الأحد ١٢ مايو ٢٠١٣
يسود التأزم السياسي والمجتمعي كلَّ البلدان العربية التي جرى فيها التغيير في الحاكم أو نظام الحكم. وهذا إنْ دل على شيء؛ فإنه يدل على أن الذين وصلوا للسلطة أو كادوا، لا يملكون توجهاً واضحاً ولا بدائل يمكن المسير فيها بشيء من الثقة. وهذا أمر مختلف عن الحديث الآخر الذي يقول إن العالم العربي يمر بمخاض هائل، تحوطه استنزافات آتية من إسرائيل وإيران في الإقليم، ومن الصراع الدولي على المنطقة بين الكبار. ولنبدأْ بحالتي سوريا والعراق، باعتبار أن التأزمَ فيهما ما أفضى إلى تغيير الحاكم بعد. فنظام الحكم السائد في العراق منذ عشر سنوات، من صناعة أميركية إيرانية. وقد رُتّبت مجريات «العملية السياسية» بحيث يسود طرف غالب، موزَّعُ الولاء بين إيران وأميركا، أما سيطرته داخلياً فتعتمد على الجيش وقوات الأمن التي بُنيت بطريقة تُخضعُها قانوناً لرئيس الوزراء. وخلاف المالكي مع الأكراد في الحقيقة خلاف على الحدود، وعلى كركوك، لأنهم لا يزالون ماضين باتجاه الاستقلال، وميزانهم في التوقف أو التقدم في العملية الأميركيون والإسرائيليون. وبانتظار حصول تقدم جديد لمصلحتهم يعتبرون ما يحصلون عليه من نظام المالكي بمثابة الغنائم المزيدة. وبانتظار كل ذلك، أقاموا علاقات وثيقة مع تركيا. وهكذا فإن المحافظات السنية الثائرة منذ أربعة أشهر ونيِّف باقية وحدها. وليست هناك غير نقطتين إيجابيتين؛ تتعلق أُولاهما بالاستنفار الشامل في صفوفهم من أجل حقوق…
الجمعة ١٠ مايو ٢٠١٣
لا يجوز أن تبقى أمورنا في زمن «الثورات» واقعة بين رثاء النفس ومعذرتها. فقد سمعت أحد نواب حزب الله يقول إنهم إنما يتدخلون في سوريا لحماية المقدسات من التكفيريين! وهذا عذر أقبح من ذنب. فحسن نصر الله نفسه قال قبل أيام إنهم إنما تدخلوا في سوريا ويتدخلون للحيلولة دون سقوط النظام، ولحماية «الشيعة» اللبنانيين بالقصير، ولحماية مقام السيدة زينب من التكفيريين! وهكذا تطور الأمر خلال أسبوع ليصبح القتال في سوريا علته التكفيريون ولا شيء آخر! لكنني سمعت أيضا البطريرك يوحنا العاشر وبمناسبة الفصح الشرقي يقول إن المسيحيين في سوريا هم بين خائف وهارب أو مقتول! وقد تكون في هذه المقولة مبالغة، لكنها تستند ليس إلى وعي معين فقط؛ بل إلى وقائع تتالت وتفاقمت عبر العامين الماضيين. ونحن نعلم أن الإيرانيين وحزب الله تدخلوا منذ أكثر من عام أيضا. لكن ما الداعي لتهديد مقام السيدة زينب، وما الداعي لنبش القبر المنسوب للصحابي حجر بن عدي، وما الداعي لخطف المطرانين، وما الداعي في تونس لاعتزال ثلاثة آلاف في شعاب الجبال لأنه «إما هم وإما المجتمع الجاهلي السائد» وقد عمد المسلحون في ليبيا أيضا لتخريب الأضرحة. وهو الأمر نفسه الذي يحدث بالسودان بحجة مكافحة بناء الحسينيات أو تقديس القبور. وقد صار مثل ذلك أو شبيهه في الجزائر في التسعينات بحجة مكافحة البدع أو…
الجمعة ٠٣ مايو ٢٠١٣
