ياسر حارب
ياسر حارب
كاتب إماراتي

نشْر الأدعية لا يكفي

آراء

عندما عُرضَت حلقة «الموسيقى» في برنامجي الرمضاني العلمي «لحظة»، وصلتني أكثر من 1000 رسالة أو «منشن» في «تويتر» تنتقد فكرة الحلقة، وتستشهد بفتوى الشيخ فلان والشيخ علان حول حُرمة سماع الموسيقى. لكن الحلقة لم تتطرق للجانب الشرعي للموسيقى، بل تحدثت عن آخر الاكتشافات العلمية حول تأثيرها في الأعصاب والدماغ والذاكرة والهرمونات، وعرضتُ فيها بعض التجارب التي قام بها العلماء على مرضى الزهايمر وغيره.

كانت معظم الرسائل تقول إن القرآن أفضل من الموسيقى، وهذا مما لا شك فيه، فهو كلام الله، ولكن مقارنة القرآن بالموسيقى هي في الحقيقة إهانة لهذا الكتاب العظيم الذي لا تجب مقارنته بأي شيء. وفي الحقيقة فإن هذا الكلام نتيجة للجهل القابع على عقول كثير من مجتمعاتنا الإسلامية، كأن يقول أحدهم إن «ديننا فيه كل شيء ولا نحتاج إلى العلوم، ولو بحثنا في القرآن والسنة لوجدنا أسرار كل الاكتشافات العلمية!».. وبهذه العقلية ننسحب من الحياة العلمية والتساؤل والاكتشاف، وندّعي أننا لو تمسكنا بالدين فسنصبح أعظم أمة، والأكثر تقدماً بين الأمم الأخرى!

وفي كل جمعة تصلني رسائل على «واتس أب» و«تويتر» تحمل أدعية كثيرة لا تصل إلا في المناسبات «الدينية»، أما في بقية الأيام فإن معظم هؤلاء المرسِلين يُغرِقون هواتف الناس بالرسائل الفاضحة، والنكت السخيفة، والنميمة والشائعات التي يتسلّون بها، دون أن يُشعرهم ذلك العمل بأي ذنب، آخذين – عن جهلٍ منهم – بالآية الكريمة «إن الحسنات يُذهبن السيئات»، ليتحول الدين حينها إلى تجارة أرقام، كالبورصة تماماً، ويصير همّنا أن نحسب الحسنات التي سنكسبها من هذه الصدقة، ومن ذلك الدعاء، وكم نخلة سنزرع في الجنة إذا قلنا كذا، وكم قصراً سنبني في الجنة إذا قرأنا كذا، ولا يُساورنا شك في أن الانحطاط الأخلاقي الذي لا نتورّع عن نشره، والأكاذيب التي لا نتردد في إعادة إرسالها في هواتفنا، قد يهدمان كل قصورنا في الجنة، ويقْلَعان كل البساتين التي زرعناها عبر السنين!

ما المشكلة إذن؟ المشكلة أننا نعيش مرحلة «الجهل المؤسَّس» كما وصفه أحد المفكّرين، ويعني أن الجهل قد تأسس في سياقاتنا الفكرية والاجتماعية في المدرسة والجامعة والمنبر والتلفاز، حتى صار أمراً مُسلّماً به وطبيعياً ولا يمكن نقده، والنتيجة أن الدين صار – في تصورنا – كالكمبيوتر، نضغط هذا الزر فنحصل على تلك الخدمة – أو المكافأة – متناسين أن الدين في فحواه هو «مكارم الأخلاق».

فإذا كنتَ ممن يحرصون على نشر الأدعية كل جمعة فراجع نفسك قليلاً واسألها: هل أنتَ حقاً إنسان خلوق؟ هل تعتقد أن هذا العمل سيمنحك درجة في الجنة أكثر من تطهير نفسك وتزكيتها بالابتعاد عن حسد الناس وغيبتهم والخوض في أعراضهم؟ والسؤال الأهم هو: هل يقرأ الناس هذه الرسائل حقاً ويتأثرون بها، أم أنهم يقومون بمسحها مباشرة لأنها صارت عملاً روتينياً؟

ربما نحتاج إلى التوقف قليلاً عن تحويل الدين إلى أداة للخمول والكسل، وأن نكف البحث عن طرق مُختصَرة لدخول الجنة، لأننا لن ندخلها بنشر الأدعية فقط، بل كما يقول الله تعالى: «يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم».

المصدر: الإمارات اليوم