عائشة سلطانمؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
السبت ٠٦ يناير ٢٠١٨
يقول الروائي الإيطالي أنطونيو تابوكي «من الصعب أن يعثر المرء على إجابة مقنعة عندما تتعلق المسألة بمنطق القلب»، والعبارة جاءت على لسان بطل روايته، عندما كان يحاول أن يقنع صحافياً شاباً بضرورة أن يلتزم النزاهة إذا أراد أن يمتهن الكتابة بشكل جدي، ومنطق العقل هو الطريقة الوحيدة للكتابة بنزاهة ومهنية وإلا فإن عليه أن يترك الكتابة، قال ذلك وبلاده تخضع لحكم ديكتاتوري لا يعترف بأي حرية ولا يتصرف بأي منطق! إن التحكم في سلطة الإعلام وسلطة القرار لا يبرر الكذب على الجماهير ولا يجعل هذا الكذب مستساغاً، فإن كان ذلك ممكناً فيما مضى فقد أصبح من المستحيل قبوله أو تمريره في زمننا هذا، ونحن نعيش ثورة التكنولوجيا ووسائل الاتصال وانفجار المعرفة! لقد كان بإمكان الأنظمة القمعية في ثلاثينيات القرن الماضي أن تقلب الحقائق لصالحها، وتذبح الناس، وتلفق الأكاذيب، وتملأ الصحف بالمخبرين، وتراقب حتى دبيب النمل، كما في رواية «بيريرا يدّعي» التي كتبها «تابوكي»، منتقداً النظام الديكتاتوري في البرتغال في فترة…
السبت ٠٦ يناير ٢٠١٨
أنهت الحكومة عام 2017 بشكل مثالي إلى درجة أنني تخيلت أنه أعظم الأعوام في تاريخ السعوديين، فقد سحقت تنظيم داعش بصورة تستحق الإعجاب وانتصرت قوات الأمن على الجماعات الإرهابية الموالية لإيران في المنطقة الشرقية وفرضت هيبتها في جزء عزيز من وطننا، وتخلصت البلاد من تراث الصحوة الرهيب، وعادت الحياة الطبيعية -التي كانت شبه منسية - إلى كل الشوارع والبيوت، وتنفس الناس أوكسجين الحرية الاجتماعية لأول مرة منذ عدة عقود، وحصلت المرأة السعودية على جزء مهم من حقوقها الغائبة وفي مقدمتها حق قيادة السيارة، وأعلنت حرب مثيرة على الفساد طالت علية القوم أو كما نقول بالعامية: (أكبرها وأسمنها)، وأطلق سمو ولي العهد مشروع مدينة نيوم الذي يجسد الحلم السعودي الكبير باتجاه المستقبل، وفي دنيا الرياضة تأهل المنتخب السعودي لكأس العالم بعد غياب مؤسف في النسختين الماضيتين من المونديال، أما على الصعيد الخارجي فقد استعادت السعودية تحالفها التاريخي الوثيق مع الولايات المتحدة بعد أن شهد هذا التحالف محطات صعبة أيام أوباما، كما…
السبت ٠٦ يناير ٢٠١٨
قرابة الأربعين عاما مضت لما يمكن وصفه بآخر الأنظمة ظهورا في المنطقة، وبظهوره شهد الشرق الأوسط أسوأ التحولات والظروف والمتغيرات وعلى مختلف الأصعدة، وطيلة الأربعين عاما لم ينتج هذا النظام للمنطقة وللعالم إلا تراجعا أمنيا وثقافيا وحضاريا كذلك، تحول النظام في إيران إلى أزمة حقيقية للعالم وأزمات يومية متنوعة في المنطقة، ولم يؤسس النظام لنفسه أيا من عوامل البقاء والاستمرار والحيوية، ولم يحقق طيلة أعوامه الماضية أية مكاسب داخلية أو خارجية يمكن أن تجعل من بقائه مطلبا لأي طرف إقليمي أو دولي، بل الواقع على العكس من ذلك تماما. اليوم على الإيرانيين وعلى المنطقة وعلى العالم كله السعي بكل جدية وواقعية للتخلص من هذا النظام، إنه أشبه ما يكون بتلك الأوبئة أو الأخطار الحضارية المدنية التي يتحفز العالم كله لمواجهتها، حفاظا على أمنه واستقراره ودفاعا عن مكتسباته الحضارية والإنسانية، لماذا إذن يجب التخلص من هذا النظام وتغيير الواقع السياسي في إيران ؟ أولا: يمثل النظام آخر نموذج في العالم للدولة…