يغص المشهد العربي والشرق أوسطي بالأحداث والوقائع ذات الدلالة، بيد أن الأبرز في الأيام الأخيرة ثلاثة أحداث أو وقائع: أولها كلام خامنئي وحسن نصر الله عن سوريا، وثانيها خطف المطرانين الأرثوذكسيين بسوريا، وثالثها رحلة الرئيس محمد مرسي إلى روسيا للقاء بوتين. أما خامنئي ونصر الله فيركزان على أسباب التدخل في سوريا. ويقولان إنهما إنما يتدخلان لمقاومة «المؤامرة» التي تريد «تدمير»، نعم: تدمير، سوريا والعراق ولبنان والأردن، وليس مجرد إنهاء «محور المقاومة والممانعة». والطريف والجديد في هذه المقاربة أن الأدوات الأميركية والصهيونية لهذا التدمير إنما هم «التكفيريون»، ولذلك يصارحنا نصر الله أنه يقاتل في ثلاثة أماكن في سوريا هي: دمشق دفاعا عن نظام الأسد، وريف دمشق الغربي دفاعا عن المقدسات (مزار السيدة زينب)، والقصير دفاعا عن اللبنانيين الشيعة هنـاك. ولست أدري بعد هذا لماذا يختـلف نصر الله مع الأميركيين والصهاينة، فهم أيضا يخشون التكفيريين ويعيروننا بالوحش الأسطوري الذي اخترعوه هم وإسرائيل وروسيا بالذات؟ ونصر الله متوجس من الحرب، نتيجة طائرات أيوب ونوح وهاروت وماروت، ولذا اعترف بطائرة أيوب، ولم يعترف بالطائرة الثانية. إذ يظهر أن نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف الذي جاء إلى طهران ثم إلى بيروت، نقل للطرفين تحذيرا إسرائيليا من التلاعب بالنارين: نار الطائرات من دون طيار، ونار الكيماوي! لا جديد إذن في كلام خامنئي ونصر الله باستثناء التأويل…
الأحد ٢٨ أبريل ٢٠١٣
في اليوم نفسه (الخميس 25/4/2013) أرسل أحمد معاذ الخطيب (الحَسَني) رسالة طويلة للسيد حسن نصرالله بشأن تدخل «حزب الله» في القتال ضد الشعب السوري إلى جانب الأسد، وأرسل «حزب الله» طائرة من دون طيار (هي الثانية) لاختراق أجواء الكيان الصهيوني. وبالطبع فإن الرسالتين مختلفتا المصدر والهدف. معاذ الخطيب، الرئيس السابق لائتلاف المعارضة والثورة في سوريا، والذي يلقّب نفسَه بالحَسَني (أي أنه من سُلالة الحسن بن علي مثل نصرالله) يُعاتب الأمين العامَّ لـ«حزب الله» لمشاركته في قتل السوريين، والحزب (ومن ورائه إيران) بإرساله الطائرة الجديدة يهدّد إسرائيل بالحرب! تتضمن رسالة الخطيب النقاط التالية: - إنّ الحزب يعتدي على السوريين من دون داعٍ ولا مبرِّر. - وإنّ السوريين في حرب تموز عام 2006 عاملوا الحزب وأنصارَه الذين لجأوا إليهم بطريقة أفضل بكثير. - وإنّ «أعذار» الحزب للتدخل بالدفاع عن الشيعة في سوريا غير صحيحة؛ فإذا كان هناك شيعة في بعض قرى القُصير، فليس هناك شيعة في ضواحي داريا، حيث يقاتل الحزب ويرفع أعلامه! - وإنّ الحزب بتدخُّله القاتل يزيد من احتمالات الفتنة بين السنة والشيعة، واحتمالات تطور النزاع المستمر منذ أكثر من ألف عام. وكلام الشيخين اللبنانيين، الأسير والرافعي، عن الجهاد، ينبغي فهمه كردة فعل على مغامرات الحزب غير المقبولة. وبالطبع ليس من المنتظر أن يستجيب نصرالله لرسالة الخطيب فيسحب قواته من…
الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠١٣
