جميل الذيابي
جميل الذيابي
كاتب وصحفي سعودي

الموقف السعودي وانكسار بشار

آراء

حضر الأسد إلى الكرملين شاحب الوجه، تبدو عليه علامات الانهزام والانكسار، ويسكن ملامحه القلق والخوف، لكن الروس أحضروه ليبصم على ما يروه، وليؤكدوا للعالم أن مفاتيح الحل لم تعد في أي عاصمة سوى موسكو

ماذا يعني أن يزور بشار الأسد موسكو وحيدا معزولا وفي سريّة تامة، وعلى متن طائرة عسكرية روسية دون أن يرافقه أحد من وزرائه أو رجالاته؟
هل يعني أن النظام أصبح يتمتع بقوة وشكيمة جديدة، أم أن العكس هو الصحيح؟
هل قصد الكرملين من إحضار الأسد بتلك الطريقة الدونية، إيصال رسالة إلى العالم أن الملف السوري برمته أصبح في عهدة الكرملين، وأن أية مفاوضات حوله لا بد أن تبدأ وتنتهي بقرار موسكو، وأن الخيوط ومفاتيح الحل باتت كاملة في يدها؟!
أعتقد أن التحليل الأخير هو الأقرب لحقيقة الزيارة من ناحية التوقيت والدلالة، وإلا لمَ لمْ يزر الأسد طهران طوال خمس سنوات من اندلاع الثورة السورية، وهي الدولة الحليفة له والتي لم تتورع عن مشاركته في جرائمه ومده بالمال والسلاح والميليشيات؟!
هنا، لا بد من التصحيح للبعض، أن “الأسد” ليس هو من اتخذ قرار الزيارة إلى موسكو، بل الأخيرة من استدعته وأحضرته وأعادته على متن طائرة عسكرية روسية، ولم تسمح بأن يرافقه خلال الرحلة أو الاجتماع مع الرئيس بوتين أي مسؤول سوري، إذ كانت الزيارة مغلفة بالسرية العالية، بهدف إبلاغ الأسد بأن الحل المستقبلي سياسي، ولن يستمر العمل العسكري.
لقد حضر الأسد إلى الكرملين، وبدا شاحب الوجه، وتبدو عليه علامات الانهزام والانكسار، ويسكن ملامحه القلق والخوف، لكن الروس أحضروه ليبصم على ما يروه، وليؤكدوا للعالم أن مفاتيح الحل لم تعد في أي عاصمة غير موسكو، بل تسربت معلومات تشير إلى أن رئيس مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك، يقوم بزيارات واتصالات سرية مع جهات عربية ودولية للعمل على إبعاد إيران وميليشياتها من سورية، وهذا جزء من خطة الحل المقبلة.
بات الدب الروسي، المزهو بالتحكم في رقبة الأسد، يدرك أكثر من أي وقت مضى، أن الدفاع عن نظام الأسد، واستمرار التدخل العسكري لفترة أطول سيورطه، وستطاله اللدغات السامة، لذلك يسعى إلى بلورة اتفاق يرضي جموحه مع كل الأطراف الدولية المؤثرة لحلحلة عقدة الأسد تدريجيا، وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، وإخراج كل الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، مع الاستمرار في محاربة داعش والفصائل المتطرفة.
نجحت روسيا في الاستفادة من الورقة السورية، ووظفتها في مواجهتها مع واشنطن والعواصم الأوروبية في أزمتها معها بشأن أوكرانيا، وكذلك أوصلت رسالة إلى دول الإقليم أنها لا تزال دولة عظمى قادرة على مجابهة واشنطن، للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، وأن سياستها لا تقبل التخلي عن حلفائها في الأزمات بعكس واشنطن.
من خلال اللقاء الرباعي الذي استضافته العاصمة النمساوية فيينا الجمعة الماضية، لمناقشة الأزمة السورية بين كل من: روسيا وأميركا والسعودية وتركيا، يتضح أن الحل السياسي للأزمة السورية يمر بمرحلة انفراج، نحو تضييق فجوة الخلافات، وإنهاء حالة الشد والجذب بين تلك القوى.
لا شك أن الاتصالات التي جرت بين الملك سلمان والرئيس بوتين، ثم زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان روسيا، ولقاء بوتين في سانت بيطرسبيرغ ثم سوتشي؛ حققت اختراقا واضحا في الموقف الروسي، مع إصرار الرياض على إزاحة الأسد وإبعاد الميليشيات الإيرانية عن سورية.
مواقف ثلاثة أطراف في اجتماع فيينا متطابقة، واشنطن والرياض وأنقرة، جميعها تصر على رحيل الأسد، لأنه السبب الرئيس في الأزمة، جراء الجرائم الإنسانية التي ارتكبها في حق الشعب السوري، على مدار 58 شهرا.
طبق نظام الأسد “سياسة الأرض المحروقة”، ضد الشعب السوري، لكنه فشل في سحق معارضيه وإنهاء ثورة شعب، بل في نهاية المطاف اعترف بالإرهاق والوهن، ولولا وجود الميليشيات الإيرانية والتدخل العسكري الروسي لما استمر كل تلك الفترة الزمنية.
وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، صرح بعد انقضاء اجتماع فيينا، أن الخلافات ما تزال قائمة حول موعد رحيل الأسد، وهذا يعني أن الخلاف يتقلص، وأن الممانعة الروسية تتلاشى مرحليا، والمشكلة تكمن في تحديد تاريخ رحيل الأسد ورجالاته، هل يكون بعد أشهر أم سنة؟!
فيما الوزير الروسي لافروف قال: “طلبنا أن تجرى الاتصالات المستقبلية بصورة أكثر تمثيلا، بمشاركة إيران ومصر”.
وهو ما علق عليه الجبير بأن بلاده “لا تعترض على توسيع الاجتماعات”، وهذا يشير إلى تفاهمات متقدمة حول مصير الأسد، فيما نقطة الخلاف القائمة حول توقيت رحيله عن السلطة لا تزال المسألة التي تثير الانقسام!
الأكيد أن قرار تسوية الأزمة لم يعد في داخل سورية وإنما بات خارج حدودها، ولم يعد الأسد أو المعارضة لديهما قرار، ودورهما لا يتجاوز “التبصيم” على ما يقرر من خارج سورية. ويبدو أن التفاهمات خلال الاجتماعات المقبلة سيركز فيها على كيفية تقديم صياغة صلبة موحدة خالية من اللبس، لتحديد مصير الأسد ورجالاته، وتنفيذ مقررات جنيف١، مع إجراء بعض التعديلات حول كيفية تشكيل حكومة وحدة وطنية ومواعيد إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.
المهم ملاحظة أن الكل بات يتحدث عن الأدوار والمواقف الروسية، ولا يتحدث عما تقول واشنطن بعد أن أضعف سياستها أوباما.

المصدر: صحيفة الوطن السعودية