مريم البلوشي
مريم البلوشي
كاتبة اماراتية

حداد وثأر ونصر

آراء

لم يمر يوم أمس من دون أن يخلد ألماً في قلوبنا. حين نادى المؤذن لصلاة الجمعة تناقلت الهواتف خبراً أفجعنا ولم نكن لندرك في لحظتها أننا نعيشه حقاً: استشهاد عدد من جنودنا البواسل.

بكينا مع كل أم رحيل كل شهيد، واليوم لا نبكي، بل قلوبنا منفطرة ونحن نودع كوكبة مخلصة متفانية كانت معاً ورحلت معاً في أروع صور الوفاء والتضحية التي مهما قدم غيرهم لن تكون بحجمها.
رحلوا شهداء إلى عليين عند رب كريم منعمين بإذن الله وفرحين بما آتاهم الله من جنات عرضها السموات والأرض..
حزننا مؤقت، فهم شرفونا وكانوا درعاً تحمينا، لم يترددوا، حملوا وسام الشرف عند خروجهم من بيوتهم وتوديعهم أهلهم، وكلنا أهلهم وهم أبناء أرض تستحق أن نعطيها ونرويها بدمائنا وتكون أرواحنا على كف الموت حاضرة لها، لأنها الأم الأولى والحضن الأول.
أرض تشرفنا في كل بقاع الدنيا فكان لها بحق كل تضحية مقدمة.
لكل من رحل ولكل من لايزال في أرض المعركة: نحن هنا آمنون ندين لكم بكل لحظة فرح نعيشها. ندين لكم بشموخنا وأماننا. ونحتضن خوفكم على من خلفتم وراءكم.
من رحل من شهدائنا ضحوا لنعيش ورحلوا لنحافظ على هذا الوطن.
رحلوا ولم يترددوا في تلبية الواجب فوجب علينا أن نقدر ما قدموا ولا نتهاون فيما نقدم لوطننا..
علمنا رمز فخر التحفوا به حين عادوا إلينا شهداء، ونحن نرقبهم بعين دامعة ونفخر بهم بقلوب موجوعة، لكنهم كانوا لنا وسيكونون في تاريخنا قصة نذكرها لنعتز بكل يوم نعطي فيه وبكل جهد.
هم أعطونا درساً كبيراً مفاده أن وطننا غال وكل من على أرضه غال..
علمونا كيف الحب يسمو عن الشعارات للأفعال.. علموا كل فتاة وأم تربي أبناءها أنهم أمانة لهذا الوطن وأن الفراق ليس فراقاً، بل خلود العز والشرف.
نعم أيتها الأمهات كانت ليلة حزينة. لم تنم الإمارات. كل بيت في حداد، فأبناؤكم أبناء الكل…
لم تنم الإمارات وهي ترفع لكن كل كلمات الشكر والعرفان بما قدمتن..
اليوم نعيش يوماً جديداً في تاريخنا لم نعشه يوماً.
رحيل أبنائنا وحدَنا أكثر. جمع قلوبنا أكثر. أثبت للعالم كيف أننا جميعاً مستعدون للتضحية. نتعلم من مدرسة قادتنا ونرتوي من دموع الأمهات شموخاً وصبراً.
ونصر أن نكون متحدين ضد كل من يريد بنا شراً وبوطننا سوءاً، فليس أغلى من شهيد روى الأرض بدمه في رسالة للعالم تقول: لا تهاون.
نعم نبكيكم وتحترق قلوبنا وأعلنا الحداد فلمثلكم نبكي. لن تعودا لكن خلفكم من سيثأر. خلفكم من لن يتهاون ولن يتردد: كل طفل رحل والده، وكل زوجة رحل زوجها، وكل أب وأم رحل ابنهما. ولهم يقسم الكل أن يبقى هذا الوطن عزيزاً آمناً لا تهدده نفوس لا تعرف الله حقاً، ولا تدرك أن خيانة الأرض لا تغتفر.
لأرواحكم الطاهرة ندعو الله أن ترقد بسلام فقد أعطيتم واليوم يوم الجزاء، مخلدين بإذن الله في جنات النعيم.

المصدر: صحيفة الخليج