غص المشهد في سوريا ومن حولها هذا الأسبوع بالدم والدمع والتزييف الكثير، والخطط الشديدة الهول والرهبة. وما بقي طرف إلا وأدلى بدلوه، وليس من باب الحرص على إنقاذ سوريا؛ بل من أجل الولوغ في دماء الشعب السوري ومأساته. وفي هذا الصد، فإن هذا «الولوغ» ما اقتصر على الخامنئي ونصر الله والروس الأشاوس؛ بل شمل حتى الأخضر الإبراهيمي، المندوب العربي - الدولي المكلف بإيجاد حل للأزمة، الذي أورد إحصائية «دقيقة» بالطبع للمتشددين والإرهابيين في سوريا، الذين بلغوا، في حساباته بالغة الاعتدال، الأربعين ألفا عدّا ونقدا! لقد دوخ أسامة بن لادن الولايات المتحدة والعالم على مدى عقد من الزمان بـ«جهاديين» بلغ عددهم في أقصى التقديرات الأميركية السبعة آلاف، ولو كان في سوريا الثائرة من هؤلاء «المتطرفين والإرهابيين» عشرة آلاف، لما احتاج الشعب السوري إلى وساطته، ولا تمكن نصر الله والروس وميليشيا أبو الفضل العباس من الدخول إلى سوريا والقتال ضد شعبها! لكن الإبراهيمي وأمثاله معذورون، فكما يقول المثل العربي القديم: «ليست الثكلى كالمستأجرة»! فالرجل يبحث عن نجاح، وقد حسب منذ اللحظة الأولى أن نجاحه مرتبط بتسوية يكون الأسد طرفها الأبرز والأقوى. وشجعه على هذا الاعتقاد ثلاثة أمور: إصرار الروس والإيرانيين على بقاء الأسد، وحرص الإسرائيليين والأميركيين على النظام السوري أيضا وإن لأسباب مختلفة، واشتهار الجامعة العربية بالعجز عن اتخاذ سياسات حازمة في…
الأحد ٢١ أبريل ٢٠١٣
ما كنتُ أعلم أنه إذا تأخر رئيس الوزراء، أو رئيس الجمهورية في إنفاذ حكمٍ قضائي، فإنه يمكن للمحكمة التي أصدرت الحكم الأول معاقبته، أو معاقبتهما بالحبس والغرامة! لقد حدث ذلك بإحدى المحاكم المصرية قبل ثلاثة أيام. ولو أنّ ذلك حدث قبل سنة أو أكثر لعمدْتُ إلى كتابة مقالة كالعادة في عظَمة التجربة القضائية المصرية، وأن مصر (ورغم الثورة) لا يزال يسود فيها حكم القانون! لكني ومنذ عدة أشهُر، وبعد أن صارع رئيس الجمهورية المصرية المحكمة الدستورية ومجلس القضاء الأعلى وعطّل قراراتهما، ثم انصرفت المحكمة وانصرف نادي القُضاة لمصارعة الرئيس، وعمد «حازمون» لمحاصرة المحكمة الدستورية لمنع القضاة من الدخول إليها خشية أن يُبطلوا مجلس الشورى، بعد أن أبطلوا البرلمان... منذ ذلك الحين ما عدتُ آبهُ لما يقوله القضاء المصري ولا بما يقال عنه! فالرئاسة المصرية تعتبر القُضاة أو بعضهم من بقايا العهد السابق، والقُضاةُ يعتبرون الرئيس المصري المنتخَب كادراً من كوادر «الإخوان» لا ينبغي الخضوع له. والرئيس يقول إنه كان مضطراً للتصدي للمجلس العسكري وللمحكمة الدستورية لاستعادة صلاحياته التي أتاحها له الدستور، ولأن هذين الطرفين بالذات أرادا منعه من الحكم والتقدير! بيد أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد من تبادل الإبعاد والاستبعاد. بل إن الصراع لا يدور فقط بين الرئاسة و«الإخوان» من جهة، ومؤسستي القضاء والجيش من جهة ثانية، فهناك…
الجمعة ١٩ أبريل ٢٠١٣
