لماذا تسعى الإمارات لاستكشاف الكوكب الأحمر؟

منوعات

المريخ، الكوكب الأحمر، ثاني أقرب الكواكب إلينا في المجموعة الشمسية ورابع الكواكب بعداً عن الشمس، لماذا يريد الجميع السفر إليه؟ وما دور مسبار الأمل.

طالما احتل المريخ، الكوكب الأحمر، مكانةً كبيرةً ومركزيةً في خيال الناظرين إلى السماء، من عرب وغرب، ولكن تشير بعض الدراسات إلى أنّ أول من اكتشف هذا الكوكب كان المصريون القدامى، في 1534 قبل الميلاد، لكن أوّل من أطلق مصطلح الكواكب على الأجسام السماوية التي تدور حول شمسنا الكبيرة هو الفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكوس في 1543.

سمّاه العرب «مريخاً» لأنّه أمرخ، أي «ذو البقع الحمراء»، وسمّاه الرومان «Mars» لأنّ لونه الأحمر ذكرهم بالدماء، وكان Mars اسم إله الحرب عندهم. لكن لماذا هذا اللون المميز؟

يغطي المريخ أكسيد الحديد، والذي يُكسب المريخ هذا اللون، لون الحديد عندما يصدأ. لماذا نريد السفر إلى المريخ إذاً؟ لماذا تكبّد هذا العناء؟ عقود من الدراسة وعشرات المسابر الغير المأهولة، ومازلنا نستمر في رحلتنا نحو المريخ، السؤال الأهم لماذا؟

لماذا؟

أحد أهم وأكثر الأسئلة التي تطرق باب البشرية هو «هل نحن وحيدون في هذا الكون الفسيح؟»، من أجل الحصول على إجابة هذا السؤال، عمل الكثير من البشر على مهمات مختلفة، إلى القمر والمريخ وأقمار المشتري، ولكنّنا لا نعتقد أنّ إجابة هذا السؤال ستكون بشكلٍ مباشرٍ وصريح، فكثير من الاكتشافات العلميّة تمّت بالصدفة المحضة فقط.

كما أننا محصورون في كوكبٍ واحد، وكعيّنة إحصائيّة الرقم «واحد» عيّنة ضعيفة جداً، لذلك نقوم بإرسال تلك المسابر للكواكب البعيدة والقريبة، للبحث في مجال البيئة والجو والغلاف الجويّ للكواكب المختلفة، ودراسة العوامل التي أدّت لتغيّر كوكب المريخ .

ـ والذي كان يتمتع بأنهار ومياه يوماً ما وربما نشأت على سطحه الحياة ـ ومحاولة منع حصول هذه التغييرات هنا، بل ومحاولة عكسها على المريخ لاستصلاحه والبحث عن طريقة تسمح لنا، نحن الكائنات الضعيفة البشرية، بالسكن هناك.

بدراسة تطوّر بيئة المريخ سنفهم تطوّر كوكبنا، وسيتمكن علماء الجيولوجيا من فهمٍ أفضل لجيولوجيا الكوكب المتغيّرة، ربما نستطيع أن نجد حياة بكتيريّة على الكوكب الأحمر، ونستطيع بذلك دراستها ومقارنتها بالحياة البكتيريّة على كوكب الأرض، لتستفيد بذلك كل أبواب العلوم المختلفة.

ربما نجد المياه على المريخ يوماً ما، وسيساعدنا ذلك في وضع البشر على الكوكب الأحمر، لماذا؟ لأننا سنستطيع حينها استخراج ماء الشرب والأوكسجين بشكلٍ مباشرٍ على المريخ، بدلاً من دفع المليارات لنقلها معنا خلال تلك الرحلة الطويلة.

الإمارات والمريخ

في يوليو 2020 ستنطلق رحلة مسبار الأمل الإماراتي إلى الكوكب الأحمر، لتقطع مسافةً تزيد على 60 مليون كيلومتر، خلال فترةٍ تتراوح بين 7 إلى 9 أشهر، لتصل المهمة إلى المريخ في 2021 في الذكرى الخمسين ـ اليوبيل الذهبي ـ لقيام دولة الإمارات، وتستمر لعامين كاملين في الدراسة العلمية لهذا الكوكب. سينطلق الصاروخ الحامل للمسبار بسرعة 39 ألف كم تقريباً.

