الخميس ٠٥ يوليو ٢٠١٢
إعفاء مديري جامعتين سعوديتين وتعيين مديرين جديدين لهما قرار يصب في مصلحة الطلاب أولاً. وهذا عين العقل. نحن بأمس الحاجة أن تكون اهتمامات جامعاتنا منصبة على الطالب قبل غيره. ومهم جداً أن تكون إدارة الجامعة في صف الطالب لا ضده. ومسألة «البهرجة» الإعلامية التي انشغلت بها بعض جامعاتنا، على حساب هموم الطلاب وتطوير مخرجات التعليم، ضررها أكثر من نفعها. ولهذا فرحت كثيراً بالتعديلات الأخيرة في المناصب العليا لجامعتين من أهم جامعاتنا. فالأحداث الخطيرة التي شهدتها جامعة الملك خالد ما كان لها أن تمر من دون تحقيق ومحاسبة. ولو لم تتم المحاسبة لزاد إحباط طلاب الجامعة واشتعل غضبهم. ما مضى مضى. ولكن لنتعلم من دروسه. وأهم الدروس أن إدارة الجامعة – أي جامعة – لا بد أن تضع مصلحة الطالب فوق أي اعتبار. فالطالب الجامعي مهموم جداً ليس بالأربع أو الخمس سنوات التي سيقضيها في جامعته ولكنه مهموم أكثر بما بعد الجامعة. سنوات الدراسة الجامعية، في أغلب الجامعات في العالم، تعد من أجمل سنوات العمر. وهي أيضاً معمل جاد يهيء الطالب للمستقبل بتحدياته وإحباطاته وفرصه. إن الجامعة التي تركز اهتماماتها على «البريستيج» الكاذب، من خلال الفرقعات الإعلانية، ولا تعطي ذات الاهتمام لتحسين وضعها الأكاديمي، إنما هي مثل من يعتني بمظهر سيارته الخارجي فيما ماكينتها لا تقوى على السير مسافة نصف ساعة.…
الأربعاء ٠٤ يوليو ٢٠١٢
أمس، في مترو باريس، وقد شاهدت آلاف الناس تنتقل من محطة لأخرى بكل انسيابية ونظام، تساءلت: لماذا لا نكون مثلهم؟ ما الذي ينقصنا لكي نبني طرقاً وسككا حديدية ومطارات منظمة نظيفة وعملية؟ وفي البرازيل، قبل أيام، وأنا أشاهد مساحات واسعة خصصت لحدائق وملاعب عامة، تساءلت أيضاً: لماذا لا يكون لدينا مثل هذه الحدائق وممرات المشاة والشواطئ الجميلة التي هي ملك عام لم تطالها «شبوك» أو أيد عابثة؟ أكثر ما أثارني وأنا أسأل هذه الأسئلة أن هذه البنى التحتية المتينة بُني أكثرها منذ عقود ومع الصيانة والرقابة والمتابعة، ما زالت تعمل بحيوية كما لو أنها بنيت أمس. حتماً أن من يبني بنية تحتية قوية، لا تطالها يد الفساد لا من قريب أو من بعيد، إنما يستثمر عملياً للمستقبل. وهذه الخدمات – من مواصلات وحدائق عامة – لم تعد تكلف خزينة الدولة إلا أقل القليل لأنها بنيت على نظام «التمويل الذاتي» الذي يجعل مستخدميها يشعرون فعلاً أنهم شركاء في تلك المنجزات ومعنيون بالحفاظ عليها. وما زلت أسأل: بالله عليكم ما الذي ينقصنا كي تكون لدينا بنى تحتية متينة تكون لنا استثماراً في المستقبل وتذكرنا، بها، أجيالنا المقبلة بالخير؟ متى تكون هذه المشروعات عندنا مشروعات وطنية -لا تجارية – نتباهى بها لأنها عملياً منجزات تعد «مفخرة وطنية»؟ متى نرى خطوط سكة الحديد وقد…
الثلاثاء ٠٣ يوليو ٢٠١٢
