دعوة الفيصل لظريف.. قراءة إيرانية

آراء

لاقت دعوة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، الموجهة لنظيره الإيراني السيد محمد جواد ظريف، اهتماما من قبل وسائل الإعلام العربية والأجنبية، التي اندفعت باتجاه تقديم كثير من التحليلات والرؤى حول أبعاد هذا الدعوة ودوافعها، وما ستؤول إليه من نتائج.

ورغم ذلك، تبقى الصورة غير مكتملة للقارئ العربي الذي يتطلع لمعرفة الوجه الآخر من ردود الفعل، والقادمة بطبيعة الحال من إيران، الفعل لهذه الدعوة.

لا شك أنه لا يمكن لهذه الدعوة أن تمر من دون اهتمام من قبل المسؤولين والمحللين الإيرانيين ووسائل الإعلام الإيرانية، الذين قدموا بدورهم تصوراتهم الخاصة حولها.

من خلال السطور القادمة نسير مع القارئ لنعكس القراءة الإيرانية لأسباب هذه الدعوة ونتائجها واستشراف مستقبلها.

بداية، أعلنت مرضية أفخم أن زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى السعودية أصبحت على جدول أعمال الخارجية الإيرانية، مؤكدة أن إيران والسعودية دولتان مهمتان في المنطقة، وأن تعزيز التعاون الثنائي بينهما سيؤثر على المنطقة. هذا ما ذهب له مساعد وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، بوصفه للمملكة بالدولة المهمة في المنطقة التي تلعب دورا خاصا في العالم الإسلامي، الأمر الذي يحتم معه، كما يرى، ترتيبات وإعدادا تمهيديا لهذه الزيارة.

مما تقدم تتضح الأهمية الجيوسياسية للمملكة العربية السعودية وتأثيرها في المنطقة لدى الداخل الإيراني، الأمر الذي دفع بعضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني محمد رضا محسني، ليعبر عن أسفه من الوضعية غير المناسبة للعلاقات مع العربية السعودية، وعدّ هذه الدعوة نقطة التحول في تاريخ العلاقات بين إيران والسعودية.

نسير بعيدا مع القارئ في قراءة الداخل الإيراني لهذه الدعوة لنرى أنها جاءت، كما يرى بعض المحللين الإيرانيين، نتيجة تغيير في سياسة المملكة العربية السعودية. فـالأكاديمي الإيراني «صمد قائم ‌بناه» يرى أن المملكة أعدت سيناريو جديدا من أجل إيجاد نافذة للتعامل مع إيران، وإبراز نفسها من بين الدول المؤثرة في المنطقة.

ورغم اعتراف عضو الهيئة الرئاسية للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني محمد حسن آصفري، بأن هذه الدعوة خطوة صحيحة في مسار تحسين العلاقات بين البلدين، فإنه يرى أنها جاءت نتيجة تغيير سياسة المملكة العربية السعودية في المنطقة، مطالبا إياها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. ولم تكن الأحداث الأخيرة في المنطقة من وجهة نظر الداخل الإيراني بعيدة عن توقيت هذه الدعوة، حيث يرى المحلل السياسي الإيراني أمير موسويان أن التفاهم المحتمل بين إيران ودول الـ«5+1»، هو ما دفع الرياض إلى استباق الأمور، وتوجيه دعوة إلى طهران للتفاهم. بالإضافة إلى احتمال بقاء الأسد فترة رئاسية أخرى، وتوجهات الإدارة الأميركية الحالية للانفتاح على إيران.

لعلنا نستشف مما تقدم أن هناك إجماعا في الداخل الإيراني على الدور الإقليمي المؤثر للمملكة العربية السعودية في المنطقة، إلا أن قراءة هذه الدعوة من المنظور الإيراني توحي بأن هذه الدعوة جاءت نتيجة تراجع ذلك الدور، والتأثير للملكة العربية السعودية في ملفات المنطقة، متناسين، في الوقت ذاته، الاهتمام الذي أبداه الرئيس الإيراني السيد حسن روحاني بالعلاقات مع المملكة، وتطلعات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارتها، منذ البداية.

كما يحاول الداخل الإيراني بطريقة مبطنة الإيحاء بأن قبول إيران لهذه الدعوة يستوجب معه أن تتقدم المملكة العربية السعودية ببعض الخطوات والتنازلات، ولا سيما موقفها من الأزمة السورية، حيث يرى أحد نواب البرلمان أنه قد تبين للسعودية أن مساندتها للمعارضين في سوريا لم تكن مؤثرة في حل الأزمة السورية، لأن مصير الأزمة السورية يرتبط مباشرة بالشعب السوري، مطالبا إياها (على حد قوله) بالتوقف عن هذا الدعم.

يستبق الداخل الإيراني هذه الزيارة بالاعتراف بأن الإشكالية بين إيران والسعودية ليست في العلاقة البينية، بقدر ما هي تباين في وجهات النظر حول ملفات المنطقة، وهو ما عبر عنه مساعد وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان، بقوله إن أغلب مشكلاتنا مع السعودية ترتبط بقضايا المنطقة أكثر من المشكلات الثنائية.

لعل ما تقدم يقودنا مع القارئ للقول إنه، ورغم ما يدور في الداخل الإيراني، وقراءته لتلك الدعوة وتوقيتها وقصورها على النظرة الإيرانية في قراءتها لقضايا المنطقة، وفق المصالح الإيرانية، فإن الثقل الإقليمي للمملكة العربية السعودية يبقى أمرا لا يمكن لدوائر النظام الإيراني أن تغفله، وهو أمر تجلى بوضوح من خلال تصريحات المسؤولين الإيرانيين ووسائل الإعلام.

وفي المقابل، فإن الدور الإقليمي لإيران حقيقة واقعة، ودور مؤثر. وبالتالي فإن استشراف ما ستتمخض عنه تلك الزيارة والتقارب بين السعودية وإيران يتوجب معه وجود نظرة واقعية للدور المؤثر لكلتا القوتين الإقليميتين.

يقول عبد اللهيان: «يقال لنا إنكم تتدخلون في العراق والبحرين وسوريا وسائر الدول، إلا أننا نقول إننا لا نتدخل في أي من هذه الدول، بيد أن لدينا تأثيرا إقليميا يعود إلى ثقافتنا وتاريخنا وقيمنا الثورية وسلوكنا العقلاني.. لقد استفدنا وسنستفيد من تأثيرنا في المنطقة في إطار تأمين الحد الأقصى من مصالحنا الوطنية».

المنظور الإيراني ومبرراته يقابله لا شك قراءة مغايرة لدول الخليجي العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بوصف ما يقوم به النظام الإيراني تدخلا في شؤون الدول الأخرى، ومهددا لأمن واستقرار المنطقة.

تبقى إذن المقاربات بين الدولتين الإقليميتين في هذه الملفات السبيل للخروج بنتائج ملموسة لتلك الزيارة، وما يليها، وهي عملية شائكة لا شك.

ولكن، مهلا.. مَن القادم مِن إيران؟ هل هو النظام الإيراني بجميع مؤسساته أم مجرد السلطة التنفيذية التي يأتي على رأسها السيد حسن روحاني، ويتولى وزارة خارجيتها السيد محمد جواد ظريف؟!

وما الفرق؟ يتساءل القارئ، ونقول: أليست تجربتنا مع حكومة خاتمي ليست عنا ببعيد؟!

المصدر: الشرق الأوسط