصابة «شباب هتلر»، ومنع من دخول صالات الرياضة، ثم تم فصل أبيه من التدريس، بعد وصوله إلى أميركا عمل في القوات الأميركية البرية برتبة رقيب، اشترك في الحرب العالمية الثانية، وحرب فيتنام، تخرج محاسباً من كلية نيويورك، ثم درس العلوم السياسية في جامعة «هارفارد» ونال الماجستير والدكتوراه منها بتخصصات في السياسة والفلسفة، ثم درّس فيها فيما بعد، أصبح مستشاراً للأمن القومي الأميركي عام 1969، ثم وزيراً للخارجية الأميركية عام 1973. كان يجيد الألمانية والإنجليزية بلكنة ألمانية لا تخفى على أحد، وبسبب انخراطه في التفاوض وإجراءات وقف إطلاق النار في فيتنام، حصل كيسنجر على جائزة نوبل للسلام في عام 1973 في وقت عصيب وينذر بكثير من الخلافات، وتجدد الاشتباكات، واستقال حينها عضوان من لجنة جائزة نوبل…

في وداع رجل هادئ ودافئ وطيب

الأحد ١٩ نوفمبر ٢٠٢٣

«علاء نصّار» فنان مصري، برؤية مختلفة في فن الإخراج الصحفي عن المدرسة التقليدية، له لمسة جمالية لا تخطئها العين، ولا يمكن إلا أن تسجل نقطة لصالحه من أول لقاء، إن كنت صحفياً وعاملاً في بلاط صاحبة الجلالة، ولك تلك النظرة الفاحصة والمهنية، وهذا مدعاة لمعرفته والتعامل معه، واحترام عمله وتقديره، غير أن «علاء نصّار» إضافة لذلك هو شخص جميل وإنسان هادئ ودافئ وطيب بكل معنى الهدوء والعِشرة الطيبة والتركيز في جودة العمل والحرص على روح الأخوة والزمالة، وكثيراً ما يمنعه حياؤه من رد الإساءة أو محاولة النيل من الآخر، لأنه ببساطة دون أعداء يصنعهم، وأكبر من أعداء يصنعون أنفسهم في طريقه، هو دائماً خارج حسابات الغيرة المهنية، لأنه واثق من نفسه، ومن عمله، ولا يحب أن يكون له أعداء بالمطلق. عرفته من مؤسسة الأهرام، وأثناء الكتابة في مجلة «نصف الدنيا» التابعة للأهرام، ورئيس تحريرها «سناء البيسي»، بعدها زاملني في العمل مع مجلة «المرأة اليوم» وكل مطبوعات المؤسسة العربية للصحافة «الرجل اليوم» و«أطفال اليوم» و«عيناوي» وغيرها، وحين انتقل إلى جريدة الاتحاد، كانت لمسته الجميلة واضحة على صفحات الجريدة، خاصة في الصفحة الأولى، والصفحة الأخيرة التي نسميها «الصفحة الأولى الثانية» لما لها من خصوصية، أخذته من اهتمامات الناس، ومن يحبون أن يقرؤوا الجريدة بطريقة معاكسة. كنت على صلة بـ«علاء نصّار» بشكل يومي،…

«مطار زايد الدولي»

الخميس ٠٢ نوفمبر ٢٠٢٣

كان حلماً وأمنية ورجاء ونداء منذ عام 2018؛ لأننا كنا في مئوية الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، وأَسْبَغ عليه رحمته، وجعل مثواه جنانه، وجزاه على أعماله خير الجزاء، وعلى إحسانه أفضل الحسنات، وفضل الدعاء، ولأننا كنا نحتفي في عام 2018 بعام زايد، كان ذاك الحلم والأمنية والرجاء والنداء أن يحمل مطار عاصمتنا الجميلة اسمه للذكرى، وليس للتذكير، فأمثاله لا يغيبون عن الذكر والذاكرة ما بقي الخير في الناس، وبقي الشرف والنبل وقيم الحق والجمال، ولأن أفضال ومكرمات الرجل علينا كثيرة، ونخجل من كثرها، ولا نعرف كيف نرد أقلها، ولأنه رجل تاريخي لا يتكرر، نفخر به، مثلما تفخر به وبمنجزاته دول غيرنا، تحترم التاريخ، وتعرف الرجال، ولأنه صنع لنا وطناً هو اليوم في مصاف دول ناهضة في كافة المجالات، وسبّاقة للإبداع والابتكار، والمنافسة على الريادة من أجل التقدم والرقي وإسعاد الناس، ولأننا نحب الرجل، ولا يبارحنا كظلنا، ويتراءى لنا في كل مكان شهد خطواته، ومرت من هناك أحلامه، وجعل من الرمال نخيلاً وأشجاراً وجنات للطير والأنعام والإنسان، وترك لنا في كل مكان مشفى ومدرسة وبيوتاً تليق بمن كان يسميهم «أولادي»، من أجل كل ذلك، ومن أجل كل شيء جميل في الحياة، ومن أجل أن تظل تلك الفرحة دائمة في الصدور، ومن أجل ذاكرة أجيال مقبلة وقادمة، وربما كانت طرية، كنت أتمنى…