ولي عهد أبوظبي يشهد محاضرة «التراث والتطرف والخطاب الديني»

أخبار

شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة المحاضرة التي ألقاها الدكتور عبد الإله بلقزيز مفكر وكاتب وأستاذ الفلسفة في جامعة الملك الحسن الثاني، بعنوان: «التراث والتطرف والخطاب الديني في الوطن العربي»، وذلك بمجلس سموه بقصر البطين في أبوظبي.

وحضرت المحاضرة الدكتورة أمل القبيسي، رئيسة المجلس الوطني الاتحادي، وسمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان، رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، وسمو الشيخ خالد بن زايد آل نهيان، رئيس مجلس إدارة مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وذوي الاحتياجات الخاصة، والشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة وتنمية المعرفة، وعدد من الشيوخ والوزراء، وكبار المسؤولين وأعضاء السلك الدبلوماسي في الدولة.

قال الدكتور عبد الإله بلقزيز في بداية المحاضرة: «يشرفني أن أشارك في هذا المحفل الكريم الذي يعقد بحضرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لمناقشة قضايا فكرية وعلمية واقتصادية، وموضوع محاضرة اليوم من المواضيع الحيوية والمصيرية للأمة جمعاء».

وأضاف: «فيما يتصل بمحور التراث العربي غير المستثمر، وعلاقة المجتمع به أنبه إلى مسألتين أو رؤيتين تبدوان على السطح، كأنهما مختلفتان لكنهما في العمق تتكاملان، الأولى: النظرة التحقيرية وهي قراءة أو رؤية أو نظرة تحقيرية للتراث في بعض الفكر والإعلام العربي، وبعض التداول الاجتماعي العربي، وهذه الرؤية مبنية على فكرة أننا في غنى عن التراث، وأننا نستطيع قطعه دون أي تبعيات، وأنه كلما وضعنا التراث وراء ظهورنا خففنا من أعباء حمله وتقدّمنا نحو الأمام والازدهار، وتنسب هذه الأطروحة إلى من يطلق عليهم متغرّبين وغربيين وليبراليين».

وأوضح أنه ليس صحيحاً أن الليبراليين العرب جميعاً ينظروا بهذه النظرة التحقيرية للتراث، والليبرالية العربية في بداية تكوّنها في مطلع القرن العشرين هي من أولت اهتماماً للتراث العالمي الإسلامي، وبالتالي لا يصح أن نقول إن الليبرالية العربية أخذت بهذا النهج، وهذه الرؤية عدمية للتراث وأصحابها عدميون.

وقال: «هناك رؤية ثانية للتراث هي نظرة أكثر ازدهاراً وهي النظرة التبجيلية والتقديسية للتراث، وهي لا تاريخية لأنها تخرج التراث من التاريخ، وتجعلنا أسرى في حاضرنا دائماً إلى أفكار القدامى والماضي، والمرجعيات الماضية، وتضعنا أمام معادلة لا يمكن أن تكون مقبولة في أي مجتمع، مضمونها: مستقبلك في ماضيك، وهذه معادلة لا يمكن أن يستقيم معها التقدم».

والقراءة التبجيلية للتراث تحاول أن تخلط بين المتعالي والنسبي البشري، والمشكلة تكمن في أئمة المقالات الكبرى الذين كتبوا الكتب في الأمة الإسلامية بصفتها اجتهادات وآراء أهداهم إليها اجتهادهم، وقد يكونوا مصيبين فيها أو غير ذلك، ولم يضفو أي قداسة على أفكارهم أو ما يكتبونه؛ وإنما مجرد أفكار واجتهادات، وكانوا يقبلون مناظرة خصومهم بأريحية ورحابة صدر، ويحشدوا لدعم موقفهم كل الأساليب التي بحوزتهم، والمشكلة بدأت مع الأجيال التالية واللاحقة، وتلاميذتهم الذين تعالوا بأفكارهم وقدّسوها ولم ينظروا إليها بأنها اجتهادات، وهي اجتهادات أنجزت في فترة وزمن معين، وأصبح الرأي بالإمام فلان مروقاً.

و قال: «مع كل هذه الأفكار لا يمكن أن نعزل هذه الأفكار عن الشروط التاريخية بما فيها كتابات ابن تيمية، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك طلباً على كتابات ابن تيمية من التيارات الحزبية والإسلامية. هذه الجماعات التي تضفي على كتابات ابن تيمية، معان ودلالات ربما لم يكن يقصدها، وإذا حُدنا عن رؤية الموروث الثقافي والديني العربي الإسلامي، فإننا لن نستطيع أن نفهم مضمون ذلك الموروث، وسنُسقط عليه رغباتنا وحاجاتنا ومطالبنا».

