قصة الرجل الذي اشترى ألف لوحة لمونيه و 1500 لرينوار

منوعات

Daily-040315-1.1

كيف يمكننا أن نرى أعمالا فنية شهيرة ذاع صيتها وتوجت راسميها على عرش الفن، بشكل مختلف؟ بلا شك سيقبل الجمهور بكثافة على معرض لعباقرة الفن الانطباعي إذا قدم في أي وقت، ولكن الجديد الذي يقدمه معرض «ابتكار الانطباعية» بالناشيونال غاليري بلندن هو نظرة من خلف الكواليس لقصة صعود نجم فناني الحركة الانطباعية. المعرض المتجول الذي بدأ رحلته في باريس وسينتقل إلى الولايات المتحدة بعد انتهائه في لندن يقدم لنا كيف قام رجل واحد هو الوسيط الفني بول دوران رويل بمساندة فنانين أمثال رينوار ومونيه وبيسارو وديغا في وقت لم تكن أعمالهم مقبولة لدى الأوساط الفنية في باريس، وكيف غامر وقامر بأمواله ليصنع شهرة جيل من عباقرة الفن المعاصر.

بداية المعرض من داخل شقة رويل، من غرفة الجلوس فيها، نرى تلك الغرفة على صور ضخمة بالأبيض والأسود، نرى فيها لوحات لرينوار ومونيه التي علقت على جدران الغرفة الباريسية الطابع، وعلى أبواب الغرفة الأنيقة نجد رسومات لمونيه. اللقطة تدخلنا إلى عالم دوران رويل، إلى حياته وأيضا إلى إحدى الطرق الناجحة التي استخدمها لتسويق لوحات فناني الانطباعية. فعبر وضع اللوحات في غرف منزله استطاع إقناع زواره بقيمة وجمال الأعمال الفنية الجديدة في ذلك الوقت وأيضا بالتأثير الجمالي الذي تضيفه للمنزل. واستطاع أيضا التغلب لدى الخوف والتوجس لدى الكثيرين حيال تلك الحركة الفنية الجديدة التي واجهت رفضا من الأوساط الفنية وخصوصا صالون باريس، وهو المعرض الذي كانت تقيمه أكاديمية الفنون الفرنسية.

بالنظر حولنا نرى اللوحات نفسها معروضة في قاعة الناشيونال غاليري، فيها أيضا لوحات خاصة بورتريه لدوران رويل ولوحات لأبنائه الخمسة قام برسمها الفنان الأشهر أوغست رينوار وكان صديقا لعائلة رويل أيضا. ونرى أيضا أمامنا الباب الذي يحمل رسومات مونيه المتفردة في جمالها. في القاعة التالية لوحات ليوجين ديلاكروا يقول عنها رويل «هذه الصور فتحت عيني على فكرة أنني يمكن أن أساعد هؤلاء الفنانين».

عبر المعرض نجد أننا في حضرة روائع الحركة الانطباعية وتحتار العين بين اللوحات ولكننا أيضا نتابع طريقة عمل دوران رويل واستراتيجيته في تقديم تلك الأعمال للجمهور. فمن عرضها بمنزله إلى وضعها في الغاليري الخاص به إلى طبع كتالوغات خاصة بهم.

دوران رويل تمتع بحاسة فنية وذائقة حساسة جعلته يدرك أهمية الأعمال الفنية. وعرف عنه أنه إذا رأى عملا أعجبه لفنان وتوقع بحدسه التألق له قام بشراء جميع أعمال الفنان لأكثر من سبب، فهو بذلك يحتكر أعمال الفنان كلها ويستطيع التحكم في سعرها في السوق. كمثال في عام 1872 قام بعملية «شراء محمومة» لأعمال إدوار مانيه. بالنسبة للفنان الذي كان يعاني من عدم تقبل فنه كان رويل بمثابة هدية من السماء ولكن الأمر بالنسبة لرويل مقامرة كبرى ولكنه لم يتوقف عنها، بل وزاد عليها. الفنان بيسارو الذي كان يمر بضائقة مالية وجد في رويل منقذا اشترى جميع أعماله وأضاف أن خصص له راتبا شهريا مقابل أعماله المقبلة.

تعرف رويل على مونيه وبيسارو في عام 1870 في لندن بعد أن فرا من الحرب الفرنسية – البروسية. وسرعان ما ابتاع أعمالهما وعرضها في الغاليري الخاص به في حي ماي فير بلندن. في عام 1874 تسببت أزمة مالية ضخمة في النظام البنكي في التأثير على دوران رويل الذي اقترض مبالغ ضخمة من أجل شراء أعمال الانطباعيين، اضطرته الأزمة لبيع مجموعته وتوقف بعدها عن شراء أعمال انطباعية وهي الفترة التي أطلق عليها الفنان الفرنسي بيسارو بأنها تشبه «الصمت القاتل». ولكن بعد أن استعاد رويل عافيته «المادية» عاد مرة أخرى للشراء وأقام 6 معارض فردية لفنانيه المفضلين.

رويل تبنى سياسة ذكية للتسويق لفنانيه فإلى جانب المساندة المالية أيضا إقامة معارض فردية لهم. وتحول الغاليري الخاص به في باريس إلى شركة عالمية لها أفرع في لندن ونيويورك وبروكسل. وأقام لهم معارض حول العالم ونجح بدعمه أن يجعل الأعمال الانطباعية من أكثر الأعمال الفنية شيوعا في العالم. ويكفي أن نعرف أنه اشترى 12 ألف لوحة في الفترة ما بين 1891 و1922 منها ألف لوحة لمونيه و1500 لرينوار وأكثر من 400 لديغا و800 لبيسارو إلى جانب 200 لمانيه و400 لماري كاسا.

يذكر لنا دليل المعرض أن دوران رويل قال وهو في التاسعة والثمانين: «أخيرا انتصر رواد الانطباعية.. جنوني كان حكمة. أتخيل أنني لو كنت قد مت وأنا في الستين من عمري، كنت سأكون مت وأن مثقل بالديون ومحاط بثروة من الكنوز التي لم يقدرها الناس حق قدرها».

المصدر: لندن: عبير مشخص – الشرق الأوسط