مصطفى النعمان
مصطفى النعمان
كاتب وسياسي يمني عمل سفيراً لليمن في عدة عواصم كان آخرها مدريد

مؤتمر الرياض والهدنة الإنسانية

آراء

في مؤتمر صحافي عقد صباح الخميس الماضي، أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير استعداد المملكة لهدنة إنسانية لخمسة أيام، وزاد وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأنها قابلة للتمديد إذا التزم الحوثيون بها، وعلى افتراض التقيد الكامل من جميع الأطراف فإن الأبواب ستكون حينها مشرعة للدخول في حديث السياسة وأتمنى أن يكون انعقاد مؤتمر الرياض بمن يحضره فرصة ترتفع فيه أصوات المنادين بالتصالح والمطالبة بالعودة إلى روح المواطنة المتساوية والتوقف عن إطلاق العنان لرغبات الانتقام ومواصلة صرخات الحرب ودق طبولها، فلا اليمن قادر على تحمل المزيد من الأحقاد والدمار ولا طاقة اليمنيين ستتمكن من تجاوزها بسهولة.

إن ما حدث بالذات في مدينة عدن لا يمكن قياسه بما حدث في غيرها من مدن اليمن الأخرى، فخلال الأسابيع الستة الماضية تمزق النسيج الاجتماعي الواهي الذي كان يربط الجنوب بالشمال منذ حرب صيف 1994 التي تراكمت آثارها السلبية حتى بلغت حد المطالبة بالانفصال الذي أراه أضحى أمرا نفسيا واقعا في وجدان وضمير أغلب الجنوبيين للأسف الشديد ولا بد أن الأسابيع الماضية زادت من حجم الكراهية والغضب والشعور بالظلم لديهم، ومن الواجب الآن ودون مزايدات ولا تضليل البحث في وسيلة تترك شأن تقرير مصير مستقبل الجنوب وعلاقته بالشمال لأبنائه فقط دون إضاعة للزمن ولا محاولات تحميل المسؤولية لطرف بعينه، فهذا أمر لم يعد ممكنا التعامل معه في الجنوب ولا يمكن لأغلب الجنوبيين القبول بالبحث فيه، ولعل الخطوة الأولى تبدأ برص الصف السياسي الجنوبي بعيدا عن صراعات الزعامة والمنافسات الداخلية واللهث وراء الأضواء.

مؤتمر الرياض عليه أن يفتح الباب كاملا أمام حوار جاد ومسؤول تطرح فيه قضية الجنوب وعلاقته بالشمال ثم البحث في ترتيبات مرحلة انتقالية مزمنة ملزمة تحت إشراف إقليمي بضمانات دولية.

القضية الثانية التي يجب البحث فيها هي قبول الحوثيين التحول إلى العمل السياسي النشط والفاعل إيجابيا بتشكيل حزب يعمل بقوانين مطبقة على الجميع والدخول في عملية سياسية وطنية جامعة، وإذا ما حصل فإن كافة المسائل ستكون قابلة للحل والنقاش.. ومن دون ذلك فإن البلاد ستظل تدور في حلقات من الصراعات الدامية وعلى الحوثيين التوقف فورا عن عبثهم وإجراء مراجعة صادقة وجلد للذات والنظر إلى هول الكارثة التي صنعها الاكتفاء بالسلاح عنوانا لحوارهم مع الآخرين.

يجب أن يدور النقاش حول هذه القضايا وألا يتحول مؤتمر الرياض إلى مهرجان خطابي، فالمملكة العربية السعودية هي التي رعت وباركت في الطائف وجدة الاتفاق اليمني – اليمني الذي أنهى الحرب الأهلية الشمالية الأولى في الستينات ودخل بعدها الشمال في معركة صراع داخلي لبناء الدولة، واليوم يعيد التاريخ نفسه، كما أنها تركت الباب مفتوحا أمام كل راغب في الحضور ما يمنح الحوثيين فرصة للقاء إخوان لهم في الوطن والدين بعيدا عن أجواء الحرب العبثية.

