إنسان إكسبو

آراء

لحظة انطلاق النور من بين أكناف النجوم المتلألئة على بساط من تراب الوطن، كان المتأمل يقف عند جادة الفكر ويستدعي ماضياً قد توارى خلف شرشف من الدهشة التي استولت على قلبه، واحتلت مكاناً واسعاً في ذاكرته، حيث لم يزل يحتفظ بحزمة من الصور، والوجوه، والأحداث في سنواته المديدة التي قضت نحبها ولم يبق له سوى ذلك الوجه بأخاديده الأشبه بوديان حافة، وعينيه اللتين اكتسحهما بياض المراحل الغابرة، ويدين معروقتين تبدوان مثل حبل المراسي، لسفن السفر البعيد.

المشهد من دبي، على أرض الإمارات، هناك شع النور، وبسط الجمال أجنحته، ووشاح من المدهشات أسدل بهجته على القلوب، وهذا المشاهد المذهول، يجلس على أريكة الانبهار محتدماً بأفكار، وخلجات، وحكايات تنقذف تواً على الذاكرة، قادمة من زمن ما، من حالة ما، من مواقف، يستشعرها وكأنها الصورة المقابلة في مرآته، حيث في إكسبو هناك التاريخ يقلب صفحاته، ويبري أقلامه، ويشحذ هممه، ويسرج خيوله، ويضع الزعفران على أخطام نوقه، ويقول للملأ هذه السانحة، انبلجت من رؤية الحكماء، هذه الدفقة، انبثقت من فطنة القيادة، وهي تسعى لريادة العالم عبر ميسم الحب، وإكسير الإرادة الصارمة، والتي تخيط قميص الأحلام، من أهداب الحرير، وتضع النقوش، غيمات مسترسلة في النث وكلما لمع بارق من ثنية، أو تابعة، كلما خفق قلب المتأمل، جراء بروز معلم، أو منجز، أو قلعة من قلاع الإبداع في هذا المعرض، كلما انعطف قلب ذلك المشاهد، متناغماً مع اللحظة، متوارياً في نمنماتها، مختبئا في ثوب إعجازها، باحثاً عن عينيه اللتين انغمستا في المشهد، كما هي الفراشات عندما تدوزن مشاعرها، مع الجمال في أكمام الزهر.

والليل لا يطوي عباءته في تلك الليلة، لأن دبي أعلنت عن سهرة رومانسية، مبعثها الحب للإنسان، والاندماج في الوجود، والتفاني من أجل حياكة كسوة العيد، لمناسبة يفترش الفرح فيها ملاءته الدفيئة، لتنام الدنيا قريرة مطمئنة، ولتحلم كما يهوى لها، لأن دبي قررت أن تجعل العالم بلا ضغينة، وبلا تهديد لمشاعر الناس، دبي فعلت ذلك، وهي مستمرة في بناء هذا الحلم الجميل، لأن الحياة بدأت بالحلم، ولم تنته بعد من صياغة الأحلام الأجمل.

دبي قررت أن تستعيد بريق التاريخ، وأن تفصل ثوباً أنيقاً لأهل الأرض في أيامهم، لأن دبي لا تعترف إلا بالجمال، ولا تؤمن إلا باقتصاد يجلي عن الناس جميعاً غبار التعاسة، والفاقة.

بعد انتهاء الحفل الافتتاحي، شعر المشاهد أنه يهيم في عالم مختلف، وأن عينيه لن ترتديا النظارة الطبية بعد اليوم، لأن بلورات الشواهق تكفي لأن تزيح عن رموشه الغشاوة.

المصدر: الاتحاد