الخميس ١٩ يناير ٢٠١٢
بين حين وآخر تظهر إحدى إشكاليات الإلغاء على الساحة الثقافية. والإلغاء يكون عادة بعدم الاعتراف بوجود شرائح من النخب يجري الحديث عنهم في الكتابات والحوارات، كما في حالة إلغاء وجود الليبرالية أو الليبراليين التي تتكرر كل فترة.. أو إلغاء وجود مفكرين سعوديين أو مثقفين مؤثرين كما جاء في "ثقافة الوطن" منذ يومين. وجرت العادة أن يعود الجدل كلما حدث إلغاء.. فهل ننتظر جدلا جديدا حول "المثقف المؤثر" أو "المفكر السعودي"؟ ما يحدث من حراك ثقافي وجدل في دول "الاستقرار العربي" يمثل حالة صحية، فالمثقف فيها - أيا كان تياره - ما زال يظهر في صدارة المشهد، وإن أنكر البعض ذلك في حوار أو محاضرة، فالإنكار المتداخل مع الإلغاء ليس إلا جزءا من الحراك، لأنه يثير الراكد، ويعيد الجدل الذي تتناقله وسائل الإعلام، ما يؤكد على أن المثقف هو المحور، ورؤيته هي التي تواجه الرؤى الأخرى، بحثا عن إثبات حالة ما.. ومع استمرار الجدل، تزداد معارف المتجادلين والمتابعين ثراء. في حالة معكوسة، ثمة دول تقوقعت نخبها منذ زارها "الربيع العربي" وغاب عنها جدل المثقفين الذين تراجعوا وتركوا صدارة المشهد للشباب.. ونجد هنا أيضا حالة لـ"الإلغاء"، لكنه إلغاء من نوع مختلف وغير متعمد.. فالشباب صنعوا التغيير يوم عجزت عنه النخب.. والنخب لم يغادرها الذهول بعد. عندما يلغى قانون ما تم ترسيخه كثقافة…
الأحد ١٥ يناير ٢٠١٢
على الرغم من أن الأفلام المصرية لم تقدم شخصية المتدين أو الشيخ أو الإخواني أو حتى المأذون بصورة إيجابية، إلا أن تصدر الإخوان المسلمين للمشهد السياسي في مصر قد يقلب المعادلة، فنرى تغييرا في "الكاركتر" النمطي الذي ألفنا فيه شخصا ملتحيا يتحدث بالفصحى، للدلالة على المتدين بغض النظر عن توجهه الفكري، ففي مصر تتشعب الانتماءات إلى الإخوان المسلمين والسلفيين والصوفيين وهناك جماعات متشددة وهناك شيوخ أزهريون ومتدينون عاديون. أما دراميا ففي بعض الأحيان يتم الالتفات لذلك التنوع بحيث يتم التحديد، وأحيانا يكتفى باللحية واللغة الفصحى. كثيرة هي الحالات المقنعة والأخرى غير المقنعة دراميا التي شاهدناها من تلك الشخصيات.. لكن المعادلة قد تختلف في المستقبل بعد زيارة نقيب الممثلين في مصر أشرف عبدالغفور للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، تلك الجماعة التي كانت محظورة وتعرض رموزها القدامى للاعتقال والنفي وبعضهم للإعدام، لكنها بعد سقوط النظام وسيطرتها بالانتخابات الأخيرة على ما يقرب من نصف مقاعد مجلس الشعب المصري صار يحسب لها ألف حساب. ولعل هذا ما قاد عبدالغفور إلى زيارة مرشدها ليظهر كأنه يخطب ودها، الأمر الذي يترك أكثر من تساؤل، فهل يتدخل الإخوان مستقبلا في ما يجوز وما لا يجوز في الفن كما كان يفعل بعض مشايخ الأزهر؟ ويختفي من الأفلام ما كنا نراه من مشاهد يتهم فيها المعتقلون…
