السبت ١٥ أغسطس ٢٠١٥
التنظير الفلسفي أمر والتنظير التطبيقي أمر آخر. فالتنظير الفلسفي هو الأفلاطونية، باختصار. فهو وضع نظريات من تخيلات عقلية، كتنظير الشيوعية. متى ما مُحصت في أرض الواقع بان أنها ما كانت إلا خيالات معتوهة. وأما التنظير التطبيقي فهو وضع نظريات من مشاهدات لعلاقات بين أمور واقعية مشاهدة، ثم تُختبر صحة الربط المنطقي بينها بعد ذلك. والعرب عموماً ابتعدوا عن المنطق وعن إدارة أمورهم لقرون طويلة، فلما عادوا استخدموا الألفاظ المستخدمة في الغرب بعد تحريف معانيها، بما يتناسب مع توجهاتهم وأغراضهم. فاستخدم لفظ التنظير ووصف المُنظر لإخماد أي فكر تخطيطي يخرج في المجتمع، لكي لا تظهر به عورات القرارات الإدارية. وما يُطلق غالباً عندنا على التنظير، ويقصدون به الهذيان بالمثالية والأفلاطونيه، يكون أحياناًً متوجهاً لمعنى من يطرح تخطيطاً الكامل، وأحياناً لمن ينظر تنظيراً أفلاطونياً. فالتخطيط للحاضر يبدأ من الماضي لا من الحاضر، ولا يتوقف عنده بل يتعداه للمستقبل، ولا يقتصر على الظاهر ويتجاوز عن الباطن. والقاعدة الأخيرة وهي أهمها بالنسبة لنا، أن لا يستخدم المعلومات الخاطئة التي قد يكون المجتمع قد جمَّل نفسه بها وهي غير صحيحة، كمؤشرات مزينة وإحصاءات مزخرفة، ثم يعود بعد ذلك ويصدقها. لا يمكن أن يوجد تطبيق ناجح لا يسبقه تنظير. فهو كتشخيص الطبيب الماهر الكفؤ للمرض قبل إعطاء العلاج، فتراه يسأله حتى عن تاريخ أجداده في أمراض…
الخميس ١٩ مارس ٢٠١٥
بعد أن فقدت قرابة المليونين من أبنائها، خسرت الإمبراطورية الألمانية الحرب التي ابتدأتها، فاستسلمت بهزيمتها للحلفاء في الحرب العالمية الأولى. وبموت الرئيس الأمريكي، غابت القيادة الأمريكية عن اتفاقيات ما بعد الحرب، فاقتطع الحلفاء أجزاء ألمانية، وانتزعوها أقاليم كانت تابعة لها. وحملوا ألمانيا ديون كلفة خسائر الحرب، ثم أكتفى الحلفاء بعد ذلك منها بحصارها اقتصاديا لمنعها من القدرة على إثارة الفتن وإشعال الحروب. وتخدر الحلفاء بلذة دغدغة شعارات النصر، فتسلوا بها عن آلام جراح الحرب، ولكن ألمانيا الجريحة لا سلو لها ولا عزاء ولا نصير ولا حليف. وقد أثقل الدين كاهلها وقطع الحصار الاقتصادي السبل عليها، فاستسلمت ألمانيا لسكرات الموت. وجاء الكساد العظيم، فتسابقت البنوك الأوربية والأمريكية على سحب أموالها من ألمانيا، فكانت كمن صب الأسيد على الجروح الألمانية، فتقيحت، فأخرجت ألمانيا أخبث أبنائها فاعتلوا سلطة البلاد. وتعاملت الدول مع الكساد العظيم من منطلق أوضاعها. فانصرف الحلفاء لبناء اقتصاديات بلادهم على حساب بناء الجيوش، وانصرفت ألمانيا النازية لبناء الجيوش سرا على حساب الاقتصاد. فهذه أمريكا تخفض الإنفاق على الجيش مقابل البرامج الحكومية الصناعية والإسكانية متجاهلة تحذيرات جنرالات الحرب، وكذلك فعلت بريطانيا. وأهملت فرنسا توصيات ديغول ببناء قطاع الدبابات، قالوا أسير حرب معتوه فأهملوه، فكتب كتابا يُحذر قومه الحرب الثانية القادمة على ظهور الدبابات. فتلقف الألمان كتاب ديغول وعملوا بتوصياته، فدخلوا باريس…