قال فريدون عباسي، مدير المنظمة الإيرانية للطاقة النووية، إن من فوائد الملف النووي الإيراني على دول الخليج، ووجود مفاعل بوشهر على مقربة منها «إقبال تلك الدول على اقتناء أحدث أجهزة قياس التلوث.. فلولا مفاعل بوشهر لما كان الخليجيون توجهوا إلى هذه العلوم»! وعلى هذا القياس، ولأن كل تصرفات نظام طهران، يكون علينا نحن عرب المشرق والخليج، بل وسائر العرب، أن نلتمس «الحكمة» الحاضرة ولا شك من وراء إسهام إيران في فصل غزة عن الضفة الغربية بفلسطين، وإسهامها في احتلال بيروت من جانب حزب الله، وإسهامها في نشر الطائفية والفتنة بالعراق، وإسهامها الأخير والمستمر في قتل الشعب السوري وصون نظام بشار الأسد، عن طريق الحرس الثوري، ومتطوعي جيش المختار، وميليشيا أبي الفضل العباس من العراق، وعسكر حزب الله من لبنان. قال لي كنعان مكية، المعارض الشهير لنظام الرئيس صدام حسين، عام 2006: «إن الإيرانيين تلقوا عام 2001 - 2002 عرضا ما كان بوسعهم رفضه رغم هواجسهم الكثيرة: ضرب طالبان بأفغانستان، ونظام صدام بالعراق. أما ما حصل من جانبهم ومن جانب الأميركيين على حد سواء بعد ذلك، فكلها مسائل سادها سوء التقدير وسوء التصرف من الطرفين»! والذي حصل بعد عام 2008 من انهيار في صورة انتصار للأميركيين كان نتيجة الإصرار على الانسحاب من العراق بأي ثمن خشية من «سيندروم» فيتنام؛ وهي «الواقعة»…
الجمعة ١٢ أبريل ٢٠١٣
لا يحب العرب العروبيون ولا الإسلاميون مصطلح الشرق الأوسط، وقد عبروا عن ذلك بشتى الوسائل منذ الربع الأول من القرن العشرين؛ فالمصطلح يستبدل بالتاريخ والانتماء والأكثرية المساحة الجغرافية أو الموقع الجغرافي من أوروبا؛ ما بين أدنى وأوسط وأقصى. وإذا كان الأميركيون قد فضلوا هذا المصطلح وتداولوه بعد الحرب الأولى؛ فإن البريطانيين ظلوا يستخدمون مصطلح الهلال الخصيب، وهو المناطق الخصبة أو الزراعية الواقعة بين البحر المتوسط والصحراء، التي تغص بالأقليات منذ آلاف السنين، ومنهم اليهود! وقد كان العرب القوميون منذ أيام الدولة العثمانية يتحدثون عن المشرق العربي في وجه نزعة التتريك، بحيث يشمل ذلك المناطق ذات اللسان العربي، أو ما كان يعرف ببلاد الشام، أي المناطق الواقعة بشمال الجزيرة العربية، ثم اكتسب ذلك المصطلح، أي «المشرق العربي»، قوة بعد ظهور مشروعات دول الأقليات والإثنيات في المنطقة مع غياب دولة بني عثمان. فقد تفاوض المنتصرون في الحرب الأولى بمؤتمر الصلح بباريس عام 1920، وقبل ذلك مع سايكس – بيكو، على دولة لليهود، ودولة للمسيحيين، ودول للأرمن والأكراد. وتحققت أولا دولة المسيحيين بجبل لبنان، ثم دولة اليهود بفلسطين، وما تحققت الدولة الأرمنية؛ لأن الأتراك هجروا أكثرية الأرمن من المناطق التاريخية التي كانوا ينتشرون فيها ضمن تركيا العثمانية. أما دولة الأكراد فلم تتحقق لاعتراض تركيا وإيران معا عليها. وما أظهر العرب ممانعة قوية في…
الأحد ٠٧ أبريل ٢٠١٣
