مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

في عثرات الخطباء

آراء

للخطابة في اللغة العربية مكانة كبيرة، وقد أخذ الخطباء ببلاغتهم وفصاحتهم مكانة كبيرة في التاريخ، فكان قس بن ساعدة الإيادي ممن يلقون الخطب على الناس في سوق عكاظ في الجاهلية، ويحكى أنه أول من قال في مطلع الخطبة “أما بعد” وأول من كتب “من فلان إلى فلان”.. وبعده صارت استهلالاته ديباجةً دأب عليها العرب.

ولدى الغرب يظهر خطيب الثورة الفرنسية الكاتب والسياسي الكونت دي ميرابو (1749 – 1791). وميرابو الذي أشعل الثورة بخطبه النارية البليغة، بذل جهدا خارقا ليتخلص من مشكلته في نطق بعض الحروف، وأخضع نفسه لتدريب متواصل على شاطئ البحر حيث كان ينفرد بنفسه ليلا ويلقي الخطب بصوت عال حتى الصباح واضعا حصاة تحت طرف لسانه ليصلح مخارج الحروف، فتمكن من تجاوز أخطاء النطق في خطبه الثورية الأولى ولم يعد يتلعثم عند مواجهة الجماهير الغفيرة. ويروى أيضا أن خطيب أثينا ديموستين كان ثقيل النطق، ومثله الزعيم البريطاني ونستون تشرشل في القرن العشرين، لكنهما بالإصرار تخلصا من عيوب النطق وأصبحا من أهم الخطباء.

في زمن قس بن ساعدة وميرابو وديموستبن وتشرشل لم يكن هناك فضائيات ولا وسائل إعلام جديد.. تطورت الخطابة وتطورت وسائل الإعلام، لم يعد هناك خطباء متخصصون، بل صار القادة هم من يخطبون على شعوبهم، وصار على الخطيب أن يوجز ويكون معبرا بكلمات قليلة عن معانٍ كبيرة. تمكن بعضهم من أدواته، لكن البعض يطيلون خطبهم وهم يلفظون بعض الحروف من غير مخارجها الصحيحة.. وفيما بلدانهم تغلي بحراك “الربيع العربي” يصبحون بخطبهم فرجة للعالم كله.
لم يستفيدوا من تجارب الخطباء في التاريخ وظلوا يتعثرون وهم يعلنون “ثيادة” الدولة.

ما زال لخطبة الجمعة أهميتها في العالم الإسلامي، وما زال الخطباء يتدربون على فن الخطابة ليكون لخطبهم وقع في نفوس المصلين.

في الإعلام الجديد يغيب الصوت وتظهر الحروف، فـ”تويتر” مثلا وسيلة جديدة لإلقاء خطب موجزة لا تتجاوز 140 حرفا.. ولنا أن نتخيل التأثير الكبير لكلمات قليلة لداعية يتبعه أكثر من نصف مليون شخص على “تويتر”.

في “تويتر” نفسه قد يلقي بعض الكتاب خطبهم على شكل “تغريدات”، وما إن يكتب أحدهم “تغريدة” مستهجنة حتى تجد من يتلقفونها ويعيدون إرسالها.. وربما “يهشتقونه”.

ما بين خطابات الإصلاح وخطابات الوعيد تكتشف الشعوب القادةَ الحقيقيين.

نشرت هذه المادة بموقع الوطن أون لاين بتاريخ (12-01-2012)