وأكد المحاضر أن المشكلة بدأت عندما حولنا التراث الإسلامي من ملكية جماعية للامة، إلى ملكية فريق اجتماعي محدد، وحصلت ظاهرة الصراع على التراث بحسبانه رأسمال ثقافي قابل للاستثمار السياسي، واليوم هناك استثمار سياسي غير مشروع للتراث، ووصلنا إلى هذه الحالة؛ لأننا بكل بساطة هيأنا الشروط في الوطن العربي برمته لحشو وانتشار وسيادة هذه الثقافة الدينية الضحلة في البرامج المدرسية والجامعية، ثقافة دينية ضحلة تخلو من الواقعية ومن الروح التاريخية، ومن قيم كانت قوام حضارتنا، وهي التسامح والحوار، والاعتراف بالآخر.

وقال: «النظرة إلى التراث والإسلام ينبغي أن تكون قائمة ومستندة إلى مبدأ حاكم، وليس بعيداً عن الإسلام، وهو مبدأ المصلحة، والمصلحة كانت قوية كمبدأ شُغّل تشغيلاً حيوياً في تاريخ الإسلام منذ البدايات، فهناك غياب لأي تشريع قرآني في المجال السياسي، وهذه قرينة من جهة على أن الدولة للسلطة، وعقيدتها السياسة، وليس هناك من دولة ملحدة أو مؤمنة، والمواطنون هم مؤمنون بهذا الدين أو ذلك الدين، والدولة اختراع بشري وهو أعظم اختراع في التاريخ البشري، لأن اختراع الدولة اختراع شروط البقاء، فالدولة في الإسلام لا يوجد لها تأصيل شرعي، لا في القرآن ولا في السنة، والمسلون حكّموا مبدأ المصلحة، حينما توسعت الدولة الإسلامية وأصبحت إمبراطورية، ما نسمية الدولة الإسلامية اليوم؛ أي الدولة العباسية، هي الدولة المستعارة من النموذجين البيزنطي والساساني، وقد أصبغت عليها الشرعية الدينية».

وأضاف دائماً أقول إن الإسلام باستمرار، هو عامل توحيد لمجتمعاتنا ولتحصين كياناتنا في وجه الغزو الأجنبي، والإسلام حاضنة للوطنية ويغذي الوطنية بالبعد التوحيدي، ومن هنا فإن الإسلام عامل توحيد لأنه ينبّه الأمة التي توجد في معركة مع الغزو الأجنبي إلى عناصر التماسك والتوحد وما يجمعها، ولكن يبدأ إنزال الإسلام للقيام بأدوار أخرى.

وأكد أن الخطر على الإسلام يأتي من الداخل الإسلامي، ونحن المسلمون نسيء إلى صورة المسلمين، ونسيء إلى علاقاتنا مع العالم الخارجي، والغلو والتطرف لا يحصن عقيدة، وهذا ثبت في أوروبا في الماضي، عندما جنحت الكنيسة الكاثوليكية، حيث حدث تمرد على الكنيسة. والتطرف والغلو يفتك بالدين ولا يحصّنه.

وقال إنه آن الأوان لكي نفتح داخل مجتمعنا العربي والإسلامي مراجعة شاملة لكل الأخطاء التي ارتكبناها، لأن هذه الظواهر المرضية التي نعيشها منها التطرف، خرجت من رحم مجتمعاتنا ومن مدارسنا، ولا بد من مراجعة عميقة وصادقة وإلاَّ فإن ما ينتظرنا أسوأ مما نعيشه.

وقال: «الديمقراطية مثلاً انتقل الإسلاميون فجأة من اعتبار الديمقراطية كفراً إلى تقديس صناديق الاقتراع، وصناديق الاقتراع ورؤاها تاريخ ثقافي وفكري و ديمقراطي طويل في الغرب، وصناديق الاقتراع قد تأتي بالديمقراطي أو الدكتاتوري؛ الدكتاتورية أتت بصناديق الاقتراع، والنازية أتت بصناديق الاقتراع، ومحمد مرسي أتى بصناديق الاقتراع، فإذن أنت تأخذ النتائج ولكن المقدّمات تهملها وتتجاهلها، وهذه انتقائية سافرة، وكل انتقائية هي بالضرورة فعل أيديولوجي».

المحاضر في سطور

الدكتور عبد الإله بلقزيز حاصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة من جامعة محمد الخامس بالرباط، ومدير الدراسات سابقاً في مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، والأمين العام للمنتدى المغربي العربي في الرباط، حائز على جوائز علمية منها جائزة المغرب 2009، وجائزة السلطان قابوس للفكر والثقافة 2013، وصدر له 48 كتاباً في الفكر الفلسفي والدراسات الإسلامية، والفكر العربي والإسلامي المعاصر، والفكر السياسي والاجتماعي، إضافة إلى أعمال أدبية شعرية وروائية، وأشرف على موسوعة الثقافة العربية في القرن العشرين «بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية».

المصدر: الخليج