الإثنين ١٨ أكتوبر ٢٠٢١
كنت أقلِّب جهاز التلفزيون الذي أحب دائماً أن استخدم ماركة واحدة منه في كل البيوت، لكي لا أتخربط في برمجته، وليكون فعلاً روتينياً لا معقداً، لذا أكره ما أكرهه أن يأتي أحد غريب ويعبث بجهاز التلفزيون، لأني قليل الحيلة مع أكثر من جهاز تحكم؛ واحد للتلفزيون، وواحد للمستقبل الهوائي، وواحد آخر لنظام مكبرات الصوت، يأتي الفني ويلخص لك الأمور، ويبرمج لك القنوات المفضلة، والقنوات ذات الاهتمام، وأخيراً القنوات العامة، لكن الشغّالة وهي تنظف البيت تخلع قابس التلفزيون من المقبس، وتضع محله قابس المكنسة الكهربائية استسهالاً، وهي لا تدري أنها غيّرت كل شيء ذلك اليوم، أو يأتي ضيف، ويظل يقلّب في تلك القنوات، بحثاً عن نشرة الأخبار، فيخطف على تلك البرمجة المنظمة، والتي لا تحتاج إلى عناء، فقط بأزرار قليلة ومعروفة، وفي دقائق إذا بك تتفرج على ذلك الصندوق الذي ينقل لك الدنيا، مسترخياً على كرسيك الوثير، لكن تلك الجلسة لا يعكرها سوى أن يأتي أحد ويعبث بأزرار تلفزيونك، وعليك إعادة برمجته من جديد، لعلها حالة يشترك فيها الكثير، وهي تشبه حالة أن يركب أحد سيارتك، وخاصة الحرمة، فتغير نظام مقعدك، وتلصقه في المقود، وحين تهم أنت بالركوب لابد وأن تسبَّ، وإذا ما تذكرت أنها فعلة الحرمة تسبُّ وتغضب وتحلف. المهم تلك المقدمة الطويلة هي للاستهلال والاستدراك، لأني كل مرة أتوقف…
الأحد ١٧ أكتوبر ٢٠٢١
ــ بعض المدح من أشخاص تسيّرهم المصلحة والمنفعة، سالكين طريق الرياء والنفاق، يكون أشد من الذم، لأنه يفتح أبواباً للمتنطعين والحاسدين والأعداء للطعن، وكَيل الأذى والشتم، لذا لا نريد من بعض الجهلاء أن يثقلوا علينا بمدحهم الساذج الذي لا يأتي من ورائه غير البلاء، فيكون أشبه بالقدح والذم. ــ بعض المدح يأتي من أشخاص لا نعرفهم، ولا نعرف عنهم، ولم نطلب مدحهم، لأن قيمة المادح من قيمة الممدوح، فلا يصح أن يكون الممدوح صادقاً، والمادح كذّاباً. ــ بعض المدح إن لم يكن في محله، وفي وقته، ويتناسب وقامة الممدوح، عُدّ من هذر الكلام، وكَيل المديح الذي يترفع عنه الممدوح، لعلّة في المديح، وعلّة في المدّاح. ــ بعض المديح لا تشتريه، ولا تشتري قائله بمثقال حبة خردل، ولا يساوي كلمة شكر، لأنك إن شكرته ربّيت في نفسه غطرسة الكذب، وافتراء البهتان، والقول في الناس بما لا فيهم. ــ يقول مولانا جلال الدين الرومي: «كل عين تراك، على قدر حبها لك»، ما عدا المدّاح الذي تزوَرُّ عينه عنك إن قل العطاء أو وجد طريقاً أسهل لممدوح بعيد أو ممدوح يجاهر بعداوتك. ــ بعض المديح الساذج، والمبالغ فيه، والذي تشم فيه رائحة الكذب البائت، هو طريق عَبّدَه الشيطان لعبور مريديه واتباعه والغافلين عن ذكر الله. ــ كل إنسان يطرب للمدح الصادق، بقدر نفوره…
الإثنين ٠٤ أكتوبر ٢٠٢١
