آراء

العاطفة في شعر الأمير خالد الفيصل..جدلية الوعي والوجدان

الإثنين ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٥

         خاص لـ هات بوست:      يُعدّ شعر الأمير خالد الفيصل ظاهرةً جماليةً وفكريةً متفرّدة في الشعر العربي الحديث، لكونه ينتمي إلى الوعي قبل الانتماء إلى المدرسة، فهو لا ينشغل بتقنيات القول بقدر انشغاله بالمعنى الكامن في التجربة الإنسانية، تتجاوز قصيدته العاطفةَ لتلامس الوعي الأخلاقي والفلسفي، إذ تتحول اللغة إلى مرآة للذات الباحثة عن توازنها، إنّ القيمة الحقيقية لشعره تكمن في القدرة على تحويل البساطة إلى تأمل، والوجدان إلى فكر.        إنّ (دايم السيف) شاعر يمارس الشعر كفعلٍ معرفيٍّ، وكأن القصيدة عنده أداة تفكير وجوديّ، تُسائل الإنسان لا تُزيّنه، وتواجهه لتقدم فلسفة عميقة، فباتت كلماته تؤسس لحالةٍ معرفية يتماهى فيها الحدّ الفاصل بين الحلم والوعي، كأن لغته الحالمة نفسها تفكّر في يقظتها ومنامها، لتتحول بعد بزوغها إلى نور يضيء زوايا النفس، وإلى موجٍ يهمس في صمت الزمن، في قصائده التي تنساب عبيراً يليق بألق عاطفته لم تكن مجرد نص تنقصه الروح ، بل رحلة بين أفق الذات وعمق…

الفاشر.. القاتل والمقتول وجه واحد

الإثنين ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: بعد تحوّل الوطن إلى ساحةٍ تتنازع فيها لغة السلاح وانعدام الولاءات للوطن، وتتقاطع المأساة مع الصراع الأليم، لا يبدو المشهد وليد اللحظة، بل خلاصة عقودٍ من التراكمات التي حوّلت في الماضي دارفور إلى بؤرة صراعٍ دائم، تتغيّر فيها الأسماء والرايات، بينما تبقى الأسباب ذاتها: السلطة، والهوية، وغياب الحكمة السياسية وولاء الحزبية. اليوم، يتواجه أبناء الأرض الواحدة في حربٍ لا منتصر فيها، ولا خاسر إلا الشعب، حربٍ تنتمي إلى الماضي أكثر مما تنتمي إلى المستقبل. تعيش مدينة الفاشر في السودان، واحدة من أكثر الفترات مأساوية في تاريخ السودان الحديث، بعدما تحوّلت إلى بؤرةٍ لصراعٍ دموي لا يمكن اختزاله في مواجهة عسكرية بين طرفين، بل في أزمة هوية وشرعية وغياب مشروع وطني جامع للكلمة السودانية العربية. فما يجري في الفاشر اليوم هو انعكاس مباشر لانهيار منظومة الدولة الوطنية، وتفكك مؤسساتها، وتحوّل الولاءات من الوطن إلى السلاح والفكر الإخواني، ومن الفكرة إلى الحزبية. في جوهر الأزمة، يقف الصراع على…

بين التكريم والاستعباد

السبت ٠١ نوفمبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: نؤمن نحن المسلمون أن الإسلام كرّم الإنسان، بل إن معنى إنسانيته تجلى بتكريمه عن جميع المخلوقات الأخرى، حين اصطفى الله تعالى آدم كجنس بشري لينفخ فيه من روحه ويؤهله ليصبح كائناً حراً مسؤولاً عن حياته، يملك زمام نفسه، ضمن خطوط رئيسية ناظمة للكون، تشكل القدر. والإنسان في الإسلام ذكراً وأنثى، أكد التنزيل الحكيم أن الخلق كان منهما، لا بل من "نفس واحدة" ربما كانت خلية أنثوية هي البداية، ولست هنا بصدد مناقشة ذلك، إنما حين قال تعالى {وَلقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء 70) لم يقصد أولاده الذكور، إنما أبناءه في الإنسانية ذكوراً وإناثاً. وأن يكون الإنسان مكرماً يعني أن يتمتع بحق الحياة فلا يقتل ولا يهان ولا يستباح، وبالتالي لا يغتصب. يقودنا هذا الكلام إلى مصطلح، لطالما كان ملتبساً وهو "ملك اليمين"، من هم؟ أم من هنّ؟ إذا عدنا للنصوص "الشرعية" وجدنا أن ملك اليمين هم العبيد والإماء، الذكور والإناث، الذين يؤخذون من الحروب المشروعة ويصبحون…