الخميس ٠٨ يناير ٢٠١٥
الفساد الفردي، ولو عظم، ليس بمشكلة، ولا تخلو منه دولة ولا وطن. فليست مصيبة الأوطان في الفساد الفردي أو في تمييز عدد محدود من افراده، بل مصيبته في شبكة الفساد العنكبوتية، فهي مُفقرة الأُمم ، محطمة العروش، هادمة الدول، مشعلة الفتن. فالفساد الإداري والمالي إذا انتشر في أفراد المجتمع، فرخ بعضه بعضا. فاتحد الفساد الإداري بالفساد المالي في كيان واحد، يتزايد ككرة الثلج تزيد ولا تنقص، فتتكون شبكة الفساد العنكبوتية. فإن كان أثر الإصلاح والإنفاق الإنتاجي أثرا تضاعفيا، فإن أثر الفساد أثر تضاعفي تراكمي بمعدل تكاثر جرثومي. فريال يذهب في غياهب الفساد الشبكي العنكبوتي، ينعكس أثره السلبي على المجتمع كمائة ريال أُنفقت على هدم المجتمع في جميع مجالاته الإنسانية والاقتصادية. وشبكة الفساد العنكبوتية، مجموعة من رجال الأعمال بالوراثة أو بالفساد، واتباعهم من صنائعهم من المدراء التنفيذيين الجهلة ومن البصمجية أو يحملون مؤهلات رفاق السفر والفرفشة وتوسعة الخاطر. فأعضاء شبكة الفساد يتخللون في اللجان والمناصب العامة والخاصة بطريقة مذهلة، فيسيطرون عليها بمناورات شيطانية، أحيانا. وأحيانا يهيمون عليها بجرأة وببجاحة علنية تُضحك العدو وتبكي الصديق. فأصبحوا يتحكمون في توجيه القرارات، وبالتالي بمليارات مناقصات المشاريع الوطنية. فإما الشرط أربعون يتقاسمها الرفاق، أو بطواعية تبعية البصمجي، أو بكراهية الخائف المذعور أو باستغفال الجاهل والغبي، أو بخديعة الفاهم أو المتحمس. فإن فاتهم أمر لم يأت…
الخميس ٢٠ نوفمبر ٢٠١٤
استهوتني شخصية عبد الله الطريقي - رحمه الله - التي اكتشفها أول وزير في الدولة السعودية, واستثمر في تعليمه أول مؤسس للدولة السعودية الثالثة, وعينه أول ملك من أبناء المؤسس، كأول وزير للبترول، وعزله أول مؤسس للدولة السعودية الحديثة. الطريقي رجل كرهه الأمريكيون بما أحبهم فيه. درس عندهم وتزوج منهم وسكن معهم، وأعملهم لديه ولم يعمل معهم. أحب الطريقي في الأمريكيين جديتهم وعلومهم وفطنتهم وتقدمهم وقدرتهم على بناء الثقة العجيبة لدى الآخرين، ولو بتكلفة عالية يدفعونها. كما تعلم الطريقي منهم أن تكلفة بناء الثقة ليست عبثا، إنما هي تكلفة لتحصيل أقصى الأرباح الممكنة من ورائها، ولإطالة عمر الإمبراطورية الأمريكية. فهم الطريقي سياسة الإمبراطورية الحديثة، التي خالفت سياسات الإمبراطوريات الهالكة. فالسياسة الأمريكية قائمة على تحصيل أقصى الأرباح الممكنة، مع العمل على منع خروج أي أمة تنافس هيمنتهم، لا سياسة إفقار الأمم التي اتبعتها الإمبراطوريات السابقة. فغنى الشعوب الأخرى ينتهي نفعه لهم، ويعينهم على تحجيم أي أمة قد تنافسهم حاضرا أو مستقبلا. وكان الطريقي مدركا تماما للحاجة الضرورية إليهم ولعلومهم المتقدمة، ولكنه لم يفت عليه ذكاء الأمريكان في تسخير ما بنوه من الثقة والتقدم لاستغلال المفاوض من الشعوب الأخرى. فأحب الطريقي واقعيتهم في تعاملهم الإنساني المفطور على حب الذات أولا، والكاره للظلم بلا حاجة. وهو الذكي الفطن فلهذا سهل عليه مفاوضتهم، إيمانهم…