هناك أشخاص يليق أن نطلق عليهم الآباء الأوصياء أو «الأخ الأكبر» بالمصطلح الإنجليزي، والذي لا عمل له ولا مشغلة، إلا مراقبتك، وكيل وصايا لك وتعاليمه، مثل هؤلاء الناس لا مهنة لهم إلا تذكير الناس ببدهيات يدركونها، وبأشياء قد لا تكون غائبة عن بالهم، مهمتهم في الحياة حراسة ذاكرة الجماعة، فالشخص من هؤلاء إذا ما سافر مع مجموعة ينصب نفسه مسؤولاً مباشراً عن ذاكرتهم، ولا تعرف هل هو الخوف على نفسه من النسيان هو السبب؟ أم أنه الحرص الزائد لكي تسير الأمور كما ينبغي، فلا تكون هناك عرقلة أو تعثر أو خسارة أو مشكلة من المشكلات. أول مهامه هو تذكير جماعته المسافرة معه بجوازات السفر: «لا تنسوا جوازاتكم، أقول لكم: «كل واحد جوازه عنده أو أحسن حطّوها كلها عندي أسلم واضمن، مب نروح المطار، وإلا في نصف الطريق، والله نسيت جوازي أو «أجّلت» على الحرمه تحطه لي في الشنطة، تراها تصير دوم مع ربعنا، ونتَمّ على أعصابنا، محتاسين، ونرجع مسرعين بسياراتنا نسابق الطريق أو تفوتنا الطيارة». وإذا ما نسي قليلاً جوازات السفر، انتقل لحقائب السفر، والتي تصبح مثل أصغر عياله «يحاتيها»، ويخاف عليها الضياع، ويخاف أن تسير لقبلة أخرى، ولا ندري ما هي قصته مع أفريقيا والأفريقيين، دائماً ما يُذكرنا: «إن ضاعت شنطكم، والله ما تلقونها إلا في نيجيريا أو غينيا…
الثلاثاء ٣١ أغسطس ٢٠٢١
هل المال هو المحبوب؟ أم ما يخلقه ويخلفه المال من قوة، وسيطرة، وبسط نفوذ؟ وذلك الشعور الذي يجعل مالكه مالك ظهر الدنيا وما عليها في الفهم الخاطئ لدى بعضهم، هذا ما أرجعني إليه إعادة مشاهدة أفلام «وول ستريت»، حيث كان الإدهاش الأول عام 1987 حينما عرض المخرج الأميركي المشاغب والمميز، «أوليفر ستون» - فاز بثلاث جوائز أوسكار، اثنتان على الإخراج، وواحدة على السيناريو- فيلمه «وول ستريت» شارع المال والأعمال في نيويورك الذي يجمع أكبر المؤسسات المصرفية في العالم، والذي كان في السابق مقراً للحكومة الأميركية والكونغرس، ورئيس الجمهورية، وفيه انتخب جورج واشنطن أول رئيس لأميركا، والسبب في تسميته بـ «وول ستريت» يعود إلى النزاع الناشب بين الهولنديين والإنجليز آنذاك - حينما كانت أميركا مستعمرة- على إدارة السلطة في نيويورك، وكان هذا الشارع في القسم التابع إلى السلطة الهولندية، ولكي يتجنبوا الهجوم الإنجليزي عليهم بنوا هذا السور ليحميهم من غزواتهم، فسُمي فيما بعد بشارع السور. في ذلك الفيلم نال بطله «مايكل دوغلاس» حينها جائزة الأوسكار عن أدائه دور «غوردن جيكو» الجشع، والذي كان يعد الجشع نوعاً من النجاح، وشيئاً حسناً في الحياة، وعاد المخرج عام 2010 وأخرج جزءاً آخر من «وول ستريت» وهذه المرة يحمل شعار «المال لا ينام أبداً أو لا يغمض له جفن»، وبنفس بطله الذي أصيب بسرطان الحنجرة،…
الأربعاء ١١ أغسطس ٢٠٢١
