مصطفى النعمان
مصطفى النعمان
كاتب وسياسي يمني عمل سفيراً لليمن في عدة عواصم كان آخرها مدريد

بين اغتيال شابين وصفعة في “الموفمبيك”

آراء

الأحداث التي جرت في شوارع صنعاء وأدت الى مقتل شابين بصورة أقل ما توصف بها أنها وحشية وتأصيل لشريعة الغاب، ثم الصفعة التي تلقتها ليزا الحسني من شخص كان من المنتظر منه إقرار مبدأ الحوار الذي عاد ليشارك فيه.. هذان الحدثان تقع مسئولية معالجتهما ومعاقبة مرتكبيها على ما تبقى من أجهزة الدولة العاملة، وتؤكد بأن مؤتمر الحوار ليس العصا السحرية لنزع فتيل الحريق الشامل.

إن قتل الشابين ما كان له أن يأخذ هذا البُعد المؤسف لو أن الأجهزة الأمنية قادرة على القيام بواجبها وعدم الاكتفاء بالبيانات التي لم يعد أحد يتعامل معها بجدية، وما الحادثة التي جرت بين مجموعة من الشباب قبل أقل من شهرين وتصدت الحكومة واللقاء المشترك وأجهزة الأمن للتعامل الهزيل معها إلا برهان على الخفة التي تدار بها الأمور من قِبل الذي يتصورون أنفسهم منقذي البلاد وصانعي مستقبلها.

القتلة معروفون والشهود موجودون، والكل يعلم كيف تم الأمر، والجميع يصرحون بوجوب تفعيل القانون وإنزال العقوبة على الفاعلين.. لكن لا أحد يجرؤ على التعامل مع الحادثة بما يتوجب من الصرامة والصراحة وعدم التسويف تحت مبررات “الظروف” و”حساسية المرحلة” و”ضرورة التروي” في الأمر.

لقد ثار اليمنيون على النظام السابق متأملين أن يبدءوا خطوة صغيرة نحو إظهار الرغبة في تثبيت قانون الدولة لا شريعة الغاب وقانون القبيلة، وأن تعليق كل ما يجري من أخطاء ومهازل لا يمكن تجييره إلى النظام السابق والاكتفاء بلعنه ليل نهار، ولابد للذين يتصورون نجاعة هذه السياسة أن يدركوا أن ذلك لا يعفيهم من المسئولية التي هم شركاء أصليون فيها قبل 21 فبراير 2012 وبعده.. فلنأخذ مثالاً تلك العصابة التي لا تتوقف عن تدمير أبراج الكهرباء، وتكتفي جهات الاختصاص بالإعلان عن أسمائهم وكأن الأمر مناط بالمواطنين لتعقب هؤلاء المفسدين في الأرض.. ما هو عمل هذه الأجهزة التي لم تجرؤ لا على محاسبة ولا معاقبة ولا ملاحقة قاتل أو مخرب، واكتفت بإصدار البيانات التي أضحت محل سخرية المواطنين.. أين هم “علماء” و”فقهاء” الحاكم من هذا الذي يجري في كل اليمن.!

إن على الحكومة أن تمتلك شجاعة الاعتراف بفشلها الذريع في تحقيق أي منجز، وألا تتصور أن ما تحقق على الواقع هو نتاج جهودها ونشاطها، وعليها أن تعلم أن حجم الفساد والفوضى الإدارية التي تسببت بها حالة الارتخاء السياسي التي تعاني منه انعكست في سوء أدائها وتسيبها ومعدومية إنتاجها.

أما حادثة “الصفعة” التي تلقتها ليزا الحسني فمن العجب أن يطالب البعض بتجاوزها، والقول بأن “لا داعي”، وأن “الدنيا عوافي”، و”عفا الله عما سلف”، والإصرار على قبْيَلة المسألة، ولا أدري كيف ستتصرف “رئاسة” الموفمبيك في هذا الأمر، وأين هي لجنة الانضباط.

العجيب أن رئاسة المؤتمر بوقفات احتجاجٍ شبه يومية على كل صغيرة وكبيرة إنما صارت جهاز رقابة على أداء الأجهزة الحكومية ومتابعة للحوادث التي تجري في شوارع وأزقة البلاد، ولعلها ستنجر لمناقشة قضايا لا شأن لها بها ولا بعملها ولن تتفرغ لمهامها الأصيلة في ضبط إيقاع أعمال المؤتمر وإلزام الجميع بلوائحه، وأن تُفهم الكل دون استثناء أن أسلوب الصفع قد ولى زمانه.

مرة أخرى أخشى أن يعود الناس للحديث عن سالف الأزمان حين كان للبلاد رأس يدير أمورها، كيفما شاء، وصرنا في زمن لا يعلم فيه أحد كيف تُدار شؤونه، وكيف يُصاغ قراره، ومن هو المسؤول عن حاضره ومستقبله.

المصدر: صحيفة الوسط اليمنية