الخميس ١٢ يناير ٢٠١٢
للخطابة في اللغة العربية مكانة كبيرة، وقد أخذ الخطباء ببلاغتهم وفصاحتهم مكانة كبيرة في التاريخ، فكان قس بن ساعدة الإيادي ممن يلقون الخطب على الناس في سوق عكاظ في الجاهلية، ويحكى أنه أول من قال في مطلع الخطبة "أما بعد" وأول من كتب "من فلان إلى فلان".. وبعده صارت استهلالاته ديباجةً دأب عليها العرب. ولدى الغرب يظهر خطيب الثورة الفرنسية الكاتب والسياسي الكونت دي ميرابو (1749 - 1791). وميرابو الذي أشعل الثورة بخطبه النارية البليغة، بذل جهدا خارقا ليتخلص من مشكلته في نطق بعض الحروف، وأخضع نفسه لتدريب متواصل على شاطئ البحر حيث كان ينفرد بنفسه ليلا ويلقي الخطب بصوت عال حتى الصباح واضعا حصاة تحت طرف لسانه ليصلح مخارج الحروف، فتمكن من تجاوز أخطاء النطق في خطبه الثورية الأولى ولم يعد يتلعثم عند مواجهة الجماهير الغفيرة. ويروى أيضا أن خطيب أثينا ديموستين كان ثقيل النطق، ومثله الزعيم البريطاني ونستون تشرشل في القرن العشرين، لكنهما بالإصرار تخلصا من عيوب النطق وأصبحا من أهم الخطباء. في زمن قس بن ساعدة وميرابو وديموستبن وتشرشل لم يكن هناك فضائيات ولا وسائل إعلام جديد.. تطورت الخطابة وتطورت وسائل الإعلام، لم يعد هناك خطباء متخصصون، بل صار القادة هم من يخطبون على شعوبهم، وصار على الخطيب أن يوجز ويكون معبرا بكلمات قليلة عن معانٍ كبيرة.…
الأحد ٠٨ يناير ٢٠١٢
لم يتمكن الزميل صالح الشيحي من التحكم بانفعالاته خلال حلقة "يا هلا" التي عرضتها "روتانا خليجية" الأسبوع الماضي، وأدارها علي العلياني باقتدار، خاصة حين طلب إقفال الصوت عند احتدام الملاسنة الهاتفية على الهواء بين الشيحي والكاتب أحمد العرفج، إذ بدأ تراشق الاتهامات بينهما ليصل حد إعلان "عدم الاحترام"! ولم تكن الألفاظ المتبادلة ترضي أيا من قرائهما أو الجمهور الذي كان يتابع الحلقة. لم تصل الحلقة إلى نتيجة حول "الخزي والعار" الذي رآه الشيحي أثناء انعقاد المؤتمر الثاني للمثقفين السعوديين، وتحدث عنه في تغريدته على "تويتر". تلك التغريدة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها، وأعادت صراع التيارات إلى الأضواء، ومن يتابع التعليقات على "تويتر" و"فيس بوك" و"يوتيوب" يكتشف حدة الانقسام المجتمعي حول فكرة المخالفات الشرعية وما يجوز وما لا يجوز في الملتقيات الثقافية. رغم أن موضوع "يا هلا" لا يستحق هذا الجدل حسب رأي ضيف الحلقة الكاتب عبده خال، إلا أنه بالإضافة للزميل عضوان الأحمري، تحدثا خلال الحلقة بهدوء وأعطياها عمقا.. ولو شارك الوزير د. عبدالعزيز خوجة لقدم رؤية تضاف إلى "تغريدته" التي رد بها على الشيحي، لكنه أشار على صفحته في "تويتر" إلى أن ظرفا منعه من ذلك، ولم يتمكن حتى من مشاهدة الحلقة. باختصار، قد يكون الزميل صالح الشيحي أخطأ إذ نشر "تغريدته" على الملأ.. ولو كان اعتذر وقال إنه…
الخميس ٠٥ يناير ٢٠١٢