تم تكليف النائب عن بيروت تمام سلام، ابن رئيس الوزراء الراحل صائب سلام، عقب الاستشارات الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية لنواب الكتل البرلمانية، بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة، بعد أسبوعين على استقالة ميقاتي، الذي ظل رئيساً للحكومة على مدى العامين الماضيين. ولكي تكون أبعاد المشهد الجديد واضحةً، يستحسَنُ العودة إلى الوراء بعض الشيء. قبل أربع سنوات، وفي عجلة السعي الأميركي للخروج من العراق، آل الأمر في المفاوضات مع إيران، إلى الخروج العسكري الآمن، وتأمين إسرائيل، وعودة السفير الأميركي إلى دمشق، وغلبة النفوذ الإيراني على العراق وسوريا ولبنان. لكن اختلالين حصلا: الاختلال الأول تمثل في تصعيد إيران في الملف النووي، والاختلال الثاني حصول الثورة في سوريا على الأسد ونظام حكمه. وها هي إيران تكافح وتصارع الولايات المتحدة ومن مواقع الدفاع في كل الملفات: تحمي الأسد هي و«حزب الله» والمالكي بالعتاد والرجال والأموال، وتعاني من حصار فظيع بسبب النووي، وتُواجه (مع المالكي) الاضطراب السني، والإعراض الكردي بالعراق. إنما خلال ذلك كله استمتع «حزب الله» (ومن ورائه إيران) بكل شيء في لبنان بما في ذلك حكومة ميقاتي! السبب الظاهر لمغادرة ميقاتي سُدة السلطة قبل أُسبوعين، أنّ «حزب الله» وحليفه الجنرال عَون، ما استجابا لرغبته في التمديد أو التجديد لقائد قوى الأمن الداخلي اللبناني الجنرال أشرف ريفي. أما السبب الحقيقي فهو أن الأميركيين والأوروبيين الذين…
الجمعة ٠٥ أبريل ٢٠١٣
تبدو المسألة التي نتعرض لقراءتها اليوم صغيرة، لكنها تكتسب دلالات بارزة إذا وضعت في السياق الذي اصطنعته الأحداث والمتغيرات في عوالم العرب والمسلمين في السنوات الأخيرة. فقد أصدر وزير العدل بمصر قرارا بتشكيل لجنة لإعادة النظر في مفردة من مفردات قانون الأحوال الشخصية هناك، تتصل بالاقتراحات المتكاثرة لخفض سن الحضانة للذكور إلى 7 سنوات، وللإناث إلى 9 سنوات. وكان القانون قد عدل عام 2003 فارتفع سن الحضانة للطرفين إلى 15 سنة. والذين يفكرون في هذا الأمر اليوم أعضاء نافذون في مجلس الشورى المصري الذي يملك سلطة التشريع. وسن الحضانة المنخفض هذا يعود للفقه الحنفي ولقانون العائلة العثماني، وفي آخر طبعاته أو نشراته العائدة لعام 1917، وقد تعدل مرات ومرات في سائر الدول العربية والإسلامية عبر عشرة عقود (بالنسبة للأسر المطلقة بالطبع)، ولدى سائر المذاهب والدول. ويعتبر القانون المصري الساري نهاية ما وصل إليه الاجتهاد وذروته، بالنسبة لعدة مسائل تتعلق بالأسرة، مثل الخلع وسن الزواج وحق الأم في حضانة الأولاد عند حصول الطلاق. وعندما أقرت تلك التعديلات والتحسينات من قبل، فقد كان ذلك بموافقة الأزهر واجتهاده وعلماء سائر المذاهب فيه، وفي مجمع البحوث الإسلامية التابع له. وقد استطاع الأزهر الحيلولة دون تشكيل لجنة من قبل بحث المطالب (بعد الثورة) بتخفيض سن الزواج للفتيات، لكنه ما استطاع ذلك في حالة سن الحضانة،…
الجمعة ٢٩ مارس ٢٠١٣
