الإثنين ٠٦ يونيو ٢٠١٦
بعض الأشهر، الأماكن، الناس، تفرض جوّها عليك، فتصبح تصرفاتك أسيرة لها، تتملكك بحسن المعشر، وبالخصوصية التي تميزها، كالزائر للمدينة المنورة، لا يمكن إلا أن يكون طيباً مثل ناسها الذين يشبهون أعواد الريحان، كذلك رمضان له نفس الصّفة والخصوصية، لقد مر عليّ رمضان في بلدان كثيرة، طقوسه تختلف من بلد إلى آخر بدءاً من إندونيسيا، وانتهاءً بالمدينة التي لا أحب لندن، حتى المدن الرمادية التي تتنفس رائحة العوادم والمصانع، يستطيع رمضان أن يغلف ليلها بنسائمه، لكن ليس مثل مدن الشرق، والبحر المتوسط تلك التي تعطيك شيئاً منها، وشيئاً من رمضان فيها ومنها، أشياء قد لا تعرفها ولا تميزها، لكنها تنفذ في الداخل، فتمتلئ سكينة وراحة لا تعرف من أين تهب، تذكرت الآن قول أحد المجاهدين أو الفاتحين حين دنت منيّته قال «أكاد أشم ريح الجنة»، رمضان هكذا، له رائحة الجنة، وظل الماء. لقد ارتأيت شأن كل عام منذ ست عشرة سنة خلت، أن يكون عمود كل يوم من أيام رمضان، مختلفاً…
عائشة سلطانمؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
الإثنين ٠٦ يونيو ٢٠١٦
أحب إيمان العجائز كثيراً وهم يتعاملون مع التفصيلات ومع الأفكار الكبيرة، لا يغيرون مواقفهم ولا يتغيرون، لديهم حالة من الثبات على الموقف تلفت النظر، وإضافة للثبات فهم شديدو الاقتناع بما يؤمنون به وشديدو الوضوح في التعبير عن هذا الإيمان، وحين يعبرون فإنهم يبدون بسطاء جداً لكنها تلك البساطة التي لا يمكنك تقليدها أو الاستهانة بها، لا يمكنك سوى احترامها وإظهار التعجب والكثير من الإعجاب، هل رأيت رجلاً عجوزاً يبدل قناعاته كل يوم كما يبدل ثيابه؟ هل لاحظت اختلافاً في الانتماء للفكرة، إنها نفس الدرجة من الثبات سواء تعلقت الفكرة بالإيمان بالله أو الرفق بالأطفال والحيوان، الأمثال، السبب أنهم ينطلقون من الإيمان للتعامل مع كل التفاصيل. نحن لا نتأمل درجة التسامح التي يتمتعون بها، لا ننتبه لمنسوب الحكمة العالي الذي يتحدثون به، لا نفكر في صفاء الأفكار وسلامتها من التلوثات، لأننا معتدّون بآرائنا فقط ولأننا نسيء الظن بقدرات العجائز وما لديهم من ذخيرة فكرية، إننا نخطئ حين نظن أن قناعات اليوم…
الإثنين ٠٦ يونيو ٢٠١٦
رمضان شهر العطاء والرحمة، والإمارات في كل عام تترجم ذلك عبر أفعال ومواقف ومبادرات إنسانية وخيرية، وعطاؤها يمتد ليشمل مختلف شعوب وعواصم العالم، خصوصاً تلك الشعوب الأكثر حاجة إلى هذا العطاء، حتى أصبحت الحملات والمبادرات الإماراتية الخيرية علامة مميزة في عالم تزيد فيه المشاحنات، ويتفاقم فيه العنف، وتقل فيه الرحمة والتسامح، لتصبح الإمارات هي الشعلة المضيئة وسط الظلام الكثيف. عودنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في كل رمضان من كل عام، إطلاق حملة إنسانية نوعية، يدعمها ويتابعها بنفسه، ويوجه بها العمل الخيري ليوحد الجهود الإنسانية الإماراتية في الشهر الفضيل، لا يهدف من ذلك سوى زرع البسمة في وجه كل حزين، وترك بصمة إنسانية دائمة لشعب الإمارات في محيطه العربي والإسلامي والإنساني. حملة هذا العام، نوعية، متميزة، غير مسبوقة، لا تركز على توفير الغذاء والماء، لكنها لا تقل أهمية عنهما، بل تزيد في أهميتها على الطعام والماء، لأنها تُغذي العقول، وتُصفي النفوس، فالعقول إذا فسدت فسد المجتمع، وإن…