الخميس ٣٠ أكتوبر ٢٠١٤
ظهرت الحاجة في الخمسينات لظهور علم الاقتصاد الكلي كعلم مستقل وذلك كنتيجة لتعطل التجارة الدولية بسبب عدم وجود عملة دولية موثوق بها. وذلك بعد أن أثبتت التجارب عبر التاريخ استحالة استمرارية التزام الدول بتغطية عملاتها بالذهب المتعهدة به بالقيمة المربوطة عليها به. أضف إلى ذلك فقدان بريطانيا خاصة وأوربا عموما، لكل ما تملكه من الذهب خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، وتجمع غالب ذهب العالم في أمريكا. فلا ذهب عند الدول، ولا ثقة بالعملات المربوطة بالذهب، فما أصبح هناك من وسيلة تبادل دولية قياسية مُحددة موثوق بها، فلا إمكانية لتجارة دولية، فتعطلت التجارة الدولية تماما مع الحرب العالمية الثانية. فنظريا، فإن الذهب يوازن بين الاقتصاديات الدولية عن طريق التجارة الدولية. ولكن عمليا فالذهب يعطل التجارة الدولية بسبب خنقه لتطور وتقدم ونمو الاقتصاد المحلي وتسببه في الأزمات الاقتصادية التي تؤدي بالتالي لعدم التزام الدول بتعهد الربط بالذهب. وقد كانت فكرة عزل أثر النقود تماما من دراسة الإنتاج والسوق المحلية، هو الفكر الاقتصادي السائد قبل ظهور علم الاقتصاد الكلي في الأربعينات ومن بعد ظهوره حتى السبيعنات. فالذهب -وما يحل محله من عملات مرتبطة به-: هو جماد من الجمادات غير المُنتجة وغير المتغيرة في الاقتصاد المحلي. والجامد غير المُتغير يُجمد غيره لا يُغيره. فإن صلح الذهب للاقتصاديات الزراعية والبسيطة الجامدة النمو قديما، فإنه ما…
الخميس ١١ سبتمبر ٢٠١٤
تميل نفوس المجتمعات ذات النزعة الدينية عادة إلى ربط الأخلاق، كالصدق والوفاء بالعهد والأمانة، بمقدار تدين الرجل بدين المجتمع. فإن أظهر الإنسان عدم اعتقاد بدين المجتمع أو عدم التزامه به ضعفت ثقة الناس به، واتُهم في أخلاقه بشكل عام. ولهذا يحرص الملحدون في الغرب على إخفاء اعتقاداتهم، إلى دعوى الاعتقاد بإيمان في منزلة بين المنزلتين، منزلة الإلحاد المطلق ومنزلة الإيمان المطلق بالمسيح أو نحوه، وهي منزلة عدم الإثبات أو النفي. ولكن هل للأديان عموما، الغيبية منها والعُرفية، أثر في إيجاد الأخلاق؟ أم أن الأخلاق هي فطرة تولد مع المرء أصلا والأديان قد تُتَممها أو قد تصنف أصحابها اجتماعيا؟ وقد قال رسولنا عليه السلام، ما يشير صراحة أو ضمنا إلى أن الأخلاق تولد مع المرء، وليست مُكتسبة بالدين. فأما ما جاء في هذا المعنى صريحا، فهو في قوله عليه السلام المروي في صحيح مسلم «تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام» فأثبت هنا أن الأخلاق تولد مع الإنسان فطرة فلا تتغير حقيقتها، وإن شابها شائب، أكان ذلك حسنا أم سيئا. وذلك عن طريق التشبيه البديع لجوهر الإنسان بالمعدن. وهذا من عظيم دلائل نبوته عليه السلام، بتبرئة الإسلام من خبث أخلاق مدعي الانتساب إليه. وقد فهم هذا المعنى كبار أئمة الحديث، فكانوا يرون الحديث عن المبتدع وغيره، إذا توثقوا من…
