ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

في معاني فلسفة الرزق

آراء

هل يعد الحظ جزءاً من فلسفة الرزق؟ إذا كنّا لا ندرك الكثير عن الرزق فإننا بالتالي لا نستطيع أن نعَرّف الحظ، ولا ما هو مكمن مصدره، هل هو من الغيب أم من لعبة الحياة؟ لذا تصعب التفرقة بينهما أحياناً، لأنهما يتداخلان ويشتركان في تقاطعات كثيرة، والرزق ليس بالضرورة هو المال الفائض عن الحاجة أو الأملاك والممتلكات، قد يكون الرزق أمراً يعده الكثيرون أنه من مستحقات حياتهم التي يعيشون، لكن هو في حقيقته الرزق بعينه، فالسعادة لا يمكن إلا أن تكون رزقاً وخيراً وفيراً، والصحة هي أجمل الأرزاق على الإطلاق، زينة الحياة الدنيا هم أرزاق مقسمة، لا يشعر بمرارة عدم وجودهم إلا من حرم من لذة طعم الأبناء، العلم لا يناله إلا المرزوقون أو المحظوظون، ويمكننا أن نعدد أنواع الأرزاق التي يمكن أن نتلقاها، ولا نتخيل حياتنا بدونها، لكنْ قليل منا الصبور الشكور، وجود صديق مخلص من نعم الرزق، العمل رزق بغض النظر عما نتقاضاه منه، لأن العمل يشعرك بقيمة وجودك، والعمل مصدر عيشك، وفرح بيتك، والعمل ضد الموت البطيء، لذا تجد في العمل كل الرزق وآفاق الخير، الاختيار رزق أيضاً، لأن معرفة الاختيار، ومسؤوليته لا يدركها إلا المصطفون الأخيار، كون الاختيار هو الميزة الوحيدة التي منحها الله للإنسان دون غيره من المخلوقات، غير أن معرفته تتطلب رزق الحكمة، ورزق المعرفة، ورزق الاجتهاد ليكتمل الثالوث المؤدي للاختيار المسؤول، وهذا لا يتأتى لكل إنسان، لأنه يعد من الأرزاق. الحرية هي من مقسمات الأرزاق، وليس لطعمها شبيه أو مثيل، ولعلنا نختم موضوع فلسفة الرزق ومعانيه بتلك الحكاية الشعبية الموروثة في أدبنا الشفاهي، والتي يمثلها القول التالي:

دنياك يوم أقبلت يت بشعرة تنقادي

ويوم أدبرت سلاسل قطعت ما فادي

وقصة هذا القول أن هناك غواصاً كان على ظهر سفينة غوص زمن البحث عن اللؤلؤ، وقد غم عليهم الوقت قبل القفال، وفي آخر محاولاته غاص وغاص لكنه لم يظهر بشيء، وحين نبر وجلس على ظهر السفينة ينشف جسمه ووجهه من ماء البحر المالح، وجد محارة لاصقة في شعر لحيته الكثة، ففلق المحارة، ووجد فيها دانة غالية، فأخفاها عن النوخذة، واستأثر بها لنفسه، ليبيعها، ويصبح من الأغنياء، فيقرر أن يصنع سفينة خاصة به للغوص، ويستأجر الغواصين والسيوب منتقلاً من مهنة الغواص إلى النوخذة، لكن وبعد بناء السفينة وتجهيزها للنزول إلى البحر في رحلتها الأولى، وهي ما زالت مربوطة بسلاسل الحديد، هبّت عاصفة قوية قلعت سلاسل الحديد فتحطمت السفينة الخشبية، وغدت لائثة على السيف حطاماً، لذا صيغت تلك الحكمة كبيت شعري في كثير من القصائد:ا

يت بشعره تنقادي دنيا يوم اقبلت

ويوم ادبرت مافادي سلاسل قطعت

فسبحان الرزاق المعطي بلا حساب، رازق الطير التي تغدو خماصاً وتروح بطاناً، ورازق الناس في العموم، ومصطفي بعضهم في الخصوص.

المصدر: الاتحاد