هي أسئلة أو مطبات «أولمبية»، لا يخصها بأننا خرجنا من الأولمبياد خالي الوفاض، هي للمتعة، وليس مهماً أن نجد لها جواباً، فأحياناً متعة السؤال أبلغ من مفردات الجواب المتعثر: - كأن تكون زوجتك سبّاحة «أولمبية»، وأنت تَفْرَق من البحر، وتغرق في «شبر ميّه» - على رأي إخواننا المصريين- أو تكون زوجتك من الراميات، تلاعب القوس والسهم، وتعرف كيف تصيب كبد الحقيقة، وأنت في الرماية من جماعة «يا رب تجي في عينه» أو تكون من غير ربات الحجال من القناصات اللاتي يخطفن الرصاصة وراء الرصاصة من معالي أذانهن، وهي خبر خير، وأنت لا تعرف إن كانت للبندقية سبطانة، وإن عرفت فلا يمكنك أن تجدها بسهولة، وطلقة الـ «شوزن» يمكن أن تخلع كتفك، بصراحة إحراج كبير للرجولة المفتعلة، وأصحاب «البندق» الذي أصبح في أيدٍ ناعمة تلاعبه، لا تنقصها إلا «اليوله»! - لماذا زوجات مشاهير الفن والرياضة والسياسة يصبحن زوجات شهيرات؟ وتجد الناس جميعهم متطوعين للدفاع عنهن ضد أزواجهن، حتى لو كان الحق عليهن، وكأنهن من عظام الرقبة، الأمير «تشارلز» مثال جليّ على الحالة، لقد ظل الناس ضده على الدوام حينما كانت «ديانا»، ولم يتعاطفوا معه إلا حينما اقترن بـ «كاميليا»، «كلينتون» كان الجميع ضده ومع «هيلاري» حتى توزرت وكشرت عن أنيابها، لم تشذ عن القاعدة إلا «فيكتوريا» زوجة «بيكهام» و«شاكيرا» زوجة «بيكيه»…
الإثنين ٠٢ أغسطس ٢٠٢١
بعض المدن والجزر التي يكون لها ذكر في التاريخ القديم، تظلمها الجغرافيا في وقتها الراهن ويتناساها التاريخ، منها هذه الأماكن العربية التي كانت لها شَنّة ورَنّة في الماضي، وغابت في الحاضر، جزيرة سُقَطّرى، وهي أرخبيل مكون من ست جزر، في المحيط الهندي، مساحتها تقريباً 3800كم مربع، وطول شواطئها 300 كم، وسكانها يربون على 175 ألف نسمة، كانت قديماً تسمى جزر السعادة، وتعد من الأماكن المقدسة لأنها تصدر العطور والبخور واللبان، والتي كانت تستخدم في المعابد ودور العبادة، وكانت مرتبطة بطقوس السحر والصلوات عند الشعوب المختلفة، موقعها قبالة القرن الأفريقي، وعلى خاصرة الجزيرة العربية أعطاها موقعاً استراتيجياً مميزاً للمرور والعبور وتبادل التجارة والبضائع، إضافة إلى ما تميز به سكانها من روح المغامرة والأسفار. اليوم وخلال زمن النسيان لهذا الأرخبيل العربي، وتجاهل من جانب الكثير من الدول العربية التي تشكو نفسها لنفسها أو تشكو مسؤوليها لما حلّ بها وبالمساعدات التي تقدم لها بين ما هو متصرف لمتطلبات شخصية «ضرورية»، وما هو متصرف للأمور العامة «الثانوية»، تقوّم الإمارات متبرعة، ووفق نهج عربي وقومي وأخلاقي وديني تجاه «سُقَطرى» وسكانها منذ سنوات ببث روح جديدة فيها من خلال المساعدات الإنسانية المختلفة، وجهود النماء والعمران في المرافق العامة التي تفتقر لأهم المقومات في هذا الأرخبيل العربي، فقامت ببناء مستشفى ومستوصفات ومراكز طبية ميدانية لتقديم أهم ما…
