علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

مواقف الإيرانيين والموقف الخليجي

آراء

محيرة مواقف المسؤولين الإيرانيين، ليس لنا نحن فقط، وإنما للشعب الإيراني أيضاً، ففي حين يعلن وزير الصحة الإيراني أن حادث تدافع الحجاج في منى خارج عن إرادة المملكة العربية السعودية، ويثني على جهودها واستجابتها في التعامل مع الحادث، وتقديمها كل الخدمات الصحية والإسعافية، ويتفق معه في ذلك محمد هاشمي رئيس مكتب هاشمي رفسنجاني، في عدم إلقاء اللوم على المسؤولين السعوديين في الحادث، نجد المرشد الأعلى للنظام الإيراني، علي خامنئي، يلقي اللوم على المملكة في حادثة منى، ويهدد برد قاسٍ وعنيف، ويسير على نهجه الرئيس الإيراني حسن روحاني، في محاولة لتسييس الحادثة، وتحويلها إلى مناسبة لكيل الاتهامات للمملكة، والتعبير عن أحقاد قديمة لها علاقة بالسياسة والتعصب المذهبي، أكثر مما لها علاقة بالحرص على حجاج بيت الله الحرام، الذين توليهم المملكة كل الاهتمام والعناية، باعتراف الجميع، ومنهم إيرانيون، مثل الناشط السياسي الإيراني «صادق زيبا كلام»، الذي اعتبر تصريحات المسؤولين الإيرانيين ناتجة عن خلافاتهم مع الرياض حول اليمن وسوريا ومناطق أخرى، وأنه لا علاقة لها بالأسباب الحقيقية التي أدت إلى الحادث المؤلم.

هذا الملف الذي تفتحه إيران في كل موسم حج، مدعية الحرص على سلامة الحجاج وأداء المناسك بيسر وسهولة، ما هو إلا قميص عثمان الذي تستخدمه السلطات الإيرانية، التي يبدو التخبط واضحاً في تصريحات مسؤوليها، ويظهر التناقض جلياً بينهم، وهو ملفٌ، على حكام إيران أن يضعوه على الرف أو يلقوه في سلة المهملات، لأنه ملف عفا عليه الزمن، وتجاوزته الأحداث، خاصة بعد التقدم الذي أحرزته قوات التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، في اليمن، وهي تحرر عدن وتفتح الطريق لاستعادة العاصمة صنعاء من أيدي الحوثيين، صنيعة إيران، وحليفهم المخلوع علي عبد الله صالح، الذي قاده غباؤه إلى عقد شراكة مع أعداء الأمس، ظناً منه أن شراكته هذه ستعيد له مجده الغابر، وتجلسه مرة أخرى على كرسي الرئاسة الذي غادره مرغماً ومحروقاً، وكاد يفقد حياته بسبب تمسكه به، لولا المملكة العربية السعودية التي عالجته وأعادته إلى اليمن سليماً معافى، فكان رده للجميل غدراً وعدواناً وتحالفاً مع عملاء إيران، الذين استولوا على السلطة في اليمن، وأقصوا الحكومة الشرعية لزعزعة أمن المملكة، والوصول إلى الحرم المكي، كما صرح مسؤول إيراني، في تعبير عن الحلم الذي لم يتحقق، ولن يتحقق أبداً.

اعتماد إيران على صبر دول الخليج العربي، وطول بال قادتها وحكامها، في تطاولها على هذه الدول، وتآمرها على أمنها، ومحاولة تطويقها من الجهات الأربع، لم يعد مجدياً. فقد أسقطت «عاصفة الحزم»، حسابات إيران وقوضت أحلامها، وجاءت عملية «إعادة الأمل»، لتكمل مهمة تحرير اليمن من أيدي الحوثيين، لتسليمها إلى الحكومة الشرعية التي أطاح بها الحوثيون وحليفهم علي عبد الله صالح، كي تدير هذه الحكومة الأمور على النحو الذي كان مخططاً له، والذي أعاقه استيلاء الحوثيين على صنعاء، وزحفهم على بقية المحافظات، لتحقيق حلم إيران بالهيمنة على الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، بعد أن سيطرت على العراق، وفرضت عملاءها حكاماً له، ومدت نفوذها إلى سوريا، ودعمت حليفها بشار الأسد، وأطلقت يد ذراعها «حزب الله»، الذي يتلقى أوامره من إيران، وينطق باسمها، ويسبقها بخطوة في مهاجمة السعودية ودول الخليج العربي، عندما يأمره أسياده بذلك.

خروج دول الخليج العربي عن الصمت، كان له أكثر من مظهر، فقد أعلن سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية يوم الجمعة الماضي، في كلمته أمام الأمم المتحدة، أن دولة الإمارات ترفض أي تدخل إيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، وأكد وقوف دولة الإمارات بحزم مع المملكة العربية السعودية. وقبلها بيوم واحد فقط، أعلنت مملكة البحرين سحب سفيرها من إيران، وطلبت من القائم بالأعمال الإيراني، مغادرة البحرين خلال 72 ساعة، لاعتباره شخصاً غير مرغوب فيه، في خطوة تعتبر متقدمة، مقارنة بالخطوات التي تم اتخاذها خلال الفترة الماضية، وهي خطوة تأتي بعد اكتشاف أكبر مستودع ومخبأ لتصنيع المتفجرات في البحرين الأسبوع الماضي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية البحرينية، أن هذا القرار يأتي في ظل استمرار التدخل الإيراني في شؤون مملكة البحرين، وأكد وزير الخارجية البحريني، أن حجم ما تم اكتشافه من مؤامرات إيرانية خطير، وأن مملكة البحرين، قد تقدمت للأمين العام للأمم المتحدة بشكوى رسمية، تضم كافة الانتهاكات الإيرانية.

الموقف البحريني يحمل من القوة والصراحة ما يمثل توجهاً جديداً في التعامل مع التدخل الإيراني السافر في شؤون الدول الخليجية، وهو ما عبر عنه وزير الإعلام البحريني، حين قال، إن هذه الخطوة تأتي في إطار الخطوات السابقة التي اتخذتها البحرين، بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأكد أنه سيكون هناك تصعيد وخطوات إجرائية أشد صرامة لمواجهة تدخل النظام الإيراني في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، وتحدث عن تفاصيل مهمة، حصلت عليها السلطات البحرينية من المقبوض عليهم، تدعمها التصريحات المستمرة من قيادات النظام الإيراني وأعلى سلطة فيه.

هذا التطور في التعامل مع التدخلات الإيرانية في شؤون الدول الخليجية والعربية، وهذا التضارب في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، يدل على أن هناك وضوحاً في سياسات دول الخليج العربي، يقابله تخبط في مواقف المسؤولين الإيرانيين، فإلى أي مدى ستصل المواجهة بين الطرفين؟ هذا ما لا يستطيع أحد أن يتوقعه، وإن كان الجميع يترقبه.

المصدر: صحيفة البيان