حينما كانت «العولمة» جدالاً عالمياً خلال التسعينات من القرن الماضي كان الفرنسيون من أشد من يعادي فكرة العولمة. وحجتهم كانت أن العولمة ليست سوى غطاء أنيق لمشروع أمريكي يهدف لأمركة العالم. صباح أمس، وفي جولة ممتعة في منطقة اليورو ديزني، في ضواحي باريس، رأيت الفرنسيين في قلب «الأمركة» من خلال أهم رموز أمريكا اليوم: ديزني لاند، ماكدونالدز وستار بوكس. في كل مرة أزور فيها فرنسا أشعر أن أعداداً أكبر من الفرنسيين يتحدثون الإنجليزية. وإن كنت من زوار فرنسا فتأمل في الهواتف الذكية الأكثر انتشاراً بين شباب فرنسا اليوم. لقد أثمرت جهود ستيف جوبز في انتشار منتجات «أبل» بين شباب العالم ومنهم الفرنسيون. إننا في زمن يقترب فيه العالم من بعضه أكثر فأكثر. ومع الوقت سوف تتأسس قيم عالمية (شبابية) جديدة تجتمع تحت مظلتها أجيال قادمة من شرق الأرض وغربها. ثمة تفاعل إنساني سريع بين الثقافات المتنوعة التي هي تجارب إنسانية يمكن أن تنتقل من مكان لآخر بسرعة وسهولة. ولم تعد «الخصوصية»، ثقافية كانت أو سياسية، عائقاً أمام الجيل الشاب أن يتواصل مع أقرانه من كل أنحاء العالم. ولم يعد بإمكان أحد أن يعزل نفسه عن هذا العالم المتجدد سريع الحركة خوفاً على «الخصوصية» أو إدراكاً بأن العالم يتحرك سريعاً. فالعزلة تعني الموت. ولا سبيل أمام أي أمة تسعى للبقاء في…
الإثنين ٠٢ يوليو ٢٠١٢
بعد الهزيمة الكبيرة التي مني بها منتخب ألمانيا لكرة القدم أمام فريق إيطاليا، قبل أيام، شعرت أن الله قد انتقم لي من الألمان بعد مرور عشر سنوات على مقلب ألماني أكلته فجر يوم بائس في بوسطن. وهنا القصة. خلال بطولة كأس العالم 2002، صادف أنني كنت أسكن مع أصدقاء ألمان يقيمون في بوسطن. أصر صديقي، سباستين، وهو أستاذ في الإم آي تي، أن أرافقه فجراً لمقهى قريب يعرض مباريات كأس العالم. وكانت المباراة «الفضيحة» بين ألمانيا والسعودية. ذهبت والنعاس ما زال مهيمناً. جاء الهدف الألماني الأول. صرخ سباستين من الفرحة وكأن وجودي معه قد منحه الفرصة الذهبية للاستعراض بالهدف الأول. تتابعت الأهداف الألمانية سريعاً. وعند كل هدف ألماني يواصل صديقي صراخه أمامي كما لو كنت فعلاً مدرب المنتخب وقتها. بعد الهدف الخامس خفت نشوة النصر عند سباستين. كأنه لحظتها أدرك أن الفوز بتلك الطريقة محرج حتى للفريق الألماني نفسه. اعتذر لي صديقي متعاطفاً معي بعد الأهداف الثمانية المخجلة. وهو لا يعلم أن الرياضة عندنا ما تزال ضحية الأهواء. صديقي جمال الشحي، وهو لاعب كرة قدم إماراتي سابق، يصف حال كرة القدم في الخليج بـ«قليل من الرياضة كثير من السياسة». فالرياضة عندنا، مثل أي شيء آخر، مُسيسة. ومع الوقت، ملّت الناس من أنديتنا ورياضتنا. ثم فتح الله علينا بتقنية الاتصال الجديدة.…
الأحد ٠١ يوليو ٢٠١٢