الأحد ٠٥ يونيو ٢٠١٦
تحدث معي الأخ عبد الحميد الجحدلي قائلاً: تخيل أنك تجد فتاة مغمى عليها وسط الطريق، فتبادر أنت لأخذها إلى المستشفى. قلت له: جزاك وجزاني الله خيرًا. قال: ولكن بعد الفحص، تتفاجأ بالدكتور يبارك لك بالمولود القادم، فتقول له: لكنني لست والد الطفل، وإذا بالفتاة تصرخ بوجهك: بل أنت والده وتصر هي على ذلك. وبعد مشادة كلامية، تطلب فحص (DNA)، وبعدها يخبرك الطبيب بأنك لست والد الطفل، وأنك لا يمكن أن تكون كذلك، لأنك بكل بساطة عقيم. فتخرج من المستشفى وأنت سعيد وحزين، سعيد لأنك بريء، وحزين لأنك عقيم، وفجأة تتذكر أنك متزوج وعندك ثلاثة أبناء، وتأخذ تضرب أخماسًا بأسداس وتتساءل: من أين أتوا إذن وأنا عقيم؟! قلت له: يا ساتر استر. قال: ثم استيقظت من النوم ففرحت أنك كنت تحلم، وتناولت كأسًا وشربتها من شدة العطش، وفجأة تذكرت أنك صائم، ونظرت إلى الساعة وإذا هي العاشرة، وتذكرت أنك تأخرت على الدوام، وذهبت إلى سيارتك غير أنها لم تشتغل، فسارعت وركبت…
الأحد ٠٥ يونيو ٢٠١٦
سيبدو بالنسبة إلى البعض أن هذا السؤال خارج السياق، ويتصادم رأساً مع منطق الإسلام وتاريخه. وهذا موقف طبيعي لا بد من تفهمه، لما له من مبررات، نظراً إلى السائد في الثقافة العربية عن الموضوع لقرون متصلة. لكن السائد لا يعني دائماً أنه الحقيقة النهائية. الأرجح أنه ساد لأن الشروط والمعطيات في زمن وظروف معينة وفرت له إمكان السيادة، وعندما تتغير الشروط والمعطيات تتغير بالتبعية زاوية النظر إلى الواقع، ومن ثم إلى الموضوع. من هذه الزاوية تحديداً، أتمنى أن يكتسب السؤال، في نهاية المقالة على الأقل، شيئاً من المعقولية ومشروعية التداول حوله. لماذا السؤال الآن؟ وفي ظروف إقليمية مضطربة جداً تشهد هجمة طائفية بشعة تقودها إيران بوعي وتعمد لا تخطئهما عين؟ هذا صحيح تماماً، حيث بات من المسلَّم به أن مشروع إيران في المنطقة هو مشروع طائفي ضد السنة العرب تحديداً، كما هو واضح في العراق وسورية ولبنان. وهو مشروع طائفي في منطلقه وآلياته وأهدافه. منطلقه دستور يرسم الطبيعة الدينية للدولة…
عائشة سلطانمؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
الأحد ٠٥ يونيو ٢٠١٦
في فصل اللغة الإنجليزية الذي انضممت إليه عندما كنت في مدينة كامبردج البريطانية، كانت المعلمة سيدة خمسينية شديدة الطيبة وتنتمي لعائلة معروفة بمناصرتها للقضية الفلسطينية، فحين ذهبت ذات يوم إلى لندن بدعوة من اتحاد الطلبة الإماراتيين، هناك تعثرت في طريقي بمظاهرة ترفع شعارات مضادة لإسرائيل، كانت تلك المعلمة في مقدمتها ترفع شعاراً مضاداً لشركة بريطانية تدعم إسرائيل! كانت واحدة من تلك المعلمات اللواتي كأنهن ولدن ليقدن الناس إلى طريق المعرفة والحكمة، ففي الفصل كانت غالباً ما تتحدث عن تجارب عائلتها وخاصة أبناءها الذين كانوا يقفون معها في التظاهرة! أتذكر واحدة من التجارب التي حدثتنا عنها تدور حول ثقافة اكتشاف العالم بالنسبة لمراهق أنهى دراسته الثانوية، حيث إن الشباب في كثير من عائلات كامبردج - والغرب عموماً - كانوا بعد إنهاء المدرسة العليا وقبل الالتحاق بالجامعة يتزودون بأقل ما يمكنهم من الملابس والمال، يضعون حقائبهم خلف ظهورهم، ويغادرون لاكتشاف العالم حولهم خارج حدود العائلة والقرية والمدينة والأصحاب إلى حيث العالم الكبير…
