سمير عطا الله
سمير عطا الله
كاتب لبناني

باي باي كابل

آراء

هناك دول لا تعرف الهدوء في تاريخها، لأن قدرها جعلها على مفترقات الأمم وشهوات الغالبين، إما لأسباب جغرافية، أو طمعاً في ثرواتها. لكن أفغانستان بلد جبلي صخري معقد وصعب وفقير، ومع ذلك، قامت فيه ومن أجله حربان شنتهما أقوى دولتين في التاريخ: حرب الاتحاد السوفياتي من أجل الحؤول دون هزيمة الشيوعية، وحرب الولايات المتحدة من أجل المد المتطرف، مرة معه، مرة ضده.

في الحالتين، هزمت الطائرات والمقاتلات، أعتى قوة غربية وأقوى قوة شرقية، والقبائل البدائية تقرئكم السلام. وبعد أيام يخرج الأميركيون وعلى أفواههم سؤال واحد: لماذا جئنا، ولماذا جاء السوفيات، وهل تستحق بضعة صخور في كابل حربان استمرتا نصف قرن، وانتهتا قبل أن تعرف الدوائر العسكرية في موسكو أو واشنطن، خريطة عبور ممر خيبر؟

طبعاً قرار جو بايدن لا نقاش فيه. فلو استمرت الحرب 20 عاماً آخر لظلت النتائج كما هي، سوف تدفع أميركا مائة مليار دولار للحصول على قطعة أرض صخرية في الجبال، لا تساوي عملياً ألف دولار بالعملة المحلية أو بالعملة اللبنانية. لا أحد يعرف تماماً حجم المليارات التي أحرقتها أميركا في أكثر بلاد الأرض وعورةً وفقراً. لكن الجميع يعرفون، أن البشرية شهدت هزيمة الأقمار الأميركية والجحافل السوفياتية في أكثر الحروب عبثية: مجموعة رعاة معتادين البرد والجوع، يكسرون الاستراتيجيا والعلم وأكبر قاصفة في الدنيا، كانت أول شيء حمله دونالد ترمب ورماه فوق الجبال. وسوف يبقى هناك لالتقاط الصور التذكارية، لكنه لم يعنِ للمقاتلين سوى موقعه في أرقام غينيس القياسية.

كان القرن الماضي أكثر قرون البشرية دموية وعبثية وهباءً. مرة تقع الحرب في أجمل وأهم مدن الدنيا، باريس، لندن، برلين، فيينا، ومرة في أفقرها وأبعدها عن القوى الحضارية: سايغون، هانوي، كابل، موزامبيق، إلخ… وغالباً لأسباب آيديولوجية، كما في الكوريتين، أو الألمانيتين، أو قندهار وواشنطن.

عالم في حالة تأهب دائم، أو في حالة قتال، والآن في حالة تراجع وانسحاب. وأتخيل أن جو بايدن كان يقول في نفسه وهو يعلن الانسحاب الكلي، كيف أفسر للأميركيين أننا خسرنا تريليوني دولار في أطول حروبنا من أجل أن نعلن أننا انتصرنا على الملا عمر؟

خاضت أميركا الحروب ضد الشيوعية في أنحاء الكون، ثم سقطت هذه من تلقاء نفسها مثل حائط من صلصال، والآن ينظر إلى الحزب الشيوعي الصيني الذي احتفل بمئويته قبل أسابيع، على أنه منافس تجاري مخيف. وما زال كيم جون أون عبر الحدود يغرد، ويطلق الصواريخ في البحر، ويحير العالم ويسليه: هل فقد وزنه بسبب المرض أو بطلب من الرفيقة الأولى؟

المصدر: الشرق الأوسط