من مساوئ بقاء المرء طويلاً في مركزه الوظيفي أنه -مع الوقت- يصدق أن وظيفته حق لا ينازعه فيه أي أحد وأن المؤسسة التي يعمل بها ملك خاص لا يجادله فيه أي قريب أو بعيد. ولهذا يتعامل هذا النوع من المسؤولين مع أي نقد يوجه للمؤسسة التي يعملون بها كما لو كان نقداً للشخص لا لعمله أو أداء مؤسسته. لدينا مسؤولون يطيلون البقاء في مناصبهم فيتحولون مع الزمن إلى «كومة من الغرور» «فيشخصنون» أي نقد يوجه لأدائهم. وفي العالم العربي «موظفون» يمارسون «استبداداً» لا يقل خطورة عن استبداد الأنظمة الديكتاتورية. هل تتخيل -مثلاً- وكيل وزارة خدمية ينزعج من كلمة نقد عابرة في مقال أو مقابلة فيتحول هذا الانزعاج إلى موقف «شخصي» يقود إلى الانتقام من صاحب النقد بأي طريقة؟ أعرف مسؤولاً ظل يبحث عن أي معاملة لمن تجرأ وانتقد وزارته لعله يصفي حساباته مع صاحب النقد. ولما لم يجد أي معاملة لصاحب النقد ظل يبحث عن أي «معاملة» لقريب أو صديق لمن كتب ينتقد أداء وزارته! هل عقلية كهذه جديرة بتحمل أي مسؤولية؟ أليست هذه العقلية هي من تضاعف الغضب الشعبي تجاه أداء المؤسسات التنفيذية في العالم العربي؟ وأعرف -مثلما تعرفون- مسؤولين لا يستحون وهم يقحمون عنصريتهم البغيضة في عملهم فلا يخافون ربهم ولا يراعون ثقة من عينهم وهم يعقدون معاملات…
السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢
مهنياً، أرفض دائماً فكرة الجمع بين صفتيَّ الإعلامي والناشط. أرفض دوماً فكرة أن يخلط الإعلامي بين النقيضين: العمل الإعلامي الذي يفترض الحيادية (قدر المستطاع) والانخراط في عمل ذي بُعد حركي سياسي. لا يمكنك أن تكون إعلامياً وفي ذات الوقت ناشطاً سياسياً. وكونك إعلامياً، فلديك منابرك للتعبير عن رأيك إن كنت مضطراً للتعبير عن موقفك الشخصي تجاه قضية سياسية أو شأن عام. في المحاضرات التي أدعى لإلقائها على طلاب الإعلام أنبه دائماً لأهمية عدم الخلط بين القناعات الخاصة والتغطية الإعلامية. ومرة اجتمعت بفريق تحرير في مؤسسة إعلامية فقلت للفريق: دعوا مواقفكم الشخصية تجاه الأحداث الساخنة في منطقتكم خارج هذا المبنى. من أسوأ ممارساتنا في الوسط الإعلامي العربي أن فينا من يخلط بين وظائف ومواقف الناشط السياسي ووظيفة الإعلامي. ولهذا لا تستغرب وجود بعض الإعلاميين الذين تتأثر تغطيتهم للأحداث برغباتهم وآمالهم وتوجهاتهم ومواقفهم الشخصية. وهنا نفرق بين التغطية الصحفية والمقال الذي يعبر فيه كاتبه عن رأيه وقراءته الخاصة للأحداث. وتلك من أبجديات المبادئ المهنية في العمل الإعلامي. لكنها -في الغالب- مفقودة لدينا. كثيراً ما أُسأل لماذا لا «أتبنى» القضية الفلانية لأهميتها عند قطاع ما من المجتمع. ويكون ردي دائماً إن وظيفتي كإعلامي تفترض ألا «أتبنى» أي قضية. والفارق كبير بين أن تكتب عن قضية ما أو تتبناها. وهنا واحدة من الفوارق في…
الخميس ٢٨ يونيو ٢٠١٢