الخميس ٢١ أغسطس ٢٠١٤
حركة داعش فيما أعتقد أنها كانت حدثا طارئا عند نشأتها في سوريا، ولم يكن مُخططا له. وقد وجد فيه العقل الغربي الحديث فرصة يمكن استغلالها وتوظيفها لتحقيق هدف إستراتيجي عظيم يُعتبر هو الشاغل العالمي اليوم، بجانب تحقيق عدد من الأهداف السياسية الأخرى الدولية والمحلية. ولهذا غض الطرف عنها وساعد على توسعها، وفي إمكانه سحقها بالضربات الجوية. فالفكر الاستراتيجي العالمي اليوم يحمل هم خطر التزايد السريع في اتساع هُوة التباعد التعايشي الإنساني بين الغرب والإسلام. وقد ساعدت التكنولوجيا والكثافة السكانية في المدن على رفع احتمالية انفجار هذا الوضع ومن ثم يتحول هذا الهم المخيف الى حقيقة. فتلويث مياه الشرب بمادة كيميائية جديدة أو تسميم أنفاق القطارات ونحو ذلك في مدينة مكتظة، قد يُسبب مقتلة عظيمة، تتهاوى معها كل مثاليات التعايش الديني التي بناها الغرب في مجتمعاته. وتضطر الحكومات الغربية للانتقام والضرب بقوة رضوخا لانفجار الغضب الشعبي المشحون اليوم على المسلمين والمكتوم بالقوانين الصارمة والأعراف الاجتماعية والتعليمية السائدة. وقد عانى الغرب من الحروب العالمية وشاهد من الفظائع الإقليمية ما كان سببه أو شعاره أيدلوجية دينية أو عرقية. والأيدلوجيات، دينية كانت أو عرقية، تُعمي الأبصار وتعطل العقول، وتُبرر الخيانة العظمى وتُشرعها عند أعظم الوطنيين وأقرب الأقرباء، وتسهل وصول المعتوهين والدمويين لسدة الحكم في بلادهم، كهتلر ومسولوني والخميني. ولهذا حرص حُكماء دول العالم الحديث…
الخميس ٣١ يوليو ٢٠١٤
أصل معنى الخلافة هو التعاقب في تحمل مسؤولية القيام بمهمة ما. والقرآن والسنة أتيا بهذا المعنى في مواضع عدة. فالخلافة وصف عام لا يختص بالولاية العامة، فالفرد من البشر خليفة. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (30) سورة البقرة. وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} (165) سورة الأنعام. والخلافة قد تُخصص فيمن يَخلُف الرجل في أهله، وقد تُوسع فتخصص بالملك والإمارة. وقد خلف داودُ طالوتَ على منصب مَلِك بني إسرائيل، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} (247) سورة البقرة، ثم قال: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} (251) سورة البقرة، ثم وصف سبحانه المُلك بالخلافة فقال: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} (26) سورة ص، ثم جعل سبحانه خلافة المُلك في أبنائه فقال: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} (16) سورة النمل، وقال: {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} (54) سورة النساء. وقد سمى عليه السلام الخلافة والملك بالسياسة وسمى عملية التعاقب بالخلافة. ففي صحيح مسلم «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي». والأحاديث الواردة عن الرسول عليه السلام فيها وصف الولاية أحيانا بالخلافة وأحياناً بالإمارة وأحياناً بالمُلك. وسماها الفاروق بالإمارة عندما نودي بخَلِيفَةُ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّه. فمُسمى…
