مقتنيات «لوفر الرمال» …من أبوظبي إلى اللوفر الفرنسي

منوعات

خطوة ذكية أقدم عليها القيّمون على اللوفر أبوظبي، حين حملوا مقتنياتهم وتحفهم الفنية، وطاروا بها الى العاصمة الفرنسية ليعرضوها أمام الجمهور العالمي في متحف اللوفر تحت عنوان «نشأة متحف»، في فرصة ستكون وثيقة ميلاد رسمية للتحفة المعمارية التي صممها جان نوفيل في جزيرة السعديات.

ولأن الحدث على قدر كبير من الأهمية جُنِّدت له كل الإمكانات المتاحة، وافتتحه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، رئيس هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، الذي اعتبر أن «إعارة مقتنيات المتحف الدائمة لعرضها في قاعة نابليون في اللوفر الباريسي، تعد لحظة فارقة في تاريخ اللوفر أبوظبي». وأوضح ان روح التبادل والمشاركة الحضارية تعبّر عن مضمون روايات المعرض السردية. ويفتتح المعرض صباح غد الجمعة أمام عامة الجمهور، ويستمر حتى 28 تموز (يوليو) المقبل.

وأشاد الرئيس الفرنسي بإرداة الانفتاح على العالم وحوار الثقافات لدى أبوظبي، معتبراً «لوفر الرمال» كما اطلق عليه، «قصة تاريخ وبحث عن نقاط التقاء لا اختلاف». وشدد على تجنيد كل قوى المؤسسات الثقافية الفرنسية الكبرى لمساندة المشروع، بما في ذلك تقديم كل الضمانات العلمية لشراء مجموعة «اللوفر أبوظبي» وإقراضه قطعاً فنية لعرضها هناك خلال السنوات الأولى.

وقدّم المعماري جان نوفيل شرحاً للرئيس الفرنسي والشيخ سلطان على النموذج المصغر لمتحف اللوفر ابوظبي الموضوع في مدخل اللوفر باريس، وعن قبة المتحف التي تعادل ثقل برج «إيفل» في باريس، مشيراً الى أن القبة ترتكز على أربع دعائم رئيسة فقط موضوعة ضمن المبنى نفسه ويبلغ ارتفاعها عند مدخل المتحف تسعة أمتار ولغاية 30 متراً عند أعلى نقطة في الداخل.

وقال ان الهندسة العمرانية للقبة استوحيت من سعف النخيل المتداخلة التي كانت تستخدم في سقف المنازل التقليدية في المنطقة وتسمح لأشعة الشمس بالنفاذ من خلالها لتشكل ما يعرف بـ «شعاع النور»، وتعمل كمظلة تغطي الساحات الخارجية وتحميها من خلال عكسها لأشعة الشمس، ما يساهم في تقليل الحرارة وترشيد استهلاك الطاقة وإتاحة المجال أمام الزوار للتنقل براحة في أرجاء المتحف الذي يحاط تدريجاً بالماء ما يعطي انطباعاً بأن القبة تطفو على سطح الماء. ويقدم معرض «نشأة متحف» لزوار متحف اللوفر في باريس لمحة شاملة عن مجموعة مقتنيات اللوفر أبوظبي المُقرر افتتاحه في نهاية السنة المقبلة في المنطقة الثقافية في السعديات التي ستحتضن أيضاً متحفَي زايد الوطني وغوغنهايم أبوظبي.

وصُمّم اللوفر أبوظبي لعرض الأعمال الفنية التي تحمل قيمة جمالية استثنائية. ويتحدى المفهوم العالمي الذي يقوم عليه، التصنيفات الفنية التقليدية القائمة على التسلسل التاريخي ويعيد تحديد المنهجيات الأسلوبية المختارة لعرض الأعمال من خلال الإشارة إلى الفلاسفة ومفهوم العالمية المستمد من عصر التنوير الذي شهدته أوروبا في القرن الثامن عشر. ويستكشف المتحف العلاقات الفنية والتاريخية والأنتروبولوجية التي تربط بين الثقافات والحضارات العالمية التي تبدو أنها غير مترابطة للوهلة الأولى.

