هدى ابراهيم الخميس
هدى ابراهيم الخميس
مؤسّس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون

إعداد الأجيال للمستقبل وتوفير فرص الإبداع والابتكار

آراء

الإمارات ليست دولة فتية قياساً بأعمار الدول فحسب، ولكنها أيضاً مجتمع شبابي بامتياز، حيث تبلغ نسبة الشباب 50 بالمئة من إجمالي عدد السكان. وإدراكاً من القيادة الرشيدة بأن الأوطان تبنى بسواعد أبنائها وأن شباب اليوم هم قادة الغد وركيزة المستقبل، والمحرك المستمر للابتكار والتنمية، يتصدر الاهتمام بالشباب الأجندة الوطنية للدولة، وتولي جميع السياسات والاستراتيجيات الحكومية اهتماماً كبيراً بفئة الشباب، حيث تقدم لهم تعليماً راقياً، وتشجعهم على الحصول على أعلى الدرجات العلمية من كبرى الجامعات المحلية والعالمية، وتوفر لهم البيئة المحفزة للابتكار والبحث والتطوير، وتتبنى أفكارهم وإبداعاتهم، وتتيح الفرصة للشباب من الجنسين ليتبوؤوا أرفع المناصب التنفيذية، بل إن حكومة الدولة خطت خطوة رائدة بتعيين أصغر وزيرة في العالم، معالي شما المزروعي وزيرة دولة لشؤون الشباب، تمثلهم وتحمل طموحاتهم واهتماماتهم وأحلامهم.

تخطيط دولة الإمارات لمستقبل أبنائها لا يمتد لخمس أو عشر سنوات، وإنما تخطط القيادة الحكيمة لمستقبل أبناء الإمارات بعد خمسين أو مئة سنة، فأطلقت مشروع «المريخ 2117»، الذي يتضمن برنامجاً وطنياً لإعداد كوادر علمية إماراتية لاستكشاف المريخ وبناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر خلال 100 عام. وأطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «مئوية الإمارات 2071» التي تشكّل برنامج عمل حكومياً طويل الأمد لوضع الممكنات والأسس لإعداد أبناء الإمارات للمستقبل، وهو برنامج مستمد من المحاضرة الملهمة التي ألقاها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في «مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل»، حيث رسم الخطوط العريضة لبناء إمارات المستقبل، وتجهيزها للأجيال المقبلة، فالهدف الذي يسعى الجميع إلى الوصول إليه هو إعداد الأجيال للمستقبل وتوفير الفرص لهم للإبداع والابتكار وتسليحهم بالمهارات اللازمة للتكيف مع التطورات التقنية الهائلة، والتغيرات المتسارعة في سوق العمل، فوفق دراسة صادرة عن جامعة أكسفورد، فإن 47 بالمئة من الوظائف الحالية في الولايات المتحدة مهددة بالاختفاء خلال السنوات العشرين المقبلة نتيجة الأتمتة، بل إن كلاوس شواب، مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، يشير في كتابه «الثورة الصناعية الرابعة» إلى أن الابتكارات التقنية طالما تسببت في القضاء على الوظائف، منوهاً إلى أن 90 بالمئة من القوى العاملة في الولايات المتحدة كانت تعمل في الزراعة بداية القرن التاسع عشر، أما اليوم، فلا تتخطى تلك النسبة 2 بالمئة فقط بسبب التطورات التقنية في هذا المجال. وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن دولة الإمارات لا تنتظر المستقبل، إنما تعمل على استشرافه والمشاركة في صنعه بسواعد شبابها الذين أثبتوا قدرتهم على تقديم الحلول المبتكرة والخلاقة في المجالات كافة.

إن النهج الذي تتبعه قيادة الإمارات من جهة الاهتمام بالشباب ليس جديداً، وإنما يتجلى في حكمة المغفور له الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي آمن بالشباب وقدراتهم على صنع المستقبل وبأنهم الثروة الحقيقية للوطن. لذا، ليس من المستغرب أن تحل دولة الإمارات في المرتبة الأولى على قائمة الدول المفضلة للشباب العربي للعيش والإقامة، وفي المرتبة الأولى أيضاً كنموذج تنموي ناجح في نظر الشباب العربي، وفق استطلاعات الرأي السنوية.

ولكن إعداد أجيال اليوم للمستقبل يجب ألا يكون مسؤولية الحكومات فحسب، وإنما يقع على عاتق المؤسسات الخاصة والمجتمعية بمختلف قطاعاتها وتخصصاتها مسؤولية تعزيز قدرات الشباب وإتاحة الفرص لهم لإظهار قدراتهم واحتضان مواهبهم والنهوض بها، فالشباب بحاجة للاستثمار فيهم وفي إبداعاتهم، بحاجة لمن يؤمن بقدراتهم، ويحفزهم ويوفر لهم الفرص حتى يبدعوا، وبذلك تتمكن الأمة العربية أن تستأنف نهضتها وحضارتها.

وبالنظر إلى أهمية الفنون والثقافة في تعزيز الإبداع والابتكار لدى الشباب، تنتهج مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون منذ تأسيسها عام 1996، رؤية تهدف إلى الارتقاء بطاقات وقدرات الشباب وتطويرها، والعمل على تأهيلها بطرق إبداعية، حتى يكون لهم الدور الريادي في مسيرة استئناف الحضارة عربياً وإنسانياً، عبر غرس قيم الابتكار واكتشاف المواهب والقدرات وصقلها ضمن بيئة مشجعة على الإبداع، للمساهمة في تعزيز وترسيخ مكانة إمارة أبوظبي كمركز للفنون ووجهة ثقافية عالمية. وتبدأ مسؤوليتنا في مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون بتمكين وتأهيل أجيال المستقبل، عبر تشجيع المبدعين على اكتشاف مواهبهم، وإتاحة آفاق التعبير الفني أمام الشباب من خلال العديد من الفرص التي أذكر منها- على سبيل المثال لا الحصر- جائزة الإبداع من مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، وجائزة كريستو وجان كلود، وجائزة التصميم، وجائزة القصص والرسوم المصورة، والمنح لاستكمال الدراسات العليا ومنح صناعة الأفلام، وبرنامج القيادات الإعلامية الشابة، وغيرها من مبادرات وبرامج.

تنشئة أجيال المستقبل لمواجهة تحديات المستقبل رسالة ومسؤولية مجتمعية علينا أن نتكاتف جميعاً لننال شرف المساهمة في تحقيقها، ودعم جهود القيادة الرشيدة في إعداد أجيال قادرة على التفاعل مع المستجدات لخدمة وطنها وتعزيز مكتسباته وتنافسيته العالمية، حتى تكون الإمارات أفضل دولة في العالم في مئوية تأسيسها عام 2071.

المصدر: الاتحاد