ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

المال غاية.. والسيطرة هدف

آراء

هل المال هو المحبوب؟ أم ما يخلقه ويخلفه المال من قوة، وسيطرة، وبسط نفوذ؟ وذلك الشعور الذي يجعل مالكه مالك ظهر الدنيا وما عليها في الفهم الخاطئ لدى بعضهم، هذا ما أرجعني إليه إعادة مشاهدة أفلام «وول ستريت»، حيث كان الإدهاش الأول عام 1987 حينما عرض المخرج الأميركي المشاغب والمميز، «أوليفر ستون» – فاز بثلاث جوائز أوسكار، اثنتان على الإخراج، وواحدة على السيناريو- فيلمه «وول ستريت» شارع المال والأعمال في نيويورك الذي يجمع أكبر المؤسسات المصرفية في العالم، والذي كان في السابق مقراً للحكومة الأميركية والكونغرس، ورئيس الجمهورية، وفيه انتخب جورج واشنطن أول رئيس لأميركا، والسبب في تسميته بـ «وول ستريت» يعود إلى النزاع الناشب بين الهولنديين والإنجليز آنذاك – حينما كانت أميركا مستعمرة- على إدارة السلطة في نيويورك، وكان هذا الشارع في القسم التابع إلى السلطة الهولندية، ولكي يتجنبوا الهجوم الإنجليزي عليهم بنوا هذا السور ليحميهم من غزواتهم، فسُمي فيما بعد بشارع السور.

في ذلك الفيلم نال بطله «مايكل دوغلاس» حينها جائزة الأوسكار عن أدائه دور «غوردن جيكو» الجشع، والذي كان يعد الجشع نوعاً من النجاح، وشيئاً حسناً في الحياة، وعاد المخرج عام 2010 وأخرج جزءاً آخر من «وول ستريت» وهذه المرة يحمل شعار «المال لا ينام أبداً أو لا يغمض له جفن»، وبنفس بطله الذي أصيب بسرطان الحنجرة، وخرج منه بفضل دعم أسرته، وزوجته الممثلة «زيتا جونز» وأولاده.

في هذا الجزء تطرح قضية الانهيار المالي والأزمة الاقتصادية العالمية التي رجت الدنيا عام 2008، وظهر ما كان ينادي به «أوليفر ستون» في فيلمه الأول: بانعدام الأخلاق الإنسانية في التعامل الاقتصادي، والذي يمكن أن يجعل أي نظام ينهار حين يعمل أشرار المال بمقدرات الناس البسطاء، ويغوونهم إلى مستنقع الاستدانة والاستهلاك، وحين يحلون مكان المفكرين والمبدعين الذين كانوا على مدار التاريخ يحاولون أن يخلقوا نوعاً جميلاً من التوازن بين الخير والشر، وبين الإنسان والطبيعة عبر المذاهب الفكرية والنظريات الفلسفية التي قامت عليها الحياة وضوابطها وقوانينها ومناهجها.

من هذا الفيلم بجزئيه يمكننا أن نخرج فنياً بميزة الحوار المدهش والعميق، والذي يصعد بالأحداث الدرامية مع تقديم حكمة خفية للمتسارعين واللاهثين، والذين تقودهم حمى المال في تحطيم قيم إنسانية نبيلة أرستها أديان سماوية وتعاليم لحكماء من شعوب مختلفة، كانت مهمتها الانحياز لجانب الإنسان والخير والحق والجمال، مع أداء تمثيلي رائع لكل العاملين في الفيلم بإدارة المايسترو «أوليفر ستون»، ويمكننا أيضاً بعد الخروج من مشاهدته أن نتجادل فلسفياً مع أنفسنا ومع الغير في مسألة المال والحياة والسعادة، وهل يمكننا أن نخرس صوت المال الأجش المتنامي في النفس؟ وهل يغلب المال العقل، ويسيّره نحو الخراب الذي يعرفه، ويقبل بالغواية المسكوت عنها؟ وهل هناك حدود للشَرَه البشري؟ ما هي الأشياء التي يعجز المال بسطوته الجبارة أن يجلبها؟ صفقوا لهذا الفيلم، ولهذا المخرج المثقف الذي لا يقول أي شيء جزافاً، وكذلك لمخرج آخر عبقري هو «مارتن سكورسيزي»، وممثل استثنائي هو «دي كابريو» في فيلمهما الرائع الذي أُنتج عام 2013 «ذئب وول ستريت».

المصدر: الاتحاد