ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

نجمة أخرى في سماء السعديات

آراء

تلألأت مساء أمس نجمة جديدة في سماء السعديات، لتضاف إلى أيقوناتها الثقافية صرحاً فنياً، حمل اسم الصديق العزيز، والأخ الكبير «بسام فريحه للفنون والعمل الإنساني»، كان الحضور كبيراً احتفاء وتقديراً لهذا الإنسان النبيل، بعرض جزء من مقتنياته الفنية، والخاصة بفن ولوحات الاستشراق، وما استوحى الرسامون الغربيون من حياة الشرق الساحرة والجميلة بكل تفاصيلها، وتركيزاً على الوجوه الإنسانية، والمرأة وجمالها بالذات.

كان حفلاً مبهراً يليق بالمكان، ويليق بصاحبه، ولعلها من المرات القليلة التي أشاهد فيها حضوراً في فعالية ثقافية وفنية بهذا الحجم ونخبويته، ولعل هذا هو الهدف الذي من أجله بنيت كل تلك المنشآت الثقافية والصروح الفنية في هذه الجزيرة التي كانت دائماً في نطاق المراهنة عليها، وعلى أرضها، منذ أن راهن على خيرها الزراعي، المغفور له بإذن الله تعالي زايد الخير والبركة والحب والأعمال الريادية العظيمة، حين جلب لها خبراء مستعيناً بجامعة «أريزونا» في الستينيات، ليثبت لنفسه وللآخرين أن المراهنة على هذه الأرض كلها خير، وأن ملح البحر يمكن أن يروض، وأن التصحر يمكن أن يحتوى بالتحدي وبكثير من الوعي والثقة بالنفس، فكانت فرحة الثمار والخضار والفاكهة اليانعة، واليوم في نهضتنا الجديدة بقيادة رئيس دولتنا، وتاج رؤوسنا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بفكره المتجدد، وأحلامه الكبيرة والبعيدة، يذهب بهذه الجزيرة نحو أفق آخر، ومساحة أخرى، الثقافة بمفهومها الإنساني، وبُعدها الحضاري، وفنون العيش والتعايش والسماحة والتسامح التي منبعها أرض الإمارات.

«مؤسسة بسام فريحه للفنون والعمل الإنساني» في أول معارضها، وبداية مشوارها في احتضان وعرض المقتنيات الخاصة لمحبي الفنون والأعمال الإبداعية، وفي تبني المواهب الفنية الصغيرة، وصقلها وإعدادها وابتعاثها نحو تحقيق المهنية والبروز عربياً وعالمياً، هي واعدة بكل ما هو جميل ويخدم المجتمع وأفراده، ويساهم في تنميته ورقيه.

«بسام فريحه» تعلم وتخرج من ثلاث جامعات كما يقول دائماً، الجامعة الأكاديمية، جامعة بيروت الأميركية حيث غذته بالمعارف الأساسية، وبالأصدقاء القليلين، وفتحت ذهنه على العالم، وجامعتان يدين لهما باكتمال الوعي، وتلمس دروب الحكمة، منهما تعلم فن الحياة، ومعاني الإنسان السامية، والقيم والأخلاق النبيلة، وعرف أصدقاء كثراً، الأولى في كنف أبيه العصامي، أحد الصحفيين العرب الكبار، الراحل «سعيد فريحه»، والثانية في حضرة الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، ومجالسه، ورحلاته وعلاقته الوطيدة معه، فقد عدّه منذ أول لقاء معه عام 1968، صديقاً مقرباً، وبعد وفاة أبيه عدّه ابناً، وهو بمثابة الأب الذي فقده.

غُرم «بسام فريحه» بالأعمال الفنية المختلفة، وسعى خلفها في مدن العالم ينتقي ويقتني، وغلب عليه عشق اللوحات الاستشراقية لرسامين عالميين استهوتهم أسرار الحياة والتفاصيل اليومية في الشرق العربي، وتوزعت مقتنياته على عواصم عدة في العالم، حتى حقق له «أبو خالد» حلمه بأن يرى مقتنياته، ويراها الناس في مكان عام من جزيرة السعديات، اختار هو تصميمه، والذي يعد اليوم أيقونه أخرى في نسيج المنطقة الثقافية في عاصمتنا الجميلة.

بقي «بسام سعيد فريحه» الإنسان، ومبعث الحديث عن هذا الجانب القلب، والقلب الصادق، حيث تجد أن له من اسمه كل النصيب، فهو «باسم وسعيد وفرح» على الدوام، كثير الأصدقاء، ويعيش راضياً أنه بلا أعداء، يقول: لا يكفي يا صديقي أن تغفر زلات الناس، ولكن عليك أن تسامحهم لتعيش معهم وبينهم! وأنا كصديق أقول: يكفيه أنه رجل لم يعرفه أحد، ولم يحبه، وأن سعادته الحقيقية العمل والتسامح الإنساني، ورضاه يراه في عيون الآخرين الشاكرين!

بعض الوجوه هي نجوم تشع في داخلنا ومن حولنا، وتبعث في نفوسنا الفرح وتلك الطاقة الإيجابية نحو الحياة في زخرفها، «بسام» هو كذلك على الدوام.

المصدر: الاتحاد