وسيكون في إمكان الزوار استكشاف أعمال فنية من العصور القديمة منها، تمثال «أميرة من باختريا» الذي يعود إلى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد، و»سوار ذهبي مزيّن برأس أسد» من الشرق الأوسط يبلغ عمره 3000 سنة تقريباً، ولوحة لعثمان حمدي باي بعنوان «أمير شاب منكب على الدراسة» رسمها عام 1878 ولوحة بعنوان «الأولاد وهم يتصارعون» رسمها الفنان بول غوغان في العام 1888 ولوحة للفنان بيت موندريان كانت ضمن مـجموعة مقتنيات إيف سان لوران وبيار برجيه الفنية ولوحة أخرى للفنان ألكسندر كالدر، إضافة إلى سلسلة من تسع لوحات على قماش الكانفا للفنان المعاصر سي تومبلي.

ويشرف على تنظيم المعرض عدد من المنسّقين الفنّيين بمن في ذلك فنسنت بوماريد، مدير الوسائط والبرامج الثقافية/ مدير قسم اللوحات في متحف اللوفر، ولورانس دي كار، مدير متحف أورانجيري، وخالد عبد الخالق عبد الله، المنّسق المساعد لمعرض «نشأة متحف» في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة.

ويبدي القيّمون على اللوفر الباريسي، إعجابهم بآلية العمل المتبعة في أبوظبي، والحرية في اختيار الأعمال الفنية والمواضيع، وعدم التقيّد بمحظورات ثقافية في بعض اللوحات، وهي نقطة إيجابية تحتسب لأبوظبي، في ظل وجود مدن عربية تمنع أعمالاً فنية، لما يتضمنه محتواها من نقد أو عري.

ويضم المعرض أعمالاً من الإرث الإسلامي والمسيحي واليهودي والبوذي والهندوسي. وهناك قطعة من البلاط مزخرفة بنقوش الأرابيسك من الإمبراطورية العثمانية عام 1570 تقريباً، ولوحة على الحرير من اليابان أواخر القرن السابع عشر، وصفحات من القرآن يعتقد أنها تعود إلى سورية في أواخر القرن الثالث عشر. ويضم المتحف 160 عملاً فنياً، منها قطع أثرية من مصر وتركيا واليونان ومالي والهند وإيران، تمثّل حضارات تركت بصماتها في الثقافة الإنسانية. ويستكشف الزوار الملامح المشتركة للتجربة الإنسانية الواحدة التي تتخطى حدود الجغرافيا والوطن والتاريخ.

يجد المتجول بين أروقة «نشأة متحف» نفسه أمام تجربة حوار ثرية بين أعمال فنية لأجيال متباعدة من المبدعين، فهناك الرسام الفرنسي بول غوغان 1848- 1903 ومعه البلجيكي رينيه ماغريت 1898- 1967، والإيطالي جوفاني بيليني 1430 – 1516 ومعه الفرنسي إدوار مانيه 1832- 1883. ومن المعاصرين هناك النحات الأميركي ألكسندر كالدير والرسام السويسري الألماني بول كلي، والرسام الأميركي ساي تومبلي.

واختيرت الأعمال الفنية والأثرية بعد دراسة مستفيضة، لتقدم المقتنيات الدائمة للمتحف، رؤية سردية لتاريخ الفن عبر العصور، بما يمنح المتحف هويته الخاصة بين متاحف العالم.

ولدى السؤال عن الرقم المدفوع، لاقتناء كل هذه الأعمال؟ تأتي الإجابة إن «القيمة الحقيقية للأعمال المعروضة والمقتنيات، ليست مادية، بل معنوية».

المصدر: الحياة