الأحد ٢٢ يونيو ٢٠١٤
كنت في شبابي كثيراً ما أقف متأملاً عند مقبرة ملاصقة لمزرعةٍ لجدي، قيل إن أكثر من فيها هم آباؤنا وأجدادنا من الذين سُفكت دماؤهم فيها على أيدي جنود إبراهيم باشا أثناء حصار الدرعية وبعد سقوطها وتدميرها. فلطالما تساءلت: لماذا سقطت الدولة السعودية الأولى وقد كانت على ما كانت عليه من العقيدة الصافية، وتحكيم الشريعة، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحداثة العهد؟ فقد كانت الدولة السعودية الأولى عند سقوطها في أوج شبابها وقوتها، لم يدركها بعد هرم الدول والممالك. فكيف تسقط دولة فتية شابة قد تعهد الله بنصرها {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}. دولة قد وفت بعهد الله عندما مُكنت في الأرض، {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ}. فقيل لي: إنهم قد بدلوا وحرفوا في الالتزام بدعوة الشيخ، وتهاونوا في العبادات، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسرفوا على أنفسهم في شهوات الدنيا وملذاتها. وأنا من أعرف الناس الأحياء اليوم بهم، فلطالما عشت معهم فكراً وإحساساً، عشقاً وهياماً أستشعره وأنا أقرأ رسائلهم وسيرتهم. فقد كانوا رحمهم الله أصدق الدول تديناً وأصفاهم عقيدة وأخلصهم تورعاً وطاعة. وما كان ليكون فيهم مسترزق بدين الله، فقد كان أمراؤها هم فقهاؤها وعلماؤها، يُدرسون الناس في المساجد ويأمونهم في صلواتهم. ومن قرأ لهم فكأنما يقرأ لابن تيمية في…
الخميس ١٥ مايو ٢٠١٤
«لا تنهض أمة بعقل غيرها» هذه عبارة عريضة المعنى، في سنانها حدان قاطعان. فلا يدع طلب الحكمة والعلوم وتعلمها من القاصي والداني والعدو والصديق، إلا أحمق قومه. وطلب الحكمة والعلوم من الأجنبي له درجات ودركات. والحكمة المقصودة هنا هي طريقة التفكير، وأما العلوم فهي تطبيقاتها. فالدرجة الأعلى هي التفوق على المعلم في حكمته. والدرجة العليا هي فهم خفايا حكمة المعلم. والدرجة المثلى هي القدرة على تطبيق ما ينتج عن حكمة المعلم من علوم. ودركات طلب الحكمة والعلوم من الغير هي كذلك، ثلاث. فالدركة الأدنى، الاستكبار عن طلب الحكمة والعلوم من الغير استخفافا بحكمته أو لكونه عدوا أو منافسا له. والدركة الدنيا، أن لا يُحسن تطبيق علوم حكمة معلمه. والدركة السفلى توجيه حكمة المعلم ليوافق ما يعجبه، فيصنع له المعلم علوما لا تصلح له، فيرجع تطبيقها خسارة عليه. وحال الدول والأفراد مع شركات الاستشارات الأجنبية، لا يخرج عن هذه الدرجات والدركات. فالشركات الاستشارية الأمريكية مثلا، قد سبقت العالم في صناعة الخدمات الاستشارية بأمرين: علوم بلادهم وعراقة أسمائها الاستشارية. وهذا بالتالي، مكنها من أمرين رسخا مكانتها لاحتكار الخدمات الاستشارية. الأول، اكتساب الخبرات والعلوم وطرق التفكير البشري المتنوع، بسبب عقودها العالمية الكثيرة. والثاني أنه بجانب الدخل المالي السهل بأقل الجهد والكلفة، قد قدم لها فرصة التجارب للنظريات إذا كانت المشاريع علمية، أوالتدريب العملي…