منطق اللغة أو منطق الخطاب؟ نحو تأسيس جدلي لمفهوم التماسك النصي

الأربعاء ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥

     خاص لـ هات بوست:      يُعَدّ التماسك النصي أكثر من مجرد روابط لغوية تُحكِم اتصال الجمل والفقرات، فهو مبدأ فلسفي يكشف عن منطق خفي يحكم اللغة في لحظة انبثاقها خطاباً، فالخطاب لا يتأسس إلا حين تتجاوز اللغة مستوى التراصف اللفظي إلى مستوى البنية الكلية التي تُولِّد المعنى وتُؤسِّس للوعي، ومن -هنا- يصبح التماسك النصي آلية كاشفة عن العلاقة الجدلية بين منطق اللغة الذي يضبط انتظامها الداخلي، وفلسفة الخطاب التي تمنحها أفقها التداولي والمعرفي.         ومصطلح (التماسك النصي) من أكثر المفاهيم اللغوية تركيباً وإثارةً للجدل، لأنه يقف عند حدود العلاقة بين النظام اللغوي بوصفه منطقاً حاكماً للقول، والخطاب بوصفه ممارسة فكرية وثقافية تنتج المعنى في سياقات متغيرة، فإذا كان منطق اللغة يسعى إلى ضبط انتظام البنية وفق قوانين النحو والدلالة وتنوع السياقات المعرفية والوظيفية، فإن فلسفة الخطاب تتجه إلى مساءلة هذا الانتظام، وكشف ما يتخلله من توتر بين اللغة والفكر، لذا فإن التماسك النصي لا يُفهم على أنه…

جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

خداع الذات: وهم التطهير النفسي

الأربعاء ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات_بوست:      كم مرة صدّقنا كذبة صنعناها بأيدينا؟ لا أبالغ إن قلت إن الحقيقة كانت دائمًا أقسى من أن نحتملها. لنتفق: نحن لا نخدع الآخرين بقدر ما نخدع ذواتنا، كلما حاولنا إنقاذ صورتنا الداخلية من الانكسار. الأمر ليس أننا أشرار. ببساطة، نحن نخاف المرآة. يصبح الوهم هنا ملاذاً مؤقتاً، نوعاً من الهدنة مع قسوة الوعي وعبء الاختيار. وكما قيل، "إننا لسنا ما نقول بل نحن ما نفعل." – جان بول سارتر كان محقاً في ثقل هذه الكلمات. نحن نصنع سرديات صغيرة، ونصدقها حرفيًا، فقط لأن العقل لا يطيق التناقض بين ما نفعله وما نؤمن به. هذه هي "التنافر المعرفي" الذي يتحدث عنه علماء النفس، ذلك الشعور المزعج الذي يضربنا حين نعيش بطريقة تخالف قناعاتنا الجوهرية. ولكي نوقف هذا الصداع، يخلق الإنسان غطاءً نفسياً خفيفاً، يبرر به تصرفاته. يعيد كتابة القصة بالكامل ليبدو فيها بطلاً مضطراً، لا شخصاً خان نفسه. أتذكر كم مرة قلت لنفسي: "الظروف دفعتني، لم…

ثنائية الحضور والغياب

الأربعاء ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: طوال أسبوعٍ كاملٍ أرقّني سؤالٌ واحد: هل حقًّا يشغلنا الغياب أكثر من الحضور؟ وإذا كانت الإجابة في حالاتٍ عديدة: نعم، فما الأسباب الكامنة وراء ذلك؟ يبدو، بطريقةٍ ما، أن في فطرة الإنسان نزعةً خفيةً تجعله لا يرى قيمة الأشياء إلا حين تفلت من يده. وكأننا لا نتقن التقدير إلا من زاوية الغياب، حين يتحوّل الحضور إلى ذكرى، ويصبح ما كان مألوفًا استثنائيًا لمجرد أنه لم يعد موجودًا. وتلك ظاهرةٌ نفسيةٌ قبل أن تكون سلوكية؛ تُرجعها دراسات علم النفس إلى ما يُعرف بـ«تكيّف المتعة» Hedonic Adaptation، وهو ميل الإنسان إلى التعود السريع على النعم والمكتسبات حتى تفقد تأثيرها العاطفي مع مرور الوقت. هل تذكر تلك اللوحةَ الرائعة الجمال التي سعيتَ لامتلاكها، وأفردتَ لها زاويةً أثيرةً في منزلك؟ كم مضى من الوقت قبل أن تغدو وتروح بجوارها دون أن تشعر بوجودها؟ وماذا عن ذاك المنتجع السياحي الذي حلمتَ بقضاء عطلتك الصيفية فيه؟ شهقتَ لجمال الإطلالة، للخُضرةِ اليانعة والمياه…