قبل خمسين عاما بالضبط خرجت سوريا من دائرة الإرادة الوطنية والعربية بانقلاب 8 مارس (آذار) 1963. وقد عُمِّي الأمر يومها لبعض الوقت، لأنّ القائمين بالانقلاب كانوا ينقلبون في الظاهر على الذين صنعوا الانفصال عن مصر عام 1961، وأنه كان بينهم ضباط بعثيون وناصريون. انقلاب عام 1961 أراد إعادة سوريا إلى محلياتها بين المدينة والريف، وبين المدني والعسكري. وانقلاب عام 1963 بعد أن انفرد به البعثيون أراد تثبيت فصل الشام عن مصر، وإحلال «الطليعية» التقدمية، محلَّ جمهور الشارع الوطني. فالعجيب أن لا يكون بالجيش العربي السوري في مطلع الستينات وحدويون وتقدميون إلاّ من أبناء الأقليات العِرقية والدينية واللغوية. والعجيب أنّ الفريق أمين الحافظ الرئيس السني بعد «ثورة» عام 1963 أراد «قهر» جمال عبد الناصر بالإغارة على إسرائيل فورا بدلا من وضع استراتيجيات وتحويل مياه نهر الأردن «وغير ذلك من السخافات»! وعندما تمردت حماه للمرة الأولى عام 1964، أراد الفريق الحافظ إظهار إخلاصه للقرمطية الصاعدة فأمر بقصف الجامع الذي لجأ إليه المحتجون في أحياء حماه الداخلية! بيد أنّ «غيرته» هذه على الثورة التقدمية العلمانية التي لا تتردد أمام هدم المساجد على مَنْ فيها، ما حمتْه من طرد زملائه له، واضطراره للجوء أخيرا للعراق لعند صدّام حسين وأتْباع «القيادة القومية» مع ميشال عفلق ومنيف الرزاز وآخرين! وهكذا وخلال خمسين عاما من «ثورة» 8…
الأحد ٢٤ مارس ٢٠١٣
نشرت وسائلُ إعلام النظام السوري عشية الخميس 21/3/2013 أخباراً وصُوَراً عن مقتل الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وآخرين بتفجير أمام مسجد الإيمان بدمشق. وقد أثار الخبر لدي شؤوناً وشجوناً ولجهتين: لجهة معرفتي بالشيخ البوطي ومتابعتي لأعماله العلمية منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، ولجهة عمل ومصائر المؤسسة الدينية السنية في نصف القرن الأخير، وبعد قيام حركات التغيير العربية. والشيخ البوطي، إلى جانب الشيوخ كريم راجح ووهبة الزحيلي ومحمد راتب النابلسي ونور الدين العتر، هم أكبر علماء الشام الأحياء. وبينما صمت معظم علماء الشام أو تركوا سوريا بعدما تعرض له الشيخ الصياصنة إمام الجامع العُمَري بدرعا في بداية الثورة؛ فإنّ الشيخ البوطي والمفتي أحمد حسّون، ظلاَّ أكثر مشايخ سوريا حماساً للأسد ونظامه. وللبوطي مشاهد كثيرةٌ في دعم الأسد بعد قيام الثورة عليه، وقد قال قبل أسابيع في آخِر مواقفه إنّ الأسد وجنوده وضباطه هم في جهادهم ضد الإرهاب والتآمر لا يقلُّون منزلةً وأجراً عن صحابة رسول الله الذين تصدَّوا للردة! وما أزال أذكر له قبل عدة أشهر احتفالاً أقامه بالجامع الأُموي بدمشق للسياسي اللبناني وئام وهّاب إشادةً بمواقفه «التاريخية» من الأسد ونظامه! وبرز البوطي في مطلع السبعينيات بأُطروحته عن «المصلحة في الفقه الإسلامي». ومن المعروف أن المصلحة باعتبارها دليلاً فرعياً من أدلة التشريع وأُصوله، كانت أساس ومنطلق الدعوة لفتح باب الاجتهاد. والمصالح…