أفغانستان.. القصة الكاملة للطبيب الذي سقط من السماء

أخبار

لا تزال صور الجثث التي تتساقط من السماء أسفل طائرة عسكرية تحلق فوق مطار كابول الدولي عالقة في أذهان الكثيرين حول العالم، وحينها كذب البعض أعينهم وظنوا أنه مشهد تم التلاعب به، لكن الحقيقة هي أن السقوط كان حقيقياً وما وراءه كان تفاصيل مأساوية.

فدى محمد شاب أفغاني كان واحداً من بين عدة أشخاص لقوا مصرعهم بعد التشبث بهذه الطائرة العسكرية الأمريكية أثناء إقلاعها من مطار كابول ظناً منهم أنها الملاذ الأخير لهم، لكنها أبت.

فعندما سيطرت حركة طالبان على كابول في 15 أغسطس الماضي، أخبر فدى محمد عائلته بأنه رأى على فيسبوك أن كندا والولايات المتحدة كانتا تنقلان أي شخص يريد المغادرة من مطار كابول، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

ولكن عائلته لا تذكر أنه قال لهم إنه يريد الذهاب.

لم يتمكن طبيب الأسنان الشاب من الوصول إلى أي من البلدين، لكن في اليوم التالي تم العثور على جثته على سطح منزل على بعد 4 أميال من مطار كابول بعد أن سقط من طائرة عسكرية أمريكية أثناء إقلاعها، وهي واحدة من أكثر الصور المأساوية التي لا تمحى في الفصل الأخير من الحملة الأمريكية في أفغانستان.

وبعد 10 أيام من وقوع هذه الحادثة المأساوية، لا يزال هناك العديد من التفاصيل الكثيرة والأحداث الفوضوية التي يشهدها مطار حامد كرزاي الدولي.

وأظهرت مقاطع الفيديو القصيرة التي التقطها المارة، والتي سرعان ما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي لمحات من مشهد غير عادي، حيث احتشد مئات المدنيين على مدرج المطار في محاولة يائسة للصعود على متن الطائرة.

وأظهر أحد مقاطع الفيديو ما لا يقل عن 10 أشخاص متشبثين فوق فتحات معدات الهبوط بينما كانت الطائرة تتسارع على المدرج للإقلاع، وأظهر مقطع آخر سقوط جثتين من الطائرة أثناء إقلاعها.

وقال سلاح الجو الأمريكي إن طاقم الطائرة C-17، قرر مغادرة المطار في أسرع وقت ممكن في ذلك اليوم بسبب تدهور الوضع الأمني، وعثر المسؤولون الأمريكيون في وقت لاحق على رفات بشرية محطمة داخل منطقة الإطار في الطائرة، وتعهد سلاح الجو بإجراء تحقيق شامل لمنع حدوث مثل هذه الحوادث مرة أخرى.

هول الصدمة ما زال يسيطر على والد فدى الذي يتساءل عن سبب ذهاب ابنه الأكبر إلى المطار في ذلك اليوم دون إخباره، ويسأل لماذا كان الطيار يفتقر إلى الإنسانية وقرر الإقلاع أثناء تشبث الناس.

وقال لصحيفة واشنطن بوست: «إذا تمسك شخص ما بالطائرة فهل يحق للطيار أن يقلع بهذا الشكل، كان الأمر أشبه بقتل بعوضة حتى إنك لا تعتبره بشراً».

من هو فدى محمد؟

ولد فدى محمد في عام 1996 أو 1997، حيث لا يتذكر والده متى ولد بالضبط، ولكن حين استولت طالبان على كابول لأول مرة.

ونشأ وهو الابن الأكبر لـ10 أخوة آخرين، وسط الطبيعة في بلدة بغمانا الواقعة على التلال غربي كابول، وكان منزل عائلته مكوناً من 4 غرف، ويحتوي على حديقة مليئة بأشجار الكرز.

كافح محمد في حياته وكان يبيع الملابس مع أقاربه من أجل الحصول على لقمة العيش، وواجه صعوبة في إعالة أطفاله، لكن بعد سقوط طالبان ودخول أمريكا رأى في ابنه فدى إمكانية في أن يصبح له مستقبل مشرق.

وجمعت أسرته المال من أجل إرساله إلى جامعة الشفاء الخاصة في كابول لدراسة طب الأسنان، وبعد تخرجه افتتح عيادة مع صديقة بالقرب من ميدان الشهيد في كابول، وكان يجني حوالي 200 دولار شهرياً وفقاً لوالده.