السبت ٠٦ يناير ٢٠١٨
علمت أن الإنسان الذي يتناول وجبات طعامه مع الآخرين، تزيد كميتها على 40 في المائة فيما لو أنه أكل لوحده، وقد لاحظت ذلك شخصياً - خصوصاً إذا كانت كمية الأكل الجماعية محدودة، والعدد كبيراً - فكل واحد وقتها يريد أن يملأ طبقه بأكبر كمية ممكنة. لهذا قصرتها أنا من أولها، فـ90 في المائة من وجباتي الثلاث أتناولها في منزلي منفرداً، أولاً: لكي يقل أكلي، وثانياً: لتقل مصاريفي، ثالثاً: لأحافظ على البقية الباقية من رشاقتي. وقد تجبرني الظروف أو المناسبات أو المجاملات أحياناً، على تناول الطعام الجماعي، وهذا هو ما حصل لي قبل عدة أيام، عندما كنت واحداً من ضمن 20 رجلاً متحلقين حول طاولة مستطيلة. ورماني حظي العاثر أن أكون مجاوراً لصديق لا بأس به، لو أنه تخلص من لسانه الطويل الذي لا يتعب من كثرة الرغي - أي الكلام. وأخذ أخونا بالله يغرب ويشرّق، ويعطينا دروساً في الغذاء الصحي دون أن نطلب منه ذلك. ومن ضمن ما قاله اختصاراً:…
الجمعة ٠٥ يناير ٢٠١٨
اخترق صوته القوي مسامعي لأول مرة وأنا في سن الثانية عشرة. وقتها كانت الاسطوانات البلاستيكية الرخيصة يونانية المنشأ انتشرت في الأسواق، وكان جار حضرمي لنا يديرها طوال ساعات النهار في مقهاه الشعبي، وهو يدندن بمتعة اغنية كانت صاخبة قد ظهرت للتو اسمها «شلنا يابو الجناحين طائر». ولما كنا وقتذاك واقعين تحت سطوة الأغاني المصرية العاطفية فقد استفزني صاحب المقهى الحضرمي بعمله فذهبت له شاكيًا من تلك الأغنية الغريبة ومطالبًا إياه استبدالها بإحدى اغاني عبدالحليم حافظ الذي كنا نعشقه بجنون. رفض الحضرمي، بطبيعة الحال، طلبي، بل ونهرني قائلاً: «إنت بعدك صغير، ولا تفهم في الفن الأصيل». مرت بعد ذلك سنوات لاحظنا خلالها انتشار تلك الأغنية عبر الأثير مع انتشار صورة صاحبها على واجهة محلات بيع الأسطوانات. وأثناء تلك الفترة أيضا زاد وعينا، وتطورت ذائقتنا الفنية، واكتشفنا أن للفن والموسيقى أبوابا أخرى غير الباب المصري لنطرقه ونتمتع بمخزونه. ثم جاءت سنة 1968 الذي حاز فيها صاحب تلك الأغنية الصاخبة على جائزة الاسطوانة…
الخميس ٠٤ يناير ٢٠١٨
عندما قال الشيخ محمد بن راشد لأخيه الشيخ محمد بن زايد #شكراً_محمد_ بن_زايد رددت الإمارات بصوت واحد وفي وقت واحد: شكراً محمد بن زايد، شكراً أيها الإنسان الذي تعكس أفعاله وأقواله كل معاني المحبة والرحمة، شكراً أيها القائد الذي يتجلى الحزم في مواقفه الحزم والجد في عمله. محظوظون نحن في دولة الإمارات لأننا مع وبين قادة أوفياء، قادة يعملون ويخلصون وهم الأوفياء لكل من يعمل ويخلص، فشكر الشيخ محمد بن راشد لأخيه الشيخ محمد بن زايد في ذكرى عيد جلوسه يحمل أرقى معاني الوفاء في أبهى وأجمل صوره، فأن يحوّل الإنسان ذكرى غالية على نفسه ويخصصها ليشكر فيها إنساناً آخر، فذلك قمة إنكار الذات، وفي الوقت نفسه قمة الوفاء، فهذا اليوم الرابع من يناير يصادف الذكرى الثانية عشرة لتولي الشيخ محمد بن راشد مقاليد الحكم في إمارة دبي، وهو يشكر فيه قائداً إماراتياً فذاً، وفي السنوات الماضية حوّل ذكرى عيد جلوسه لشكر فئات مختلفة في المجتمع. الشيخ محمد بن راشد…
الخميس ٠٤ يناير ٢٠١٨