الأحد ٠٥ يونيو ٢٠١٦
بالأمس خرجت من فيلم إنجليزي جميل اسمه «me before you»، وكان يحكي قصة شاب منطلق نحو الحياة إلى أقصاها، يمارس الرياضات، ومتع الدنيا والأسفار، وفجأة يحدث له حادث يصيبه في النخاع الشوكي، وطلب من والديه مهلة ستة أشهر ليقرر بعدها الموت الرحيم، لأنه لم يستطع أن يتأقلم مع حياته الجديدة على كرسي مدولب، وإن كان هناك حب وأمل طرق بابه، لكنه لم يتحمل أن يكون عبئاً، ولا عاجزا، كم تقترب هذه القصة من قصة أسطورة الملاكمة والتحدي الأسود في الرياضة والسياسة والعمل الخيري محمد علي كلاي، الذي سمعت بوفاته بعد مشاهدة ذلك الفيلم، ولعلها الصدف هي التي تتزامن، كلاي ذلك كنّا نرى مبارياته بداية بالأبيض والأسود، ثم الملون، كنّا نسهر الليل بطوله لنستمتع أو بشكل أدق لنشجع ونفرح لفوز كلاي «المسلم»، كانت مبارياته فجرا، يحضرها الصغير والكبير، وكان كلاي يثب كالنمر، ويلسع كالنحلة ويتحرك ويتراقص بخصومه بخفة الفراشة، لكن كلاي ليس الملاكمة وحدها، ولا تحدي اللون الأسود، وفرض انتصاراته، ولا…
الأحد ٠٥ يونيو ٢٠١٦
يقول شقيق الراحل، محمد علي كلاي، إنه أوصى أن تُكتب على قبره مقولة للقس الراحل، مارتن لوثر كينغ، يقول فيها: «حاولت أن أحب أحداً.. أن أحب الإنسانية وأخدمها.. حاولت فعلاً أن أطعم الجياع وأكسو العراة». حتى تصل لفهم أفضل للحياة وللمتغيرات من حولك؛ تحتاج أحياناً إلى تجربة عميقة، تجربة تهزك من الأعماق، وتنسف كل ما أنت عليه من مفاهيم أو ما كنت تحسبها قيماً إنسانية نبيلة، فتجعل كلمات، مثل العذاب والفقد أو الموت والغياب الأبدي؛ تعني لك شيئاً مختلفاً، شيئاً مغايراً لِما اعتدت أو اعتادت الجماعة عليه. تقترب منك الحياة وتدنو منها، ترمي لك بطعم، فما إنْ تحاول الإمساك به حتى يبتعد. والقاعدة تقول: حتى تفهم أكثر، لابدَّ أن تحاول ثانية وثالثة حتى تتمكن من الإمساك بالمعنى الحقيقي لذاك الطعم. مات، أول من أمس، أسطورة الملاكمة، محمد علي كلاي، بعد خمسة وثلاثين عاماً من اعتزاله، قضى معظمها يصارع مرض الشلل الرعاش، الذي لا علاج معروفاً له حتى الآن. ويقال إنه…
السبت ٠٤ يونيو ٢٠١٦
إحدى القبائل الأفريقية نساؤها يسيطرن على الرجال، نعم إنهن يخرجن كل صباح إلى العمل ويبقى الرجال في المنازل، فما دور هؤلاء الرجال إذن؟! إنهم يرتبون المنازل ويطبلون ويعزفون على بعض الآلات، ويزينون أنفسهم بالزهور لاستقبال زوجاتهم عند عودتهن متعبات في المساء. الغريب في أمر نساء هذه القبيلة أنهن يظهرن ازدراءهن للرجال كونهم لا يعرفون إلا المخاصمة والثرثرة والانقياد إلى عواطفهم. يا ليت الحكاية في عالمنا العربي تنقلب إلى شاكلة هذه القبيلة - أي أن (تستجمل الناقة ويستنوق الجمل). فربما - أكرر - قد تحسن النساء التصرف، ما دام الرجال في بعض البلاد العربية جعلوا (الجنون)، وهو الجنون، يتواضع مما فعلوه بحق شعوبهم. لو أن أمنيتي هذه تحققت، فلا شك أنني سوف أكون وقتها ضارب (دربكّا)، فهذه الآلة هي الوحيدة التي أحسن استعمالها، طبعًا إلى جانب (المواويل) بصوتي الذي يشبه ثغاء الخروف. *** بالأمس القريب ذهبت إلى (سوبر ماركت)، واتجهت رأسًا إلى قسم الخضراوات والفواكه، لكي أشتري كيلوغرامًا ونصف الكيلوغرام من…
السبت ٠٤ يونيو ٢٠١٦