1- الربيع تتلاحق فصول السنة.. وما بين حر ومطر وبرد وأوراق أشجار متساقطة تنوعت المشاهد، وحده الربيع تميز عن باقي الفصول فأصبح مصطلحا في كل بلد قرر شعبه أن يتنفس، فأعلن الثورة وتمرد على الــ......... وخرج إلى الساحات مناديا بسقوطه. 2- لا شيء هناك وهناكم وهنالكم.. لم يدرك الـ........ أن قمع المتظاهرين وقتل بعضهم لم يعد يرهب جماهيرَ لاحت لها خيوط الحرية، صارت تلتهب أكثر كلما قمعت أكثر. فأطلق الـ........... جيشه ورجالاته لإخماد البركان، ولكن هيهات يقدرون على ذلك إلا إذا قرر الـ......... أن يبيد الشعب كله، وباستثناء أزلامه يصبح حاكما على لا شيء. 3- القطار في بلد ما قال الـ........ "فهمتكم" بعد فوات الأوان، فأطاح به الشعب لينال توبيخا من الـ.......... المجاور لأنه لم يصبر، وما أن انتفض شعب هذا المجاور حتى سالت أنهار الدم لينتهي مقتولا. وهي نهاية أسوأ من ذلك الـ........ السجين الذي يخضع للمحاكمة بتهم عدة. أما الـ........ الذي هتف له برلمانه "بالروح... بالدم" مع شرارة البركان الأولى، فينتظر اكتمال السيناريو مثل صاحبٍ له قال لشعبه "فاتكم القطار". وكأنه لم يرَ القطار الهائل وهو منطلق يسابق الضوء ليرتقي للشمس. 4- أبواق لدى الـ......... عدد كبير من الأبواق الجاهزة للظهور في وسائل الإعلام لتمجيده ونفي ما ارتكبه رجاله في محاولات يائسة لحجب الحقيقة وتغطية الشمس بغربال.. يدافعون…
الثلاثاء ٠٣ يناير ٢٠١٢
ـ 1 ـ تنادى الناشطون من مختلف الجهات وأوجدوا للحرية أسطولا.. أبحرت سفنهم في "المتوسط" محملة بهم وبآمالهم وبما يخفف قليلا من آلام المحاصرين في وطنهم.. قبل أن تصل السفن إلى حيث تقدم الخير.. هجم الأشرار عليها، فقتلوا من قتلوا.. واقتادوا الباقين إلى السجون، وحجزوا حريتهم.. وعلى الرغم من كل نداءات الأحرار في العالم.. ما زال الأشرار يعيثون فسادا.. وما زال المحاصرون ينتظرون وصول أحرار العالم.. ـ 2 ـ حسب الشباب أنهم يمارسون حريتهم حين هاجموا قيم وتقاليد مجتمعهم على فضائية غربية. ونسوا أن التغيير قد يصنعه الحوار، فالحوار هو الطريق الأجمل للوصول إلى القواسم المشتركة بين الأجيال.. ـ 3 ـ يمارسون بأسماء مستعارة في منتديات شتى تملأ مساحات الإنترنت ما يظنون أنه حرية.. يسبّون ويقذفون وينتهكون الأعراض ويدعون بالويل والثبور والفناء على كل من يخالفهم بالرأي.. يطلقون مختلف المفردات التي لم تعد تظهر إلا في معجمهم، فيصبح فلاناً أغيلمة وغيره أشيمط الجزيرة.. وذاك رويبضة.. وما أكثر من يقولون إنه أُلقم حجرا... وكل هذا باسم الحرية. ـ 4 ـ حين يمارس المثقف الحقيقي حريته ويكتب رؤيته التي يريد.. يتذكر دائما أن تلك الحرية تقف عند احترام قناعات الآخرين وتقديرهم.. يكتب فيحاور.. يضع الأفكار من أجل اللحمة والتنوير والإصلاح لتصل إلى من يعرشون في فضاءات حريته التي كم رسم بريشتها بورتريهاتهم،…