لا أفهم كيف يستغرب بعضنا من مجريات الأحداث في منطقتنا. كانت أغلب الدلائل تشير الى أن تغييرا كبيرا سيحدث في المنطقة. جاء العسكر إلى السلطة (وجيء ببعضهم) على ظهر الدبابة. ولم يبنوا دولة مؤسسات أو تنمية حقيقية. تراكمت الأخطاء -وما صاحبها من ظلم- مثل كرة الثلج. زاد الاستبداد حتى أكل أصحابه. وفي ظل التحولات الكبرى في تقنيات الاتصال والتواصل مع العالم كان لابد للإنسان -في بلدان الربيع العربي- من أن يتفاعل مع معطيات عصره فينتصر لنفسه. ولذلك يكون التغيير المقنن، المتماشي مع إيقاع عصره، أسلم للأوطان وأرحم للشعوب. والأمثلة كثيرة. فهل احتاجت تركيا إلى «ربيع تركي» حتى تتحرر من قبضة العسكر؟ ثمة دوماً قوى تقاوم التغيير وربما تحاربه. وكثيرون حولنا ينطلقون في رفضهم للتغيير من منطلقات طيبة وبريئة. فالخوف من المجهول يشكل أحياناً عقبة في وجه أي جديد. في المقابل، يخطئ من ينسى أن التغيير من سنن الحياة. فلكل عصر ظروفه ولكل جيل طريقة تفكيره. لكن المجتمعات التي تؤسس مؤسسات حقيقية توازن بين قيمها الأساسية وبين متغيرات عصرها تكون صاحبة اليد العليا في مسيرة التغيير. إنها تساير التغيير، وربما تسابقه، بدلاً من أن تصادمه أو تعاديه. ولديها أدواتها وآلياتها التي تساير الجديد في الأفكار والمعطيات دون التضحية بالسلم المجتمعي أو الاستقرار السياسي. وتلك أدوات ناجحة لأن المواطن شريك حقيقي في…
الإثنين ٢٥ يونيو ٢٠١٢
لم تمر أسابيع قليلة على مكالمة طويلة فاجأني بها الأمير سلمان بن عبدالعزيز، في حديث أبوي كريم، حول بعض الأحداث الراهنة. ومن منا في الوسط الإعلامي لا يحمل ذكرى خاصة، من مقابلة أو مكالمة، مع الأمير سلمان؟ قال لي الأمير، من ضمن ما جاء في مكالمته الكريمة، إنه يختلف معي أحياناً لكنه يحترمني. وهذه، وربي، غاية المبتغى عندي، فالاختلاف في الرأي عند الكبار لا يعني مصادرة للرأي الآخر أو اختلاق عداوة مع صاحب الرأي المختلف، كم مرة تمنيت أن أقول لبعض صغار المسؤولين عندنا: أرجوكم: لا تصنعوا مني عدواً لأنني لست كذلك ولا أود أن أكون كذلك، نحن نقول أو نكتب أحياناً ما يزعج أو يستفز البعض. لكن القصد غالباً المصلحة الأكبر، وتلك هي طبيعة الكتابة الناقدة. والكاتب ليس من «الملائكة» أو منزها عن الخطأ والتقصير. ولهذا يزداد التقدير لرجل دولة كبير مثل سلمان بن عبدالعزيز. وإلا ما الذي يضطره، وهو المزحوم بأعباء مسؤولياته الجسام، أن يهاتف كاتباً ويحاور صاحب رأي لولا أنه يحترم أهل الفكر ويقدر مسؤولية الإعلام وأهميته؟ اليوم وقد تولى الأمير مسؤولية ولاية العهد، وهو الجدير بالمهام الكبرى، فمن المتوقع أن تستمر السياسة الخارجية السعودية في حيويتها خصوصاً في زمن التحديات والمخاطر الكبرى على مستوى المنطقة كلها. ما من مراقب لما يجري في العالم العربي اليوم إلا…
الجمعة ٢٢ يونيو ٢٠١٢