الثلاثاء ٢٧ يوليو ٢٠٢١
- هذا صباحك يا تونس.. وهذه تباشيره، فكيف ما وليت فَثَمّ وجه للحرية، وثَمّ نور يغمر محياك، وثَم معنى للحياة، ومعنى للسرور، ومعنى لدوام الحبور، ومعنى لشتائك القادم، ولصيفك المولي، ولخريفك المقبل والبارد باستحياء هذا العام.. وكل عام، دفء الوطن السعيد والأخضر على الدوام، ولن يقدروا أن يحجِبوه أو يحجّبوه إخوان أو أعوان أو طيور الظلام، لقد وصلت الأمور في هذا البلد العربي الذي لا يستحق إلا كل الخير، ولو أن يُصار إلى قرار وطني تونسي تاريخي، باتر فاصل، فإما تونس والتونسيون والوطن الذي يريدون، وإمّا الضياع. - هذا نهارك يا تونس، ونهار كل من مروا ووقفوا لعثمانيين وفرنسيين ومستوطنين، ولكل الخيارات الوطنية الخائبة، ميزة هذا البلد أنه دائماً يفعل الفتيل، ويصنع الفرق، وليس مثل هذا الوقت الدقيق الذي يغلي عليه الناس في تخبصات سياسية واقتصادية ومحن وكوارث صحية تكاد تزلزل كيان الدولة، والمتخاصمون والغرماء لا هم لهم إلا ما تكسب أيديهم. تحية لمن ذهبوا بأكفانهم، لا فرق إن قالوا: مات محترقاً، وفي رواية قالوا: مات محروقاً، ومن سار طلباً لدمه ودمهم قالوا: نشهد أنه شهيد، انتفض واعظ السلطان ومفتي الديار، وبعد أن قبّل اليد العليا، قال: لا تجوز الصلاة عليه، ولا يدفن في مقابر الصالحين، فقد عجّل بحياته بموت بالنار في الدنيا، وسيصلى جحيماً في الآخرة، لم يصدق الناس…
الأحد ١١ يوليو ٢٠٢١
علينا أن نتوخى الحذر، ولا ننصاع لما يريد لنا البعض أن نكون عليه من درجة عالية للحساسية والتوتر الشديد، ولا لما يسعى البعض إلى أن يقولبنا فيه، لأنه يبغضنا أو يبغض ما نحن عليه من نجاح أو أقلها ليبرر فشله هو في غمط حق الآخرين في التحليق، علينا أن ندرك أننا لسنا مثاليين، ولا ينبغي لأحد ذلك، لكننا نسعى للمثالية ما استطعنا، وهذا ليس بعيب أو نقيصة أو مثلبة، هو هذا مسلك العارفين، المؤمنين، والناجحين، والمبتلين في الحياة، وحدهم المبغضون أعداء النجاح، والجهلاء ممن لا يدركون أن الجمال في الحياة يصنع السعادة، ويصنع الفرح، أقول هذا بعد أن رأيت وأرى من ذلك الانسياق أو انزلاق البعض من أخوتنا المواطنين نحو طريق ضيق لزج يحاول الكثيرون جرهم نحوه دون وعي، فينبرون مدافعين وبشراسة، وأحياناً بتسرع وجهل في المعلومة عن قضية ما مثارة على وسائط التواصل الاجتماعي التي بلا مسؤولية أخلاقية، ولا حرّاس بوابة إعلامية، ولا ميثاق شرف إعلامي، وتخص هذه القضية أو المسألة الإمارات من قريب أو بعيد، فنلاحظ ذلك الاندفاع للدفاع غير المدروس من قبل مواطنينا، فيقعون في المحظور، وكأننا شعب قابل للكسر، مثال بسيط لأقرّب الفكرة للأذهان، الإمارات خطت خطوات سريعة وبتخطيط بعيد، وبتأهيل كوادر مواطنة وعربية نابغة، وبرصد أموال طائلة للوصول للمريخ، ونجحنا، هذا النجاح بالتأكيد لن يعجب…
الثلاثاء ٢٩ يونيو ٢٠٢١