أسبوع من الاحتجاجات في إيران، والأسئلة أكثر من الإجابات. لا قيادة مركزية لمظاهرات تزداد حدتها يوماً تلو الآخر. لا جهة تتبناها. أفرادها مواطنون عاديون ليسوا محسوبين على أي من التيارات. شرائح اجتماعية لم تكن محوراً للتغيير السياسي أبداً. اندلعت المظاهرات استياءً من الأوضاع الاقتصادية، غير أنها سريعاً ما تحولت للتعبير عن الاستياء من السياسة الخارجية ومن النظام نفسه. جميع القوى داخل إيران لا تزال لم تستوعب الصدمة. الرئيس حسن روحاني ترك وحيداً في مواجهتها. مرتبك في كيفية التعاطي معها. تلتزم حكومته الصمت تارة وتغازل المحتجين تارة أخرى، في الوقت الذي تعاملت فيه السلطات مع احتجاجات الثورة الخضراء 2009 بكل حزم. ومما يدلل على ارتباك الرئيس الإيراني السيناريو الذي طرحه إسحاق جهانجيري، نائب روحاني، عندما قال إن «الذين أثاروا هذه التحركات السياسية في الشوارع قد لا يكونون هم من سيضع حداً لها، إذ قد يركب غيرهم الموجة التي بدأوها، ويجب عليهم أن يعلموا أن فعلهم سينقلب عليهم»، وهو هنا يشير إلى…
الخميس ٠٤ يناير ٢٠١٨
لم تتصور حكومة الملالي أن البؤس والسخط والقهر الذي يعم الشعب الإيراني سيحمل فقراء مدينة مشهد على تسيير مظاهرة احتجاج غير مسبوقة في مدينتهم، التي تعد ثاني أكبر مدينة في البلاد، يمكن أن يتحول إلى «تسونامي» جارف يضرب جميع المدن والبلدات الإيرانية الكبيرة. ولم يتصور أي من الملالي الذين يحكمون تحت دثار «الولي الفقيه»، وباسم الإمام الغائب، أن الغضب الجماهيري من بؤس السياسة الإيرانية سيقود الغاضبين إلى فتح المعركة الشعبية ضد سلطة «الحوزة الدينية»، واستهداف رموز مؤسسات النظام، كالمقار الخاصة بالباسيج؛ بل فتح أخطر الملفات، وهو سياسات التدخل الخارجي لإيران، التي تهدف لزعزعة استقرار الدول الأخرى، وتوسيع رقعة النفوذ، وما قادت إليه تلك السياسات العبثية من أوهام إحياء الإمبراطورية الفارسية. وهي أمور ظلت مسكوتاً عنها منذ اندلاع ثورة الخميني في عام 1979، في ظل تنامي معدلات البطالة والفقر حتى وصل من هم تحت خط الفقر المدقع أكثر من 15 مليون نسمة! ولم يعد الملالي في أدنى شك من أن المواطن…
الخميس ٠٤ يناير ٢٠١٨
شعب الإمارات بأسره يردّد بصوت واحد ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «شكراً محمد بن زايد، لأنك امتداد زايد فينا، وظله الباقي بيننا، شكراً لأنك حامي حمى الوطن، وباني حصنه، وقائد عسكره، وأسد عرينه.. شكراً محمد بن زايد أكملت المسيرة، وأسَّست المئوية الجديدة، ورسّخت لنا مكاناً بين الأمم..». وشعب الإمارات بأسره يردّد، بصوت واحد وقلب واحد، ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: «محمد بن راشد بمثلك نفخر ويفخر الوطن.. من نهجك نتعلم نبل العطاء وعبر الحياة.. شكراً محمد بن راشد». شكراً لله على نعمه الكثيرة التي حباها دولة الإمارات، ومن أجمل وأكبر النعم هؤلاء القادة العظام الذين أخلصوا العمل لأوطانهم وشعوبهم، بذلوا الجهد، ولم يبخلوا يوماً بأي شيء في سبيل تنمية ورخاء الشعب، وتطوير ورفعة الوطن. شكراً لكما أيها القائدان، فأنتما معاً صنعتما لنا مجداً ومكانة، وبفضل جهودكما المخلصة، تحت راية صاحب السمو الوالد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة،…
