جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

أهديك الذكريات.. وتهديني النسيان !

آراء

تقول الكاتبة غادة السمان “أتذكر أيامي معك، كمن يرى الأشياء من نافذة قطار مسرع ! نائية و جميلة و القبض عليها مستحيل”

يقف النسيان عند جدار الذاكرة، يحاول أن يخترق، تحاربه الذكريات، صراع بقاء ، دائما الأقوى يعيش طويلا!

أحيانا توصف الذاكرة البشرية كالمكتبة الضخمة التي يوجد بها آلاف الأرفف و عليها أعداد ضخمة من الكتب ، و الذكريات هي المحتوى الهائل لهذه المكتبة. في أي مكتبة هنالك كتب موجودة و أخرى مقروءة و هناك أيضا كتب مهملة و أخرى منسية و كتب قررنا أننا سنقرأها يوما و إلى اليوم لم نلمسها و كتب مهمة جدا أثرت في مسيرة حياتنا نضعها بحذر في مكان لا يصل إليه غيرنا، لكل كتاب في أرفف مكتبنا حكاية تستحق أن تروى يوما أو لا تستحق! هناك كتب لن يلمسها أو يقرؤها بعدنا غيرنا، نحفظها كالأسرار في مكان تعرفه أنت فقط .

تماما كالذكريات مخزنة في أرفف الذاكرة، هناك ذكريات تمثل أجزاء مهمة من حياتنا و أخرى تسعدنا كلما تذكرناها، ذكريات شكلت مسارنا وغيرت شخصياتنا موجودة على واجهة الذاكرة لا تغيب و لن تغادرنا ، و ذكريات كلما سلمناها بإرادتنا للنسيان أرجعها الزمن عنوة ثانية لنا !

(بعض الذكريات هي حياتنا..لا نستطيع بدونها تكملة حياتنا)

من يستطيع أن يتنازل عن ذكرياته ؟

الذكريات كالوثائق السرية تخص أصحابها ، أنت وحدك الذي له الحق أن يطلع على محتوياتها ، تملك حقوق النشر كاملة ! لا عقد ملزم مع الذاكرة . جميل أن تعيش بين ثنايا الماضي و تتذكر اللحظات والأوقات معهم و مع غيرهم ، و الأجمل لو كان باستطاعتنا أن نستدعي النسيان ليحذف ما لا نريد أن نتذكره. هناك بعض الذكريات تعيش معنا و تكبر بيننا و إذا رحلنا رحلت معنا .

(معادلة: مجموع ذكرياتنا ÷ مقسوم على أعمارنا = يساوي شخصياتنا !)

قد تكون الذكريات هي شخصيتنا الأخرى التي نحاول جاهدين أن نسترها و نخبئها في أعماق أنفسنا . نحن دائما ما نحاول أن نخفيه عن الآخرين . لا تقدر أن تعبر جسور العمر بلا حقائب الذكريات ، حتى عندما تصل للضفة الأخرى تجد ذكريات أخرى بانتظارك ، الذكريات لا تنتهي بل تتجدد و مهما جاهد النسيان ليعبر معك جسر الحياة و يصل قبلك ، ستسبقه ذكرياتك التي اخترتها لترافقك ! .

(عندما ترجع إلى نفسك، امش على أطراف أصابعك حتى لا توقظ الذاكرة!)

اين النسيان عند أول يوم من الفراق ؟

في زحمة الذكريات هل ينسانا النسيان ؟

هذه التساؤلات لا زالت ترهقني كلما تذكرت و لي أمنية وحيدة كلما تذكرتك و هي: ماذا لو أهديك الذكريات وتهديني النسيان !

المصدر: جريدة الاتحاد