إن المواجهة الصريحة بعقل مجرد ومنطق يرى الواقع دون تنميق ولا زيف هي السبيل الوحيد لفتح ثغرة في جدار الموت والأحزان الذي أحال، على يد الانتهازيين والقتلة والمرتزقة من أبناء اليمن، كل شيء جميل إلى سراب ستتوارثه أجيال قادمة لن تتمكن من تحمل كلفة الدمار النفسي الهائل والتمزق الاجتماعي المروع، وإذا تمكن المجتمعون في الرياض من جعل اللقاء طريقا ممهدا للبناء على نقاط مشتركة هدفها البحث عن وسيلة لانعقاد اللقاء التالي بحضور الحوثيين وكتلة المؤتمر الشعبي العام الفاعلة على الأرض فإنني على يقين من أن المملكة ستكون مساهمة في هذا الجهد وداعمة له لأن استقرار اليمن وسلامته وأمنه قضايا مصيرية لها كما هي لليمن، ومع ذلك فإن اليمنيين هم المعنيون في البدء والمنتهى بهذه الأمور لأنها أرضهم ولن يستطيعوا العيش عليها دون مصالحة وطنية حقيقية من دون سلاح يتهددهم ويقضي على أحلامهم.

إن الخطوة التاريخية الحقيقية التي قد يسجلها مؤتمر الرياض تتلخص في ترك المصالح الذاتية والاعتراف بالمسؤولية عن الحال الواقع ولعل الكثيرين تابعوا إعلان نتائج الانتخابات البريطانية وأشير هنا إلى الكلمة التي ألقاها زعيم حزب العمال معلنا عن خيبته وأسفه لخسارة الانتخابات، وفي هذا درس يجب أن يضعه نصب عيونهم الحاضرون في الرياض للاعتراف بما جنت أحزابهم وما جنوه على البلد جراء الجشع والأنانية في وقت لم يعترف أحد من الذين ساهموا في صنع هذه الكارثة المتجددة بالمشاركة في حبك ظروفها.

لن يتمكن أحد من فرض رؤيته ولا تحويل البلد إلى لون واحد، فاليمن لن يعيش إلا بتنوع جذوره الثقافية وقبول الجميع بالجميع والاعتراف بحق كل فرد داخله في اختيار النبع الذي ينهل منه فكره، وذلك كان حلم اليمنيين الأحرار عندما قاوموا حكم الإمام يحيى ثم الإمام أحمد رحمهما الله، ولكن الحزن الشديد هو أن التراكم الإيجابي ليس من خصائص الأنظمة المتعاقبة في اليمن فكل من وصل إلى سدة الحكم بدأ بتدمير ما سبقه وجعل من سلفه شيطانا يجب تحطيم كل ما أسس له ولو كان بسيطا.

اليمنيون في الداخل يعيشون مأساة يومية ستتضح تفاصيل بشاعتها عندما تتوقف أدوات الموت والدمار، وكثيرون في الخارج عالقون يتجرعون الهوان والامتهان وهذا يوجب أن يدفع كل من يحضر مؤتمر الرياض أن يجعلوه نصب أعينهم والبحث الجاد في وسائل دعم الهدنة الإنسانية والتحرك العاجل لتثبيتها وإذا كان الجانب الأكبر من المسؤولية يقع على الحوثيين فعلى الذين يقرعون طبول الحرب والارتزاق منها ويطلقون التصريحات المستفزة لتحقيق مكاسب خاصة أن يتوقفوا عن هذه الأفعال التي لا تساهم في نجدة المحترقين بالنار في الداخل والخارج.

في 12 يناير (كانون الثاني) 2104 كتبت مقالة بعنوان (البديل المتاح) قلت فيها (إننا أمام ساحة مملوءة بالعبث واستهلاك الجهد والوقت، وذلك لن يزيد الأوضاع إلا تعقيدا وتأزما واحتقانا وسيبعث على مزيد من الكراهية والخصومة… اليمن يقف اليوم أمام مشهد لم يكن أكثر الناس تشاؤما يتصورون الوقوف أمامه: الانفصال أو التشظي).
هل اختلف المشهد؟

المصدر: الشرق الأوسط
http://aawsat.com/home/article/356691