«التحدي».. اللغة.. الهوية

آراء

وسط بحر أضواء ذلك الحفل البهي القشيب الذي احتضنته دار الأوبرا في «دانة الدنيا»، أمس الأول، لتتويج الفائزين في الدورة السادسة من تحدي القراءة العربي، والذي زاده ألقاً وبهاء تشريف وحضور راعي التحدي الأكبر وفارس المبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يتوقف المرء أمام العديد من الصور ذات الدلالات العميقة بدءاً من حرص المشاركين على التمسك بأزيائهم الوطنية وانتهاء بالحرص على إبراز تمكنهم من لغتهم الأم، اللغة العربية للدلالة على قوة ارتباطهم بها.

ومما استوقفني في هذا الجانب المشاركة الواسعة من جانب الجاليات العربية في مهاجرهم في أكثر من 26 دولة بمختلف بلدان وقارات العالم، من روسيا شرقاً وحتى أميركا وكندا غرباً، ومن فنلندا شمالاً وحتى أستراليا ونيوزيلندا جنوباً. صورة زاهية من صنع «التحدي» الذي نفخر بأنه انطلق من أرض الإمارات وعلى يد فارس المبادرات الذي أعاد للغتنا الجميلة اعتبارها ولخير جليس في الأنام دوره ومكانته وبث في قلوب ملايين الشباب الأمل والطموح بأن القادم سيكون أجمل.

الحفاظ على اللغة والتمسك بها ليس مجرد ارتباط بأداة تخاطب وتعامل في حياتنا وممارساتنا اليومية وإنما هو فخر واعتزاز بالهوية والانتماء.

استعدت ما رواه صديق مغترب في إحدى بلدان أميركا الشمالية عن واقعة جرت له في أول يوم دراسي لصغاره في مدرستهم هناك، عندما استدعته مدرسة الصف للاجتماع به وزوجته. في البداية استغرب أمر هذا الاستدعاء خاصة وأنهم ما زالوا في اليوم الأول من الفصل الدراسي الأول. ولما عرف السبب عقدت الدهشة لسانه، فقد كان غاية الاجتماع إبلاغهم طلب الإدارة بالتحدث مع صغارهم بلغتهم الأم -أي العربية- وذلك لغايات تربوية تهدف لتعظيم لغتهم وانتمائهم وجذروهم في نفوسهم.

اليوم عندما تشاهد أثر مبادرة تحدي القراءة العربي يمتد بهذه القوة لتلك الأجيال في مختلف الأصقاع والمهاجر، تلمس ثمرة الغرس الطيب ونتائجه على المدى البعيد في استمرار قوة ارتباط الإنسان العربي بلغته وهويته وجذروه حتى وإن كان بعيداً جغرافياً عن العالم العربي.

وبالقدر الذي يفخر فيه المرء بهذه النماذج المشرفة الملتصقة والمتمسكة بلغتها الجميلة، تحز في نفسه درجة الإشفاق لوجود شريحة واسعة من الشباب والأطفال عندنا لا يجيدون لغة بلادهم وهم في بلادهم!!. بل ويتفاخرون أنهم يتحدثون ويتبادلون المراسلات الرسمية بلغة غير اللغة الرسمية للدولة.

المصدر: الاتحاد