عشرة ملايين يمني مهددون بالمجاعة. ألا يستحي «جهابذة» السياسة في اليمن من هذه الكارثة؟ ألا يخجل أولئك المحسوبون على النظام السابق، من أقرباء «الزعيم» ومن كان في دائرته، وهم يُخرجون أموالهم -بمئات الملايين- إلى بنوك خارج اليمن وقد أفقروا وطنهم بأنانيتهم وجشعهم وطغيانهم؟ حينما تواصل معي الصديق علي الظفيري يخبرني أن شباباً من الخليج ينظمون حملة أطلق عليها «من أجل اليمن» تساءلت: ألم نحذر طويلاً من الانغماس في ألاعيب السياسة ودهاليزها على حساب التنمية؟ كم مرة كتبنا عن مخاطر الوضع اليمني المتردي -خاصة في جوانب التنمية- على الأمن القومي الخليجي؟ وفوق الواجب الإنسان والأخلاقي تجاه ما يعانيه أهلنا في اليمن، كيف لا نرى مصلحتنا في يمن مستقر آمن ذي اقتصاد متماسك وتنمية مستدامة؟ انشغل اليمنيون -وانشغلنا معهم- بألاعيب الرئيس السابق السياسية حتى ضربت المجاعة قرى اليمن ومدنها. وما يحدث اليوم في اليمن ليس وليد الأمس بل هو نتاج عقود من الإهمال والتجاهل لقضايا التنمية والاقتصاد في اليمن. ولو كنت سياسياً يمنياً لأعلنت فوراً اعتذاري عما يحدث من مجاعة وسوء حال في اليمن، وأعلنت انسحابي من المشهد كي أتفرغ للعمل مع المنظمات الإنسانية التي تحاول الآن إنقاذ ما يمكن إنقاذه في اليمن. لكن هيهات! فأغلب السياسيين في اليمن قد أدمنوا اللعبة وهي عندهم -فعلاً- لعبة تقود لمزيد من المكاسب الشخصية على…
الأربعاء ٢٠ يونيو ٢٠١٢
في قمة (ريو + 20) المنعقدة حالياً في البرازيل، تكررت على مسامعنا مصطلحات من مثل «الاقتصاد الأخضر» و«التنمية المستدامة.» ولكثرة ما كررها أهل السياسة، من رؤساء دول ووزراء اقتصاد وبيئة، تكاد الفكرة تفقد معناها. فالتنمية المستدامة مشروع حياة أو موت لكثير من شعوب دول الجنوب. والاقتصاد الأخضر مفهوم حيوي في ظل المخاطر البيئية التي تهدد عالمنا اليوم. والتنمية المستدامة تعني أن نفكر في اليوم وفي الغد وما بعد الغد. ونحن، في العالم العربي، في قلب القلق. أعداد الناس في عالمنا تتزايد بشكل مخيف. والتطاحن على السلطة احتل هموم النخب. واستشراء الفساد والاستبداد قاد إلى فشل في التخطيط لمشروعات التنمية وفشل في أداء الأجهزة التنفيذية. وهكذا يتراكم الغضب الشعبي حتى يصل لمرحلة الانفجار كما شهدنا في دول الربيع العربي. ليس كل من خرج في ميادين التغيير والتحرير طالب سلطة. الناس هناك فقدت كل أمل وبمجرد أن كسرت حاجز الخوف حدث الانفجار. المخيف الآن أن تتحول الشعوب الغاضبة إلى شعوب جائعة. وهذا حتمال وارد كما نشهد في اليمن اليوم. ا الانشغال بألاعيب السياسة على حساب التنمية الشاملة يقود إلى كوارث خطيرة. والتنمية إن لم تعنِ، من ضمن معانيها الكبيرة، نظرة علمية وعملية للمستقبل، نبقى ندور في مناطق الخطر. من يفكر فقط في اليوم يخسر المستقبل. ومن يخطط فقط ليومه ويعيش وفق المثل…
الأربعاء ٢٠ يونيو ٢٠١٢