ليس أجمل من ذلك التكريم الذي يقرع بابك، وتخرج لتفتح له من دون أن تتعكز على عصا خريف العمر، جميلة ولو كانت وردة واحدة على شباك المبدع والمختلف والوطني والعامل بصدق، بدلاً من إكليل ورد يودع بتراخٍ على شاهد قبره، سرعان ما يذوي من الوحشة والشمس الحارقة، ما أجمل أن نتذكر، ونذكر، ونقول شكراً لأناس كثر، هنا.. وهناك! ما أجمل أن تكون تلك الكلمة مغلفة بعلم الوطن، كوسام أو قلادة تستقر على الصدر، محاذية جهة الشمال، هناك حيث خفق القلب عاملاً، وفاعلاً من أجل الناس والوطن! جميل أن نفرح بتكريم رواد عملوا بصمت، وأخلصوا، واتخذوا دور المبادر، وأنجحوا أفكاراً كانت هائمة في الطرقات، وأصلحوا نفوساً كانت تتجاذبها الأهواء، وشقوا لنا طريقاً في البحر يبساً، وقالوا لنا: اعبروا باتجاه أحلامنا.. باتجاه أحلامكم، نقول لهم في حياتهم، لا بعد مماتهم: نحن نتذكركم، ولم ننسكم، فشكراً.. فتكريمكم، تشريف وشرف لنا! هذا التكريم الذي يمكن أن يشبه قطرة ماء بارد في حرقة العطش، يمكن أن يكون بمثابة يدٍ حانية تربّت على كتفك حين شدة التعب، يمكن أن يكون كنشيد الوطن حين يرعد الجسد، ويلبسك حلة من الكبرياء، وتاجاً من ظفر، التكريم يمكنه أن يكون كجناحي ملاك يعضدانك حين تخور بك القوى، وأقدام الرحيل، يكفي أن التكريم من التكرم والكرم، والتفضل والفضل، لكن لا تفاضل…
الأربعاء ٢٣ يونيو ٢٠٢١
ورقة ترفعك أيها الإنسان لعالي الشأن، ورقة تودي بك إلى داهية الدواهي، ورقة تدخل الحظ والنصيب في حياتك، وربما السعادة إلى نفسك، ورقة تجرجرك إلى المحاكم والسجون، ورقة زواج تدخلك القفص الذهبي، وورقة طلاق تسحب منك ما خبأته للأيام، لتدفعه للأيام وما خبأته لك، ورقة تدفعها الواسطة والرشوة، وورقة تعطلها المحسوبية والفساد، ورقة جديدة لامعة، ورقة قديمة منطفئة، غدونا وغدا عالمنا كله من ورق تختصر حياتنا. قبل الورق لم يعرف الإنسان التدوين والحفظ الحقيقي، كانت فقط الجدران والرقع الجلدية والصخور والعظام.. وما أقساها من كتابة، إلى أن اهتدى إلى الشجر ولحائه والأغصان العريضة وورق البردي، وبدأ في أذى الطبيعة. من يومها والورق يحكم ويتحكم في حياة الناس، ويسيّر معاملاتهم وإجراءاتهم، ويسجل ما تعجز عنه ذاكرتهم، هذا الورق حفظ أشياء كثيرة وثمينة، بدءاً من النص الديني وانتهاءً بحسابات البيدر، بدا الذي لم يكن بحاجة إلى تدوين في الزمن القديم، اليوم هو من أولى الأمور، ارتاحت الصدور وما تحفظ، والعقول وما تتذكر، والسبب اختراع إنساني هائل هو الورق. ورقة أجندة للتواريخ والمواعيد، ورقة الهدية التي ستفرح قلب شخص ما، ورقة نوتة موسيقية هي جزء من عطر الحياة وسمو الروح، ورقة رسائل تصلك، وورقة رسالة تبعثها إلى أصدقاء ومعارف وأناس جمعتك الحياة بهم في يوم ما، طوابع على ورق، أو ورقة طوابع، تلك…
السبت ١٩ يونيو ٢٠٢١