في ظل معركة الفلوجة في العراق، ومعركة منبج، وربما غداً الرقة، في سورية، لا يستطيع المتأمل أن يطرد المعطى الماثل أمام العينين بقوة تفقأ العينين. فما بين قاسم سليماني و»الحشد» الذي يجري تمويهه بألف طريقة وطريقة في الفلوجة، والحضور المركزي للأكراد في منبج، تتعرض السنية العربية، حضوراً ولوناً، لمذبحة كبرى، مذبحة ربما رسمت ممراً إلى ما يوصف بالخرائط الجديدة، أو النظام الإقليمي الجديد. ويتبدى، والحال هذه، كأن هذه السنية مطالبة بدفع كلفتين في آن معاً، كلفة الواقع المديد في المنطقة، الذي شرع يتداعى قبل سنوات خمس، وكلفة الثورات التي هبت في وجه هذا الواقع وانتهى بها الأمر إلى الفشل والاحتراب الأهلي. فالسنة العرب، بالتالي، يحاكَمون بوصفهم الحكام، كما يحاكَمون بوصفهم المحكومين. وما القوى الإيرانية والشيعية والكردية التي تتصدى لتأديبهم سوى تذكير حاد بهذه القسوة الخارجية في إنزال العقوبة الجماعية. وإلى ذلك، عمل اللا نظام الدولي، ويعمل، على اشتقاق الصورة البديلة للمنطقة من حقيقة احترابها الأهلي، من دون أي حفول بأن…
السبت ٠٤ يونيو ٢٠١٦
في الشارع، وفي الأماكن العامة، وأمام أبواب المساجد، حالات عديدة من البشر يطرحون أنفسهم كفقراء ومُعْدَمين، ومعوزين، ومحتاجين، وتمتد أيديهم بضراعة وذل وهوان وخنوع، وركوع، وبوجوه مكدورة وقلوب مكسورة، ونفوس مثبورة، وأرواح محرورة، وأجساد رثة، وملابس كثّة، ما يجعل الإنسان يذعن ويزداد شجناً، وحزناً، ولا يملك إلا أن يدس يده في جيبه، ويعطي المتيسر، وبعد زوال زولة، يختفي المتسول المتنكر، ويعود بهيئة أخرى في شارع آخر أو مكان مختلف، وهكذا فالرحى تدور والاحتيال يدير عجلات الخديعة بكل براعة ودهاء، وذكاء ونباهة، ولأن آلة المشاعر لدينا رقيقة ضعيفة لينة، طيعة، فإن المحتال المتسول لا يبذل جهداً مضنياً كي يقبض على الفريسة، بل إنه يقهقه بملء فيه، ساخراً مستهزئاً مستهتراً بهذه القلوب سهلة الاصطياد. ولذلك، فإن أغلب المتسولين أصبح البحث عن الطرائد مهنة وحرفة، ثم ثقافة لا يمكن الاستغناء عنها، وبالتالي ترسخت هذه الثقافة لتصير جزءاً من الكيان وعضواً من أعضاء المتسول التي لا يمكن أن يستغني عنها، وما يؤكد ما نشير…
السبت ٠٤ يونيو ٢٠١٦
«الجميع ضدنا» هو تقريباً مضمون الرسالة الإعلامية التي تُصدرها أغلب وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة، فضلاً عن البرامج الحوارية أو «التوك شو». وهي مقولة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة المؤامرة، وتعني إجمالاً وقوف أطراف خارجية وراء الأحدث أو الأزمات الطارئة التي يمر بها بلد من البلدان بغض النظر عن أي أسباب أو تفسيرات أخرى. وللدقة فإن هذه الفكرة موجودة في قاموس العلاقات الدولية وتُعرف بـ»نظرية المؤامرة« وتتبناها كثير من المجتمعات والشعوب في لحظات معينة. وعلى الرغم من الاعتراف بوجودها فإن الإفراط في استخدامها يعطي مؤشراً سلبياً، بعبارة أخرى عندما يكون هناك خطاب إعلامي نمطي وجاهز لتبرير جميع الأحداث التي تقع دون الأخذ في الاعتبار اختلاف ظروفها وملابساتها والأطراف الداخلة فيها، فلابد أن يكون هناك شيء ما خطأ، وهو ما نتوقف عنده. إذ إن جميع الأحداث التي شهدتها مصر في الآونة الخيرة تمت معالجتها وفق هذا المنطق، بدءاً بسقوط الطائرة الروسية في أكتوبر الماضي، مروراً بالحادث الغامض لمقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، وواقعة…