قبل أمس، خلال فعاليات قمة (ريو + 20) المنعقدة حالياً في البرازيل، رأيت رئيس كوريا الجنوبية يستقل سيارة كورية الصنع من نوع هيونداي. وكانت وسائل الإعلام الحاضرة في المكان تلتقط صوره وهو يغادر الفندق إلى مقر القمة. وفي كل لقطة للرئيس، وهو يستقل سيارة من صنع بلاده، رسالة مهمة، يعنيها الرئيس، عن بلاده. فمثلما أبهرت كوريا العالم كله بنموها الاقتصادي المتسارع -التي أطلق عليها بسببه المعجزة الشرق آسيوية- ستبهر صناعة السيارات الكورية العالم وهي تسحب البساط من تحت أقدام نجوم الصناعة العالميين ممن سبقوا كوريا بعشرات السنين. بل إنها اليوم منافس عالمي قوي حيث تنتج سنوياً أربعة ملايين سيارة. الكوريون -بدءاً برئيسهم- يفاخرون اليوم بصناعتهم التي تحتل موقع المنافس العالمي وإلا لما نجحت كوريا الجنوبية أن تصبح في قائمة الأقوى اقتصادياً وفي وقت وجيز. إلى عهد قريب، كانت السيارة الكورية كثيرة المشكلات، رخيصة السعر، وكأنها سيارة من لا يقوى على شراء سيارة. تعلم صناع السيارات الكورية من أخطائهم وصاروا -في السوق العالمية- رقماً مهماً ينافس بجدارة في صناعة السيارات العالمية. الإيمان العميق والعمل الجاد كفيلان بالوصول للمراكز المتقدمة. وذلك مبدأ ينطلق من الفرد إلى الأمة. ونمو كوريا الجنوبية الاقتصادي كان من ثمار انفتاحها الذكي على العالم عكس جارتها الشمالية التي تخزن الأسلحة وتخطط لبناء السلاح المدمر فيما المجاعة تهدد شعبها.…
الأربعاء ٢٠ يونيو ٢٠١٢
التنمية المستدامة هي صمام أمان لاستقرار الدول. والتنمية، بمفهومها الشامل، منظومة متكاملة من القيم والمفاهيم يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي بالاقتصادي. فلا تنمية حقيقية مع الفساد. ولا إبداع في الاقتصاد تحت مظلة الاستبداد. ولهذا، وعبر حوارات طويلة شهدتها فعاليات قمة (ريو + 20) التي اختتمت أعمالها قبل أمس في ريود وجانيرو، كانت «التنمية المستدامة» محوراً أساسياً في النقاش والمداولات. لا يمكننا اختزال المصطلح في جانب بيئي أو اقتصادي وإغفال الجوانب الأخرى مثل مكافحة الفساد ورعاية حقوق الإنسان وحق التعبير. وما قصة دول «الربيع العربي» إلا نتيجة -من ضمن مشكلات أخرى- لغلبة الإنفاق على الجهاز الأمني على الإنفاق في قطاعات التعليم والثقافة والصحة والبنى التحتية. فهل أحرق البوعزيزي نفسه احتجاجاً على استمرار بن علي في حكم تونس لأكثر من عقدين؟ وهل فعلاً قامت الثورات في العالم العربي لأن العرب استيقظوا فجأة واكتشفوا توقهم للديموقراطية وصناديق الاقتراع؟ صحيح أن حق الناس في اختيار من يمثلها واختيار طريقة الحكم في وطنها ضمن مبادئ التنمية المستدامة التي نتحدث عنها في هذه القمة. لكن ما فائدة الديموقراطية إن لم تأت بتنمية حقيقية؟ وبالمقابل: أي تنمية ستتحقق إن لم تكن الناس راضية عن آلية الحكم وأساليب اختيارها؟ دعك الآن من هكذا حوار. إنه حوار نخب لا تقوى على شيء خارج دائرة التنظير. الشباب، وهم الغالبية، أدركوا سرَّ…