جوهر اللغة في الخطاب القرآني.. تأمل في فلسفة التجلي اللغوي

الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: منذ أن وعى الإنسانُ نفسه بوصفه كائنًا ناطقًا، ظلّت اللغة موضع سؤالٍ فلسفيٍّ لا ينقضي: أهي أداةٌ للتعبير أم مرآةٌ للوعي؟، وبينما انشغل الفكرُ الغربيّ طويلًا بتحديد طبيعة العلاقة بين اللغة والفكر، جاء الخطاب القرآني ليقلب هذا المنظور من جذوره، مقدِّمًا فلسفةً مغايرة للغة، فلسفةً ترى في الكلمة فعلًا وجوديًّا، لا وسيلةً نفعية.       فالقرآن الكريم —في جوهره اللغوي والفكري— لا يتعامل مع اللغة بوصفها اختراعاً بشريّاً محايداً، بل يتشكل فيها الحيّز اللغوي في أعلى مقاماته، إذ لا شيء في النص القرآني يُقال اعتباطًا، ولا لفظ يُلقى خارج نظام المقاصد، بل إنّ الكلمة القرآنية تنشئ معناها وهي تُقال، فتتحوّل من صوتٍ إلى كشف، ومن تركيبٍ إلى حدث، و-هنا- تتجلّى المفارقة الكبرى: الوحي لا يستخدم اللغة، بل يُعيد تعريفها.      إنّ دراسة الخطاب القرآني فلسفيًّا ولسانيًّا ليست بحثًا في اللغة فحسب، بل في لغة النص القرآني بوصفه أعلى المستويات اللغوية الممكنة، هذا النص لا يتحدث عن العالم…

العجلة التي لا تقود إلى مكان

الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: أتعرّفُ عندما يكون الهامستر في عجلته مسرعًا جدًا؟ عليه أن يبقى في الدرجة نفسها من السرعة؛ فإن أسرع أكثر، خرج عن الإيقاع وسقط، وإن تباطأ قليلًا، انجرف داخل العجلة. القرارُ بالخروج منها لا يعني التوقّف، بل يعني أن يقف بثباتٍ وبقوّة، أن يختار وعيَه على دورانِه. العجلةُ التي يدور فيها الهامستر ليست قفصًا، بل مرآة. يظنّ أنه يجري نحو الحرية، نحو الأهداف، ويحيا الحياة، بينما هو يعيد الخطوة نفسها في اتّجاهٍ دائريٍّ مغلق. سرعته تمنحه شعورًا بالقدرة، لكنها في الحقيقة تمنعه من الملاحظة. لو أسرع أكثر، سيُقذَف خارجها بقوة، ولو تباطأ قليلًا، سيسقط في مركزها — حيث لا حركةَ ولا اتّجاه، بل يسقط جسده على قضبانها وهي لا تزال تحرّكه. في العجلة، كلّ شيءٍ يتحرّك… إلا الوعي. يركض الهامستر، يلهث الزمن، ويُدوَّر الهواءُ نفسه آلافَ المرّات. السرعة تغرّيه بوهم السيطرة، وبوهم القوة، لكن في عينيه خوفٌ من السقوط أكثر من رغبةٍ في الوصول. فقط عندما يتوقّف بإرادته،…

محمد خليفة المبارك
محمد خليفة المبارك
رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي

متحف العين.. من ماضينا العريق نستلهم المستقبل

السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٥

تُعد منطقة العين واحتنا النابضة بالحياة، والتي تمتد حكايتها عبر العصور، مُجسدة بالإنجازات التي ابتكرها الإنسان الإماراتي الذي أبدع في استخدام نظام الري بالأفلاج، لمواجهة ندرة المياه وبث الحياة في الصحراء التي باتت اليوم شاهدة على ازدهار المنطقة عُمرانياً وحضارياً. ولا يزال هذا النظام يُمثل إرثنا المُتناقل بين الأجيال الذي نحميه ونشاركه مع العالم. واليوم، ومن خلال إعادة افتتاح متحف العين، ندعو جميع أفراد المجتمع المحلي والزوار للاحتفاء بإرث ورؤية الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أسس المتحف عام 1969، أي قبل عامين من قيام اتحاد دولتنا، لإيمانه بأهمية التراث، ودوره المحوري كركيزة أساسية في بناء مستقبلنا. يعكس إنجازنا اليوم رؤية قيادتنا الرشيدة بالحفاظ على تراثنا الثقافي بشقيه المادي والمعنوي، وضمان استدامته وإتاحته أمام الجميع محلياً وعالمياً من أجل مشاركتهم ماضينا العريق، وتسليط الضوء على مشهدنا الثقافي المتطور والمتكيف مع المتغيرات العالمية، مُستمداً من أصالة ماضيه هذا المستقبل المزدهر. وعبر صالات عرضه…

