سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

انتبهوا أيها «الماكنماريون»!

آراء

المبدع والمتميز جداً، وأحد أشهر من يقدمون محتوى مفيداً وهادفاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ياسر حارب، تحدّث عبر حسابه على «سناب شات»، عن موضوع في غاية الأهمية، هو اعتماد كثير من المسؤولين والجهات، وحتى الأفراد، بصفتهم الشخصية في حياتهم العادية، على المؤشرات الكمّيّة وحدها، في تقييم فعل معين، أو قرار معين، أو حتى تقييم موظفين أو أشخاص معينين، والمؤشرات الكمّيّة هي التي تعتمد على الأرقام كوحدة قياس، ومن خلال تلك الأرقام، يتم تحديد مستوى النجاح والفشل، وبناء على ذلك يتم اتخاذ القرار.

ياسر حارب ضرب مثلاً بماكنمارا، وهو وزير الدفاع الأميركي من عام 1961، في عهد الرئيسين جون كنيدي، وليندون جونسون، وهو أحد الأشخاص الذين كانوا وراء اتخاذ قرار شنّ الحرب على فيتنام، واعتمد في إثبات نجاح القوات الأميركية خلال الحرب على مؤشر قياس كمّيّ واحد فقط، هو عدد القتلى من الجانب الفيتنامي، في حين تجاهل كل المؤشرات الأخرى، ولذلك كان الجيش الأميركي يقصف قرى كاملة بأطفالها ونسائها ومدنييها، لو شكّ في أن مقاتلين من الفيتكونج موجودون فيها!

روبرت ماكنمارا فشل في الحرب، وفشل في اختيار المؤشرات الصحيحة المناسبة للوضع الميداني، واكتفى بخبرته الاقتصادية، كونه (كان) رئيساً تنفيذياً لشركة «فورد»، وأصرّ على وضع مؤشر القتلى مقياساً وحيداً لتقييم نجاح القوات الأميركية في الحرب!

لا أحد يغفل أهمية وجود مؤشرات الأداء الكمّيّة، ولا أحد ينكر ضرورة قياسها، لمعرفة مستويات النجاح والفشل، لكن الخطورة تكمن في الاعتماد التام على هذه المؤشرات الكمّيّة أو الرقمية، من دون الالتفات إلى أي اعتبارات إنسانية أو مجتمعية، خصوصاً أن هذه الاعتبارات الأخرى، التي قد تفوق بكثير المؤشرات الكمّيّة، لا يمكن قياسها أو معادلتها بالأرقام، لذلك فالمقيّمون عادة ما يفضلون اختيار مؤشرات رقميّة، نظراً إلى سهولة استخدامها وقياسها، ولذلك فهم يتجاهلون ما لا يمكن قياسه بسهولة، حتى لو كان مهماً، وبما أن المقاييس الكمّيّة عادة ما تكون محدودة، لذا فالفشل وعدم الدقة غالباً ما يصاحبان الاعتماد على هذه المؤشرات!

ما لم يذكره ياسر حارب في «سناباته»، أن روبرت ماكنمارا ندم ندماً شديداً على قراراته واستراتيجيته في حرب فيتنام، وبعد عقدين من الصمت بشأن الحرب، نشر كتابه عن الحرب تحت عنوان «استرجاع الأحداث»، حيث تنكر لمبرراته السابقة للحرب، واستعان بالتعبير الذي ساد أثناء إدارتَي كينيدي وجونسون: «لقد كنا على خطأ، وعلى خطأ جسيم»!

إن العديد من منتقدي ماكنمارا يؤكدون أنه فشل في تسويق مزاعمه حول النيات النبيلة، إذ أثبتت الأحداث الفعلية أنها مزاعم غير حقيقية، فكيف تكون النيات نبيلة، بينما يتم تجاهل الحقائق التي أكدت النتائج المروّعة التي أسفرت عنها تلك النيات؟!

لذا، فعلى كل من يتبع نهج ماكنمارا، بقصد أو من غير قصد، أن يراجع حساباته، وأن يضع مؤشرات أداء مختلفة ومنوّعة وشاملة، وألا يعتمد على الأرقام فحسب، لأنها قد تكون مضلّلة في أحيان كثيرة، وعندها أيضاً لا يفيد أن نتذرع بالنيات النبيلة، فالنيات وحدها لا تكفي!

المصدر: الامارات اليوم