المستشار السعودي السابق “أحمد العجاجي” يكشف انه تعرض للخطف في لبنان بـ9 آذار

أخبار

“أنا أكبر محبّ للبنان”. تهدَّج صوت الرجل المتحدث على الهاتف من جدة في السعودية، وهو يمهد لكلامه. وقال أيضاً: “كلا لست محباً بل عاشق للبنان عشقاً لا يوصف. لذلك لا مثيل لخيبتي ولا حزن يُشبه حزني”.

لولا أنه مستشار سابق للعاهل السعودي الملك عبدالله في الشؤون السياسية، لقلت إن هذا الكلام العاطفي لشاعر أو روائي. الحقيقة أن ما عاشه في الربوع اللبنانية أقرب إلى الروايات لكنه حصل فعلاً. والدولة اللبنانية من كبارها إلى صغارها تحركت للملمة الموضوع – الفضيحة.

“رأيت بعينيّ الهول وجهاً لوجه. لا أتمنى لأحد أن يعيش ما عشته”.

سألته وتركته يحكي. لم أتدخل إلا لماماً: ما الذي جرى بالضبط أستاذ أحمد العجاجي، خلال زيارتك الأخيرة للبنان؟

“دعني أتحدث أولاً عن حالتي النفسية. لطالما اعتبرت نفسي سفيراً للبنان في كل العالم، إلى درجة أن أصدقائي ومعارفي يستغربون شدة تعلقي ببلدكم . أعتبره بلدي أنا أيضاً. كنت أقول لهم لبنان هو الثقافة هو الحضارة، هو الفكر والجمال، والتقدم … ماذا سأقول لأصدقائي الآن؟

سأبدأ من الأول. كنت مستلقياً على كنبة في بيتي، في “بيت مسك”. لا شك نعرف “بيت مسك”. قرية بل بلدة نموذجية حديثة على المطلّ الرائع بين برمانا وبعبدات وبكفيا. أحب تلك البقعة الخضراء، وأنا عشت مدة طويلة في برمانا. هذه المرة جئت وحدي إلى لبنان من دون أي من أفراد عائلتي. جئت كي أعدّ المنزل وأشرف خصوصاً على أعمال الديكور فيه. كانت ليلة أحد. 9 آذار هذا الشهر تحديداً. قلت إني كنت مستلقياً على كنبة مستغرقاً في قراءة رواية جميلة اسمها “ثلاثية غرناطة” للكاتبة المصرية رضوى عاشور، عن أحوال العرب والمسلمين في الأندلس. لطالما شبهت لبنان بالأندلس، لكن هذا موضوع آخر. كنت أقرأ ولا أحد في المنزل غيري. أعتقد أني غفوت نحو الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً. هذا آخر ما أذكره من حياتي الطبيعية، قبل أن يوقظني ما اعتقدته للوهلة الأولى حلما راعباً، أو كابوساً من نوع يجعلك تصرخ من فزع.

فتحت عينيّ وتلفتّ حولي فرأيتني ممدداً على الأرض في ما يشبه زريبة تفوح منها روائح ولا أقرف، وكل ما حولي يوحي الجنون المطلق. صرت أمد يديّ وأتحسس حولي في كل الإتجاهات لعلي أمسك بيد زوجتي أو أحد أولادي. كنت لا أزال أعتقد أنه كابوس يعبر وسأستيقظ فعلاً بعد قليل. ولكن لا. سرعان ما اقترب مني رجال وفكوا العصبة عن عينيّ فرأيتهم يلبسون ثيابا مثل “النينجا” وأخفوا وجوههم فلا تظهر إلا عيونهم. صرخوا بي فصرخت بهم أنا أيضاً: من أنتم؟ أين أنا؟ ماذا تريدون مني؟ مضت دقائق قبل أن أتأكد أني مخطوف فعلاً.

عرّف الملثمون عن أنفسهم بأسماء وهمية، “أبو عمر” وأبو جعفر” وما شابه. قالوا إنهم سوريون، لكني كنت موقنا من لهجتهم أنهم من منطقة بعلبك. مذهولاً ومذعوراً أخذت أستمع إليهم يخبرونني أن رجلاً سموه بـ”أبو جحش” خطفني من منزلي في “بيت مسك” وسلمني إليهم في منتصف الطريق إلى سوريا، وإنهم سيسلمونني عند الحدود السورية إلى شخص اسمه “أبو منعم”. ثم عرضوا عليّ أن أعطيهم 20 ألف دولار لقاء إطلاقي، وزعموا أنهم سيأخذون منها 10 آلاف دولار ويعطون 10 آلاف لـ “أبو جحش”، وإلا فإن “أبو منعم” سيتولى أمري في سوريا.

نظرت إلى ساعتي، فرأيت أنها الساعة الحادية عشرة والنصف قبل الظهر. أي أن 12 ساعة مرّت وأنا فاقد الوعي منذ أن غفوت على الكنبة في منزلي. كانت الساعة لا تزال في يدي، لكن بقية أغراضي الشخصية معهم. الكومبيوتر المحمول وجهازا الهاتف وحقيبتي ومحفظتي. “أعطني كلمات سر الكروت”، صرخ بي أحدهم قاصداً “باسوورد” بطاقاتي المصرفية، وهي ست من مصارف لبنانية واثنتان سعوديتان. صرخ بي وما لبث أن صفعني بقوة. وسط ذهولي وانكساري النفسي قلت لهم لا لزوم لأن تضربوني ولا لتهددوني بسكين أو مسدس. تلك اللحظات رأيت حياتي كلها تمر بلمح البرق أمام عينيّ، فكرت في أهلي وأولادي وكل عائلتي. سألني أحدهم هل كلمات السر مسجلة على الهاتف؟ فأجبت بنعم . إنها مسجلة على الهاتف. ودللته عليها. كنت مستعداً لأن أعطي كل ما أملك لقاء الإفراج عني.

لاحقاً عرفت أنهم سحبوا ما استطاعوا في يوم واحد من الآلات المصرفية، نحو ستة أو سبعة آلاف دولار. طلبوا إلي أن أكمل مبلغ الـ20 ألفا، فأجبتهم لا أحمل مالاً. المبلغ ليس في حوزتي أرجوكم دعوني أتصل بمنزلي بالسعودية فأؤمن المبلغ خلال ساعات.

أطلقوني مساء الإثنين. نقلني “فان” شبه محطّم إلى مدخل مشروع “بيت مسك”. واتصلت بمحاميّ على الفور. في اليوم التالي أعطيت المراجع الأمنية إفادتي. والمجهولون الذين دخلوا منزلي وخدّروني وخطفوني واصلوا إرسال تهديداتهم إلي بالإتصالات والرسائل الهاتفية، مطالبين بتكملة مبلغ الـ 20 ألفاً!

في اليوم الثاني بعد إطلاقي زارني في منزلي وزير السياحة ميشال فرعون، قال لي لا نريد أن تهتز صورة لبنان عندك، نعرف كم تحبه. أجبته يا معالي الوزير: “إنها لم تهتز بل انهارت. لبنان كله أراه مخطوفاً. كانوا يسألونني في بلادي السعودية متى تنزل إلى لبنان؟ فأجيبهم إنني أطلع إلى لبنان، ولا تصدقوا ما تسمعون وتقرأون، ففي لبنان سلام وأمن أكثر من بلادنا. أين أخفي وجهي؟”.

المصدر: إيلي الحاج – صحيفة النهار