السبت ٠٥ أبريل ٢٠١٤
العرب بشكل عام والسعوديون بشكل خاص - وإن كانوا ينكرون ذلك - ينظرون إلى المرأة نظرة فيها شيء من التنقص والدونية والتهمة. فالمرأة جاهلة وناقصة عقل، وليست بكفؤ لتحمُّل المسؤولية، وليست أهلاً لأن تتخذ أهم قراراتها، ولا يؤمَن منها ولا عليها من الفتنة في السفر دون مَحرم ولو في رفقة آمنة. والعجيب أنه بعد كل هذا التنقيص لعقلها ولأهليتها في تحمل المسؤولية نعود فننقلب على أعقابنا فنعاملها بالتغليظ عليها في تحمليها مسؤولية أي اعتداء جنسي عليها، سواء أكان هذا الاعتداء بالقول أو الفعل أو التهديد. هذه النظرة الاتهامية والدونية المتوارثة للمرأة في الثقافة العربية هي التي ورطت شاباً سعودياً في أمريكا بورطة، كادت تكلفه عشر سنوات أو أكثر سجيناً في سجون أمريكا المريعة، لولا تهدئة الأمور. فقد كان هذا الشاب زميلاً لطالبة سعودية في الجامعة، وحصل أن قد رآها تمشي وتتحدث مع شباب أمريكاني في مكان عام، وبعقلية ثقافة الشاب السعودي أوقع عليها في نفسه التهمة، وصادف بعدها أن رآها في الحافلة، فبادرها بحديث عام أتبعه بمراودة عن نفسها، فتمنعت، ونزلت من الحافلة، فلحق بها متحرشاً، وأغلظ لها القول حتى هددها بأنه قادر على اغتصابها لو شاء، وهذا على حسب ادعاءات الفتاة. وقد قامت الفتاة بإبلاغ الشرطة التي قدمت على الفور، واقتادت الطالب السعودي من الجامعة مكبلاً على وجهه. وبالتالي،…
السبت ١٥ مارس ٢٠١٤
سألني أستاذ الفلسفة في احدى الجامعات الامريكية: اين كان المسلمون علميا قبل ألف عام وأين صاروا اليوم وأين كانت أوروبا وأين صارت؟ ولم توقف انتشار الإسلام وأصبحت النصرانية أعظم انتشارا وأكثر أتباعا؟ قلت له: تنحرف الأديان عن أصولها فتفسد دين الناس ودنياهم، اذا ما تدخل رجال الدين بين العباد وبين ربهم. وهذا هو جوهر الفرق بين النصرانية والإسلام، الذي به تقدم المسلمون ابتداء وبه تخلفوا انتهاء. فاحتكارية العلاقة بين الله والعباد من خلال رجال الدين متمركزة في الكنيسة عند النصارى. فعندما أبعدت أوروبا الكنيسة عن التدخل في حياتها العامة، انطلقت في عالم الفكر والعلم. ووجد كثير من الناس في النصرانية اليوم خلاصا من تسلط رجل الدين على حياتهم العامة، فأصبحت هي الأكثر انتشارا بين الأديان. وأما الإسلام فقد قام على أساس مفهوم الحرية ومن اهم عوامل الحرية تجريد التوحيد في علاقة العبد بربه، ولذا لم يكن لرجل الدين بمفهومه اليوم وجود في القرون الإسلامية الأولى. وقد نتج عن هذه الحرية الانسانية، أن تحفزت عقول المسلمين في التفكير في أغوار علوم ملكوت السموات والأرض فتقدمت النهضة العلمية بقفزات ضوئية نسبة إلى ما كان عليه العرب من الجهل والأمية. وقد كان ظهور المتكلمين من المعتزلة والفلاسفة نتيجة طبيعية لانطلاق الفكر في المجتمع الإسلامي. وهو فكر جيد وله فوائد، إلا أنه عقيم المنفعة…