ـ وهي سرعة الإفلات اللازمة للتحرر من الجاذبية الأرضيّة ـ وبعد الخروج من الغلاف الجوي وانفصال الصواريخ المعززة الصغيرة، تبدأ عملية تشغيل ثلاث منصات صاروخيّة، التي ستتهاوى بدورها إلى أن يحرر الصاروخ المسبار بشكلٍ كامل ليبدأ رحلته في الفضاء وحيداً نحو الأحمر.

يقوم المسبار بعد ذلك بنشر أشرعته الشمسية الثلاثة، حيث يعتمد في مسيرته ورحلته الطويلة على الطاقة الشمسية، لذلك يغيّر المسبار بشكل مستمر موضعه ومكانه للاستفادة القصوى وشحن بطاريته، ويعتمد المسبار على حساسات مختلفة وعلى كاميرا تحدد مواقع التشكلات النجميّة في الفضاء، ليحدد تبعاً لذلك موقعه الخاص، أيّ كما اهتدى أجدادنا القدامى في الصحراء بالسماء والنجوم خلال رحلاتهم.

الأهداف العلميّة لمهمة مسبار الأمل

بدأ البشر بدراسة المريخ منذ ستينات القرن الماضي، وبدلاً من أن تتناقص الأسئلة، فهي تزداد! وبزيادة الأسئلة ناقصة الإجابة، يعمل الفكر البشري لمحاولة حلّها، لمعرفة ألغاز هذا الكون وسبرها. لكن ما الجديد الذي يقدمه مسبار الأمل؟

سيدرس المسبار بواسطة مقاييس طيفيّة (أحدهما بالأشعة تحت الحمراء والآخر بفوق البنفسجية) الغلاف الجويّ للمريخ، والمناخ الحالي للكوكب، وسيبحث عن عوامل مشتركة بين هذا المناخ الحالي للكوكب ومناخه السابق قبل خسارته الغلاف الجويّ، ودراسة أسباب خسارة هذا الغلاف..

وسيوفر المسبار في النهاية أول صورة شاملة عن كيفية تغيّر الغلاف الجوي للمريخ وتغيرات الطقس اليوميّة والفصليّة المستمرة. بهذه المعرفة الجديدة، يزداد حجم المعرفة البشرية حول خصائص الأغلفة الجوية المختلفة، ليس فقط في الأرض والمريخ بل في ملايين الكواكب الآهلة للحياة.

وذلك لأنّ دراسة الغلاف الجوي للكوكب الأحمر ستساعد الباحثين على تقييم الكواكب الخارجيّة من حيث توفيرها المقومات والظروف التي تساعد على نشأة الحياة على سطحها.

سيرسل مسبار الأمل أكثر من 1000 غيغابايت من البيانات الجديدة حول المريخ، لمشاركتها مع أكثر من 200 معهد بحثي ومركز دراسات، وبذلك تتعزز الشراكة الدولية بين دولة الإمارات والمجتمع العلمي العالمي المهتم بدراسة المريخ.

وهذا التعاون سيؤدي لتطوير كبير في كافة المجالات المختلفة، منها التعليم مثلاً، فهناك تعاون تعليمي جديد قائم بين دولة الإمارات وناسا والذي يسهل تبادل الخبرات المعرفيّة والعلميّة بين البلدين، لإنشاء جيل محبّ للعلم والفلك والمعرفة.

لن يتحقق التقدم العلمي إلا ببناء جيلٍ طموح ومحبّ للعلم، ويجب على الدول أن تعمل على تنمية ذلك من خلال توفير مناهج تعليمية بمستوى عالميّ في الرياضيات والعلوم والفيزياء والدراسات الفضائيّة، فكلّ ذلك في النهاية أدى إلى وصول أول مسبار عربي وإسلامي إلى المريخ.

150 مهندساً وباحثاً إماراتياً ضمن فريق المشروع

يعمل في فريق مشروع مسبار الأمل الإماراتي أكثر من 150 مهندساً وباحثاً إماراتياً، الذي يضم تحته سبعة فرق مختلفة. ستكون الإمارات تاسع دولةٍ تصل إلى المريخ، وأول دولة عربية وإسلاميّة، مما يعزز مكانتها العلميّة ويساعدها في بناء اقتصاد مستدام مبني على الفكر والمعرفة.

ليست هذه الخطوة الأولى، ولن تكون الأخيرة، في طريق الإمارات في استكشاف الفضاء، بل هي خطوة متوجة لتعب وعمل دؤوب وتعاون بين قطاعات كبيرة ومختلفة في الحكومة الإماراتية استمر عدداً كبيراً من السنوات.

المصدر: البيان