طارق الحميد
طارق الحميد
كاتب سعودي

من لبنان إلى أفغانستان!

آراء

لا يمكن فهم بعض الأخبار إلا عندما ننظر إليها كصورة متكاملة، ولو تباعدت الجغرافيا، واختلفت القضايا. واليوم نحن أمام خبرين في يوم واحد طارت بهما وكالات الأنباء كأخبار عاجلة، تلخص مسيرة العبث بقضايا أشغلتنا مطولاً.

الخبر الأول أن «شبكة كهرباء لبنان توقفت تماماً عن العمل» ظهر أمس (السبت)، و«من المستبعد أن تعمل حتى نهار الاثنين المقبل، أو لأيام عدة»، وأن هناك محاولات للاستعانة بمخزون الجيش من زيت الوقود، لكن ذلك لن يحدث قريباً.

والخبر الثاني هو لقاء وزير خارجية «طالبان» مع وفد أميركي في الدوحة، أمس (السبت) أيضاً، حيث طالب الوفد الأفغاني الولايات المتحدة برفع الحظر عن احتياطي البنك المركزي.

وإعلان مسؤول «طالبان» أن واشنطن ستقدم لقاحات مضادة لفيروس «كورونا» للأفغان، وأن وفد «طالبان» ركز في اجتماعه مع الأميركيين على المساعدات الإنسانية، ومناقشة «فتح صفحة جديدة» بين البلدين.

حسناً، في الخبر الأول نحن أمام دولة كانت ذات يوم مصدر إشعاع حتى تدخلت بها إيران، وأصبحت فيها ميليشيا «حزب الله» التي باتت فوق الدولة، وتمارس كل الأعمال الإجرامية والإرهابية، ليس في لبنان وحده.

جرائم وإرهاب «حزب الله» ليسا في لبنان وحده، حيث تدمير الدولة والاغتيالات، بل وصلت إلى العراق، واليمن، وسوريا، وأفريقيا، وأميركا الجنوبية، حيث الإرهاب والاتجار بالمخدرات.

والنتيجة المحصلة لكل هذا الخراب الإيراني في لبنان على يد «حزب الله» أن «شبكة كهرباء لبنان توقفت تماماً»… لبنان الذي تصوره إيران جبهة مقاومة وممانعة تريد محو إسرائيل من الخريطة!

أما بالنسبة لخبر أفغانستان، فنحن أمام من يدعون أنهم «مجاهدون»، وأضاعوا عقوداً بإيواء إرهابيين، ولم يطوروا أنفسهم، وعادوا للحكم تحت شعار الإمارة الإسلامية، والآن يستجدون المساعدات الأميركية!

الإمارة الإسلامية اليوم، وبعد كل هذا «الجهاد»، الذي ما كان إلا حروباً أهلية وعنفاً وإرهاباً وقمعاً للأفغان، فجأة تريد «فتح صفحة جديدة» مع أميركا. وتناقش مع واشنطن، وبعد كل هذه الحروب والشعارات المزيفة، تلقي المساعدات الإنسانية الأميركية. كما تناقش مع الأميركيين رفع الحظر عن احتياطي البنك المركزي، وتقديم واشنطن اللقاحات المضادة لفيروس «كورونا» للأفغان.

فهل هناك مأساة أكبر من مأساتي هذين البلدين؟ هل هناك دليل على العبث وضياع الأرواح والمقدرات، والوقت، مثلما فعلت هذه المجاميع «طالبان»، و«حزب الله» باسم الدين، والممانعة والمقاومة؟

قد يقول قائل إنه لو ساعدنا لبنان وأفغانستان لكانت حالهما أفضل، وهذا الكلام نفسه يقال عن «حماس» في غزة، وهذا كلام غير صحيح، فتلك الجماعات بالأساس غير معنية ببناء دولة، ولا حقن دماء، أو تحقيق استقرار، أو لحمة وطنية، وغير معنية بالتطوير، ولا التعليم، ولا حتى القيام بأقل مسؤوليات أي دولة، فكل همها هو الوصول إلى الحكم وتطبيق أجندتها التدميرية، التي لا يقبل حتى أبناء تلك الجماعات العيش تحت ظلها، وإن عاشوا فإنهم يعيشون عالماً آخر غير الذي يعيشه الناس.

وعليه، فإن العاقل من يتعظ، ويجب أن يقال بأن كفى تعني كفى، ولا يمكن قبول هذا العبث أو مسايرته.

المصدر: الشرق الاوسط