أجيال وخصال

الأربعاء ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: في حديث صريح جمعني بسيدات بلغن الستين أو تجاوزنها، قلت فيما يشبه "فشة الخلق" إنني أجدهم جيلًا يشعر بالاستحقاق والتميز، لديه شعور دائم بأنه مناضل وقدم العديد من التضحيات، وكاد أن يستشهد على أرض معارك العزة والكرامة والجهاد.. في حين أنه في الواقع جيل مدلل، ابتعث لأفضل الجامعات والتخصصات في الخارج بمجموع متواضع في الثانوية العامة، وتعين بمناصب عالية فور تخرجه من الجامعة، حتى وإن بتقدير مقبول! جيل حصد التكريم والجوائز والمنح، رغم تطرفه في كل الاتجاهات، تاركًا وسطيتنا غارقة في بحر من الذهول! وكان جدير بي أن أحزرَ أنه سيتوج "كبار مواطنين" عندما يبلغ الستين، ويحظى بالدلال والتميز والعناية الاجتماعية والصحية، والإعفاءات المالية، وتذاكر الدخول المجانية للمتاحف والمعارض والمناسبات العامة، وغيرها من مزايا.. دعونا نأمل ونتفاءل أن يحظى بها أو ببعضها جيلي وما يليه من أجيال عندما تبلغ السن ذاتها. المفارقة هي أن ما ظننته أنا ملاحظة واستنتاجًا شخصيًا على جيل سابق، تبين أنه حقيقة…

محمد خميس
محمد خميس
كاتب إماراتي

الخليج، الدائرة المكتملة التي لا تحتاج إلى مغادرة

الجمعة ١٧ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: في كل قصة بطل يسعى وراء المعنى، وفي كل مغترب رواية إنسان عاش رحلة الاكتشاف والثمن والتغيير، غير أن بين كل تلك الحكايات يظل الخليج استثناء جميل، حيث يتحقق الحلم دون مغادرة الوطن. في عالم الكتابة توجد هيكلة للقصة تسمى "دائرة دان هيرمان للقصة"، وضعها المخرج والكاتب الأمريكي دان هيرمان، المعروف بأعماله الشهيرة مثل "ريك ومورتي" والمسلسل الكوميدي "المجتمع"، هذه الهيكلة تركز على الشخصية الرئيسية في القصة، وهي كالآتي: أنت: الشخصية الرئيسية في منطقة الراحة، المنطقة التي تعوّد عليها تحتاج: الشخصية الرئيسية تحتاج إلى شيء ما تذهب: الشخصية الرئيسية تذهب للبحث عمّا تحتاجه تبحث: الشخصية الرئيسية تجابه العقبات اثناء البحث تعثر: الشخصية الرئيسية تعثر على ما تبحث عنه تأخذ: لكنها تدفع ثمنا غاليا ترجع: تعود إلى المنطقة التي خرجت منها تتغير: لكنها لم تعد كما كانت حين نتأمل طبيعة الحياة وسير قصص البشر، ندرك أن رحلة المغترب تجسد تماما ما تصفه هذه الدائرة من تحول وثمن…

المناقشات العلمية..بين النقد والهيمنة .. تأمل في مأزق الضمير الأكاديمي

الخميس ١٦ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست:       ليست جلسات مناقشة الرسائل العلمية مجرد إجراءٍ أكاديمي يختتم به الباحث سنوات بحثه، بل هي مرآة للوعي العلمي في مؤسساتنا الجامعية ومراكزنا البحثية، وميزان دقيق يزن نضج الفكر الأكاديمي ومقدار التزامه بأخلاقيات البحث والعدل والإنصاف، وهي لحظات وجودية يتقاسمها الباحث والمناقش والمؤسسة التعليمية، وتُعد فرصة سانحة لإعادة النظر، وتعديل الاتجاهات، وإضاءة الواقع العلمي الراقي، غير أنّ هذه الجلسات-في كثير من الأحيان- تتحول من فضاءٍ لتداول المعرفة إلى ساحةٍ لتمركز الذات الأكاديمية، ومن حوارٍ بحثيّ (أنيق) إلى عرضٍ سلطويّ (تسلطي) يتخفّى في عباءة النقد العلمي.      و-هنا- يكمن الخطر، فحين تنحرف المناقشة عن مقاصدها الأصيلة، لا تتأذى الرسالة وحدها، بل تتصدع فلسفة البحث العلمي نفسها، فما يبدو مجرد ممارسات فردية، هو في جوهره خلل في البنية الفكرية التي تنظّم الفعل العلمي وتضبط روحه.      وحين ينسى المناقش موقعه التربوي يتحول من شريك في العملية النقدية إلى قاضٍ يُحاكم وفق ما يراه دون تمييز بين ما…