من بين مدن وقرى ومسقط رؤوس الكتّاب والشعراء والفنانين الكثيرة التي زرتها في العالم، متقصداً الزيارة، ومتأسفاً إن لم تتم، قرية «بْشِرّي» في شمال لبنان على جبل «المكمل»، ووادي «قاديشا» أو القديسين، مسقط رأس شاعرها وفنانها «جبران خليل جبران»، قرية يحفها الهدوء والطمأنينة الدينية، فهي بلدة خمسة من القديسين، وفيها غابة «أرز الرب»، تتعمم بالثلج شتاء، فيضفي عليها وقار المؤمنين، زرت مدينة طنجة العالية، تقصياً لأثر ابنها الرحالة «ابن بطوطة» وقبره الذي يتخذ ركناً قصيّاً من درب بيوت الناس البسطاء، وسوقهم الشعبي، وفي زنقة ابن بطوطة يرقد ذلك الرحالة بين ضجيج ذلك الحي الفقير، ضريحه مهمل، وكل ما حوله يسوده الازدراء، وعدم الاهتمام والنظافة، كما زرت في مدينة توزر التونسية بيت الشاعر «أبو القاسم الشابي» الذي هدم مؤخراً بعد تنازع الورثة عليه، وعدم تدخل الحكومة في الحفاظ على إرث جميل كان حرّياً به أن يتحول إلى متحف، بدلاً من ذلك المتحف الهزيل الذي له، والذي فيه ما تبقى من أشيائه ومخطوطاته وأثاثه، غير أن الأمور في المدن الأوروبية التي تضم بيوت كتّابها وأدبائها وفنانيها مختلفة ومقدرة، حيث تجد البيوت مصونة، ومحافظاً على طابعها وحتى ألوانها وأثاثها، وتجلى لي هذا حين زرت بيت شاعر ألمانيا الكبير «غوته» في فرانكفورت، والذي بدا لي أنه أشبه بمتحف مصغر فيه كل ما يخص هذا…
الإثنين ٠٧ يونيو ٢٠٢١
حتى لو تشافت وتعافت المجتمعات البشرية من ذلك الوباء الذي حلّ بها أو بمستوطناتها مؤخراً، أعتقد أن هناك أموراً قد تتغير لدى الكثير من الناس، وأن هناك ثوابت في هذه المجتمعات قد تتزحزح من مكانها، إما أن تحلّ مكانها بدائل تسد ذاك الفراغ أو يكتشف الإنسان طريقة تعويضية ومبتكرة عنها، وأول هذه الثوابت طريقة السلام والتحية عند الشعوب المختلفة، فالفرنسيون الذين كانوا يصرّون على القبلات الثلاث على الخدود، خاصة مع الجنس الناعم، كطريقة يومية في حياتهم، عند اللقاء وعند الوداع، ربما يتناقص العدد، وربما يكتفون بالسلام الناشف، وقبلات الهواء التي لا تغني ولا تسمن من جوع المحبة، وربما يعودون لطريقة السلام في مجتمعاتهم الارستقراطية في القرون الماضية بتقبيل أيدي النساء والمهمين الذين كانوا يلبسون قفازات مخملية معطرة، أما نحن والشعب النيوزيلاندي، فاعتقد جازماً أن «الموايَهة بالخشوم» ستختفي تدريجياً نحو شيّء أكثر بساطة، خاصة وأن سبب الاختفاء ليس «كوفيد»، ولكن ظروف فرض الكمامة على الأنف التي ربما تكون عائقاً نحو تحقيق الدفء من السلام، والغاية من التعبير عن المحبة. أما الشعوب التي تحب التلاحم بالأحضان وبشدة وقوة حتى يكاد أن يتفشع صدر الواحد منهم، وتسمع صرير عظام قفصه الصدري، كما يحدث عند الشعب الأفغاني المحارب على الدوام، هؤلاء الأفغان الشجعان قد يتخلون عن تلك العادة، ليس بسبب «كوفيد -19» الذي بالتأكيد…