سعيد المظلوم
سعيد المظلوم
ضابط في شرطة دبي برتبة مقدم ، حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة في إدارة التغيير وعلى درجة الماجستير في الإدارة العامة (MPA) من جامعة ولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية، مهتم في مجال الجودة والتميز المؤسسي ، يعمل حالياً مديراً لمركز أبحاث التميز بالإدارة العامة للجودة الشاملة بشرطة دبي

كوستا كافيه في يوم وفاة والدي

آراء

في الشارقة بدأ مشروع جميل ومشترك بين القطاعين الحكومي والخاص، أطلق عليه اسم «متاجر»، حيث يحتوي هذا المركز التجاري العصري والخفيف على كل ما تحتاج إليه العائلة من كارفور وصيدلية وبنك ومقاهٍ. والحق يقال هذا المشروع لاقى قبولاً حسناً من الناس، خصوصاً أنه قريب من مناطقهم السكنية. وهناك في مانشستر لديهم الفكرة نفسها تقريباً، ولكن بأسلوب يختلف قليلاً، وهم يطلقون عليه اسم Village عبارة عن شارع تتوزع عليه مجموعة من المحلات، فهنا سوبر ماركت ماركس سبنسر، وبعده محل خياطة، وفي وسط الشارع يقع مطعم ناندوز البرتغالي الشهير.

في Didsbury Village حيث كنت أسكن كان على زاوية الشارع يقع كوستا كافيه، كنت أسميه بالحضانة، لأنه ومع أول كل صباح توجد فيه أمهات مع أبنائهن الرضع يتجاذبن أطراف الحديث. كنت دائماً أختار الطاولة المطلة على الشارع مراقباً المارة في ذهابهم وإيابهم، ومستمتعاً بزخات المطر التي لا تتوقف عن مانشستر. ولأن المقهى على زاوية وتقاطع وإشارة مرور، فقد كانت تتوقف عنده السيارات والباصات التي غالباً ما كان يعلن عليها عن أفلام جديدة قادمة كانت هدفاً لمشاهدتها في إجازة نهاية الأسبوع المقبل.

في ذلك المقهى لي ذكريات جميلة، هناك قرأت رواية The Rain Maker التي أهداني إياها صديقي محمد، وفي ذات يوم من أيام الآحاد ذهبت مع عائلتي لتناول الإفطار هناك، كما كنا نفعل صباح كل أحد، وفي الطابق العلوي كانت ثمة طاولة بجانبها محوّل كهرباء، كنا وزوجتي نجلس هناك لنبدأ ماراثون الدراسة بعد أن يذهب أطفالنا للمدرسة. ذكريات جميلة بحق كانت هناك.

ولكن في يوم الجمعة الموافق 16-2-2012 وفي اليوم التالي لتجاوزي مناقشة الدكتوراه بنجاح، ولله الحمد، ذهبنا أنا وصديقي بعد صلاة الجمعة لنشرب الأسبريسو في المقهى نفسه، ولأستعيد ذكريات الماضي الجميل، في مساء هذا اليوم بالتحديد وصلني نبأ وفاة والدي عليه رحمة الله.

الشاهد، بالرغم من سلسلة ذكريات رائعة عشتها في هذا المكان بالتحديد إلا أن الذكرى المؤلمة الأخيرة مسيطرة وغالبة على باقي الذكريات، فكلما تذكرت هذا المكان تذكرت خبر تلقي وفاة والدي، ولا أخفيكم سراً فلو قدر الله ورجعت لمانشستر مرة أخرى، فسأتحاشى زيارة ذلك المقهى.

ولكن أقف مع نفسي أحياناً، وأقول، لماذا كل هذا؟ لماذا هذه الفكرة السلبية؟ هذا خطأ فادح إن تركنا مثل هذه الأفكار السلبية تسيطر على حياتنا، نعم نؤمن بقضاء الله وقدره، ولكن نسأل الله أيضاً أن يرزقنا برد الرضا بعد القضاء. في هذا المقال بالتحديد لن أقتبس من علماء تطوير الذات أو المتخصصين في الإيجابية كما تعودت، ولكني أترك للقارئ التفكر وإيجاد الحل، قد تكون أنت عشت أو تعيش معي مثل هذه المواقف، وبدأت تتضايق من حالة الخوف والسلبية التي التصقت تماماً في عقلك الباطن، لا أطلب منك سوى أن تقف مع نفسك للحظات، وتحاول، بل أن تعمل جاهداً على أن تتجاوز هذه الحالة، فروحك أنت وكل من تحب وأيضاً من هم تحت التراب بحاجة إلى تفاؤلك وسعادتك، فلن تفتح باب سعادة الآخرة إلا بمفتاح سعادة الدنيا، فكن سعيداً، ورحم الله والدي.

 المصدر: صحيفة الرؤية