الأحد ٠١ يناير ٢٠١٢
ـ 1 ـ يبدو أن الكتابة عن الديمقراطية والحرية.. وعن الأنظمة الدكتاتورية لن تجلب سوى مزيد من الألم وأشياء أخرى. لذا ستكون الكتابة عن أبيات شعر وكلمات تصلح لكل الأزمنة وما زلنا نأخذ منها العبر. ـ 2 ـ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الهة تعالى سائلي عنها يوم القيامة). فما أعظم "الفاروق" من حاكم، يتألم وهو في المدينة المنورة من أجل "شاة" على شطر نهر الفرات الذي يمر بمدن ملأى بـ"البشر" كالرقة ودير الزور في سوريا، والأنبار وكربلاء والحلة بالعراق. ـ 3 ـ ويقدم المتنبي نصيحة في بيته: إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزة فلا تظنّنَ أَن الليث يبتسمُ إذ قد يمارس الليث هوايته بالبطش، فيما مُشاهِده يحسبه مبتسما، وكم تخفي بعض الابتسامات من أمور مخيفة وراءها، ليس الحزن أولها، ولا اللحد آخرها. ـ 4 ـ وعن الحزن يتحدث المناضل الأرجنتيني جيفارا فيقول: (كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يكون صديقا، لكنني لم أكن اتصور أن الحزن يمكن أن يكون وطنا نسكنه ونتكلم لغته ونحمل جنسيته). وللروائي الفرنسي إميل زولا مقولة جميلة: (إن أخرست الحقيقة ودفنتها تحت الأرض فسوف تنمو وتنبت). ويقترب منه الشاعر الهندي طاغور بجملته: (لا يمكنك اقتلاع عبير زهرة حتى ولو سحقتها بقدميك). وما أجمل ترك الحقيقة…
الأحد ٠١ يناير ٢٠١٢
شيء ما يحدث هذه الأيام قادني للبحث عن كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" للمفكر الحلبي عبدالرحمن الكواكبي (1855 – 1902) لأستعيد قراءته بعمق، وهو الكتاب الذي مرّ عليّ ذكره بعجالة في المناهج خلال فترة الدراسة ضمن عرض مفكري النهضة، ثم قرأته كاملا فيما بعد، وهو كتاب كلما قرأه المرء أكثر اكتشف مواطن رؤية جديدة فيه. في كتابه يعتبر الكواكبي أن أصل داء الانحطاط هو الاستبداد السياسي، ودواؤه الشورى الدستورية. ولا يربط الانحطاط بأمور أخرى موضحا: "القائلُ مثلاً: إنّ أصل الدّاء التّهاون في الدّين، لا يلبث أنْ يقف حائراً عندما يسأل نفسه لماذا تهاون النّاس في الدّين؟ والقائل: إنّ الدّاء اختلاف الآراء، يقف مبهوتاً عند تعليل سبب الاختلاف. فإن قال: سببه الجهل، يَشْكُلُ عليه وجود الاختلاف بين العلماء بصورة أقوى وأشدّ... وهكذا؛ يجد نفسه في حلقة مُفرغة لا مبدأ لها..." يطرح الكواكبي تساؤلات كثيرة تصلح لمختلف الأزمنة من قبيل: لماذا يكون المستبدُّ شديد الخوف؟ لماذا يستولي الجبن على رعية المستبدّ؟ ما تأثير الاستبداد على الدّين والعلم والمجد والمال والأخلاق والتحضر؟ كيف يكون التّخلص من الاستبداد، وبماذا يستبدل؟ ويرى أن فرائص المستبدُّ ترتعد من العلوم التي تُكبر النفوس، وتوسّع العقول، وتعرّف الإنسان حقوقه وكم هو مغبون فيها. في مسألة القيم يعتبر الكواكبي أن الإنسان "يعيش في ظلِّ العدالة والحرية نشيطاً على العمل…