الأربعاء ٠٣ يناير ٢٠١٨
في معمعة ألفية ثالثة مُرْبِكة التداعيات، ووسط محيط جغرافي يعج بالاضطرابات والدول الفاشلة، وخلال مرحلة مفصلية تكتوي بنيران الإرهاب والمؤامرات الدولية والحروب الأهلية، تسير سفينة الإمارات في ثبات على ثقةٍ من صواب مسارها وإيمانٍ بقُدرة وكفاءة مُسيّر دَفّتها. دولةٌ بناها الكبار وحمل رايتها منهم كبارٌ نهلوا من ذات المعين وصدروا عن ذات المشرب، كبارٌ لا يتلونون عندما تتلوّن أوجه الدنيا من حولهم، ولا يُحْجِمون عن نُصرة الحق عندما يدبّ الخوف في أوصال المتشدقين، ولا تنام أعينهم قبل أن يتأكدوا أنّ كل عينٍ في بلدهم نامت آمنةً مطمئنةً على ليلتها وغَدِها، تتسع قلوبهم لاحتضان الجميع وأيديهم لمساعدة من ألمّ به الدهر وخذله الأقربون في مشارق الدنيا ومغاربها. قام الكبير وشَكَر الكبير فتوقّف الزمن ليخطّ لأجياله القادمة عن مأثرةٍ من مآثره، فلا يعرف الفضل لأهله إلا ذوو الفضل، ولا يُقدّر قيمة الإنجاز إلا رجل الإنجاز ولا التعب إلا من أتعب الليالي لأجل أن يخلق لشعبه فلكاً ومداراً لا يُشاركها فيه أحد، وقف…
الأربعاء ٠٣ يناير ٢٠١٨
بعد إطاحته بالشاه نجح آية الله الخميني في شيء واحد، قضى على الدولة الأقوى والأغنى والأكثر نجاحاً في منطقة الشرق الأوسط. جاء النظام الذي بناه على أنقاض دولة الشاهنشاهية الحديثة، دولة دينية متخلفة بفكر اقتصادي يساري عتيق. كانت إيران دولة تمثل نموذجاً ناجحاً في نظر الغرب، وقد تقدمت على غيرها بمسافة بعيدة. ثم خيّب الخميني كل من أيده أو ظن فيه أحسن ما يتمناه. كان الشباب يتطلعون لخليفة الشاه إلى نظام ديمقراطي كامل. والأقليات الإثنية ظنّت أن خروج الشاه سينهي القومية الفارسية الطاغية ويقيم دولة إيران الجامعة، والشيوعيون يعتقدون أنه سيكون حليفهم ضد الأميركيين حلفاء الشاه. واعتقد الأميركيون أن وصول رجال الدين أفضل من وصول حزب توده الشيوعي، وسيسد الطريق على دبابات السوفيات التي استولت على الجارة أفغانستان، ويمكنهم العمل معهم لاحقاً. وصدقت الجماهير العربية تعهدات الخميني بتحرير القدس من الإسرائيليين، وتمنى عرب الخليج من خروج الشاه نهاية النزاع على الجزر والبحرين والعراق. كلهم كانوا مخطئين. بعد وصول الخميني للحكم…
الأربعاء ٠٣ يناير ٢٠١٨
هل تتجه إيران إلى «ربيع» شبيه بما حدث في مصر وتونس؟ ربما نعم وربما لا. الثورة الشعبية من الظواهر التي ما زالت غامضة. لا أعرف في علم الاجتماع أو السياسة، نظرية متقنة، تسمح بقياس قابلية ظرف سياسي محدد لإطلاق ثورة أو نجاحها. لهذا أظن أن أسئلة من نوع: هل ستنفجر الثورة ومتى وكيف وهل تنتصر؟ غير واقعية على الإطلاق، رغم أنها ما زالت تثير خيال الباحثين. عند انطلاق الربيع العربي تابعت بشكل حثيث مسارات الأحداث، وتأملت طويلاً في العوامل التي اتفق الدارسون على أنها «خطوط انكسار» أي تلك الصدوع في بنية النظام الاجتماعي/ السياسي، التي تدعم احتمالات سقوط نظام سياسي أو صموده. وتوصلت حينها إلى ترجيح احتمال سقوط النظام السوري وصمود النظام التونسي. لكنا نرى الآن أن النتيجة جاءت معاكسة تماماً. أعلم أن باحثين آخرين رجّحوا الاحتمالات نفسها التي اكتشفنا لاحقاً أنها خاطئة في الحالتين. نستطيع القول إن أسئلة «هل» و«متى» ليس لها جواب مبني على أساس علمي. لهذا يميل…