ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

ذكرهم في الأرض وظلالهم في السماء

آراء

لقد فقدت الإمارات، وهي تؤدي واجبها بشرف وصدق وأخوة وتحضر، وتثبيت الأمن وإشاعة الأمان والاستقرار في مناطق كثيرة من الدول الصديقة والشقيقة، والتي لا يربطنا معها رابط غير تلك العلاقة الإنسانية التي حفظتها الأديان، وتواصى بها الأنبياء، وهي محمودة في السماء والأرض، وستفقد جراء سعيها للصالح الإنساني، ودفاعاً عن القيم والنُبل والمُثل العليا، وتنفيذاً لشعارها الدائم الجود دون مِنّة، الكثير من فلذات أكبادها الذين لا يساويهم مال دفعناه اتقاء رفع ظلم عن الآخرين، والعديد من الخدمات الشتى التي كان الأولى أن تسخر للوطن في الداخل، لكننا نمشي دائماً خلف نُبل ما تربينا عليه، وشرف ما نؤمن به، ولو ازدانت لوحة الكرامة كل يوم بشهيد.

شهداؤنا.. وهم حق يجب أن نماري بهم، ونفخر، وإن بكتهم العين، فهم أكبر، وفي مكان أرحب، فالأوطان لها ضريبة، ومتطلبات الأوطان اختبار، وما يقدم من أجل ذلك أثمان للأجيال، وما تسطر كتب التاريخ، وما تتناقله الصدور عن معنى التضحية، ومعنى الواجب، ولزوم الشرف، لقد صاغ هؤلاء الشهداء، من دمائهم الطاهرة، أنشودة من غار، وتاجاً من ظفر، فهم لم يمروا على ديار يمنهم مرور تاجر جاء في رحلة الشتاء والصيف، ولم يمروا على ديار لبنانهم أو كويتهم أو صومالهم أو عراقهم أو أفغانستان أو كوسوفو أو البوسنة والهرسك مرور المغتنمين، فقد كانوا على سفر، وعيوناً باتت ساهرة على ثغر، ولم يمكثوا في تلك الديار كلها مكوث القاعد على جمر، ليحثوا التراب، ويحوثوا خلل الرماد وميض نار، ليشعلوها بين الأخوة، وينزعوا بينهم البأس، هم القاعدة والأساس، وهم الحرث والنسل، وما أقاموا إلا ليقيموا العدل، ويمنعوا الفتنة، ويطفئوا شرر حرب أهلية، هي لوّاحة للبشر، وهي لا تبقي ولا تذر.

سيتذكر الناس هنا في الإمارات، وهناك في تلك البلدان التي حظيت بشرف تواجد جُند الإمارات وأبنائها المتطوعين في العمل الإنساني أن خير الناس هم من مروا وهم يحملون شيئاً من الطمأنينة، وكثيراً من الأمن، وفي أيديهم الخير العميم، والخبز الكثير، وأن أسماءهم سيحفظها الأطفال، وسترددها صدور الأمهات، وسيتعمم بها الرجال.

شهداؤنا.. هم منا، وعنا، فخرنا، وسندنا، لا أم واحدة للشهيد، فكل الأمهات، وكل الإمارات، الحضن والصدر والدفء، وغزير الدمع، ولحظة انتظار الغائب أن يدق الباب، لا أب واحداً للشهيد، فكل الإمارات، وكل الناس آباء للشهيد، وكلهم ذاك الشعور المغمور بالشجاعة، وبما عمل، كلهم رؤوس عالية، لا تطالها الرؤوس، تضيق صدورنا للغياب، لكنها أرحب بالفخر، وأوسع بالكبرياء، وأهدأ بما بُشر به الشهيد، وما يخلف من ذِكر، وما يتغنى بعده من قصيد، شهداؤنا ذكرهم في الأرض، وظلالهم في السماء، وما يوعدون.

المصدر: الاتحاد