وفي العام الماضي باع والده الكثير من أراضي الأسرة، وتراكمت عليه ديوناً كبيرة، واقترض حوالي 5000 دولار ليتمكن فدى من الزواج.

وقال والده إن ابنه البكر كان يفكر في الحصول على درجة علمية متقدمة أكثر. وقال محمد بصير ابن عم فدى وصديقه المقرب انهما كانا يتوقان لمغادرة البلاد، لكن ذلك في الغالب حلماً.

قال بصير: “اعتقدنا أنه في يوم من الأيام يمكننا السفر إلى الخارج، لكننا لم نناقش الأمر كثيراً، حيث عليك أن تدفع الكثير من المال، ولم يكن وضع عائلته الاقتصادي جيداً”.

وأوضح بصير أنه مع تقدم طالبان في أوائل أغسطس أصبح فدى المبتهج عادة قلقاً وغير متأكد مما سيحدث في بيئة غير مستقرة لشخص متعلم ويتطلع إلى اكتساب المزيد.

وفي كابول خشي العديد من الناس من الأمر نفسه، وتدفقوا نحو المطار بحثاً عن مخرج، وفي 16 أغسطس غادر فدى منزله في الصباح وتوجه إلى العيادة كما افترضت عائلته.

وفي ذلك الصباح، أوضح مسؤولو القوات الجوية أن طائرة الشحن المعنية كانت تهبط، إلا أنه تم تطويقها بمجرد أن لامسها مدنيون قاموا باختراق محيط منطقة المطار، وقرر الطاقم الإقلاع على الفور مرة أخرى دون تفريغ الإمدادات اللازمة لجهود الإخلاء.

قال أمدرو إنمان، وهو طيار سابق في سلاح الجو الملكي البريطاني، وقام بإجراء عمليات إجلاء في أفريقيا وسافر إلى مطار كابول عدة مرات، إن الطاقم كان بإمكانه رؤية الأشخاص أمامهم على المدرج، ولكن من غير المرجح أنهم رأوا أو سمعوا أن هناك أشخاصاً قاموا بالتشبث بالهيكل فجأة.

قال إنمان: “أعتقد أنه في تلك المرحلة كان هناك الكثير من الارتباك، وفي الواقع في حال توقفت الطائرة لكان هناك المزيد من الإصابات والكوارث”.

وتُظهر مقاطع فيديو من الموقع طائرتي هليكوبتر من طراز أباتشي تحلقان بالكاد فوق الأرض أمام C-17 وتحاولان إخلاء المدرج من الناس. عندما بدأت المحركات الأربعة الضخمة في التشغيل عند الإقلاع، سقط العديد من الرجال المعلقين وركضوا بجانب الطائرة.

وسقطت جثة فدى فوق سطح منزل حارس أمن يعمل في سوق منداوي في كابول، حيث كان الرجل يغفو في منزله وقته الظهيرة عندما سمع صوت انفجار قوي فوق منزله، صعد إلى السطح فوجد جثة فدى في خزان المياه، وبالقرب منه كانت هناك جثة أخرى لاحقاً تم التعرف على هوية صاحبها وهو شاب يبلغ من العمر 18 عاماً من شرق كابول.

تم نقل الجثتين إلى مسجد قريب وتم التعرف عليهم من الهويات في ملابسهم والهواتف التي كانت معهم، ومن ثم تم الاتصال بعائلة فدى.

وقال والده: “كانت هذه اللحظة بمثابة نهاية العالم بالنسبة لي، كانت أسوأ لحظة في حياتي”.

المزيد من الفوضى

يتوقع ساجان غوهيل، الباحث في مؤسسة آسيا والمحيط الهادي وهي مؤسسة فكرية مقرها لندن، حدوث المزيد من الفوضى في كابول قبل انسحاب الجيش الأمريكي يوم الثلاثاء المقبل.

وتسبب انفجار خارج المطار بمقتل 170 شخصاً بينهم 13 جندياً أمريكياً، وتبنى تنظيم داعش الإرهابي المسؤولية عن الاعتداء.

وقال غوهيل: “الأيام الأخيرة قد تخلق المزيد من الذعر وعدم اليقين والمزيد من الصور المأساوية في أفغانستان”.

المصدر: الرؤية