ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

صاحب الوصايا العشر

آراء

هناك أشخاص يليق أن نطلق عليهم الآباء الأوصياء أو «الأخ الأكبر» بالمصطلح الإنجليزي، والذي لا عمل له ولا مشغلة، إلا مراقبتك، وكيل وصايا لك وتعاليمه، مثل هؤلاء الناس لا مهنة لهم إلا تذكير الناس ببدهيات يدركونها، وبأشياء قد لا تكون غائبة عن بالهم، مهمتهم في الحياة حراسة ذاكرة الجماعة، فالشخص من هؤلاء إذا ما سافر مع مجموعة ينصب نفسه مسؤولاً مباشراً عن ذاكرتهم، ولا تعرف هل هو الخوف على نفسه من النسيان هو السبب؟ أم أنه الحرص الزائد لكي تسير الأمور كما ينبغي، فلا تكون هناك عرقلة أو تعثر أو خسارة أو مشكلة من المشكلات.

أول مهامه هو تذكير جماعته المسافرة معه بجوازات السفر: «لا تنسوا جوازاتكم، أقول لكم: «كل واحد جوازه عنده أو أحسن حطّوها كلها عندي أسلم واضمن، مب نروح المطار، وإلا في نصف الطريق، والله نسيت جوازي أو «أجّلت» على الحرمه تحطه لي في الشنطة، تراها تصير دوم مع ربعنا، ونتَمّ على أعصابنا، محتاسين، ونرجع مسرعين بسياراتنا نسابق الطريق أو تفوتنا الطيارة».

وإذا ما نسي قليلاً جوازات السفر، انتقل لحقائب السفر، والتي تصبح مثل أصغر عياله «يحاتيها»، ويخاف عليها الضياع، ويخاف أن تسير لقبلة أخرى، ولا ندري ما هي قصته مع أفريقيا والأفريقيين، دائماً ما يُذكرنا: «إن ضاعت شنطكم، والله ما تلقونها إلا في نيجيريا أو غينيا بيساو، يعني وين أبليس ملَتّه عياله».

ينتقل صاحبنا من هَمّ الجوازات إلى هَم الحقائب إلى هَمّ الفلوس، وهي تحل في المرتبة الثانية بعد الجوازات في أهمية الضياع، والتيه، والغربلة، والعثرة التي بلا آخر: «حطّوا فلوسكم في مكان أمين، ولا تشلّون وياكم أكثر من حاجتكم، تشوف مخبأ الواحد منكم تقول غز سحّ، خزنة الغرفة ما تفيد، ترا اللي يكشبنّ الغرفة خاصة الأفريقيات بيلطمن غوازيكم، خلّوا فلوسكم في صندوق أمانات الفندق أضمن، وآه.. ها تشلّون وياكم أكثر من عشرة آلاف يورو، وأنتم سايرين أوروبا، وتخطفون عند الجمارك مشرّقين، جنكم خبر خير، تراهم بيغرمونكم، وإلا بيصادرونها، وانتم ما لاقينها لايثة، تراكم ضاربين فيها بخْصْيّن وكَبّ»!

ويظل صاحبنا يهيل من نصائحه، وتذكيره ووصاياه، وكأنها لتلاميذ غير نجباء: «تذخروا بثياب غلاظ، ولا تلبسون كشمه مقَلِّدَة، تراهم في أوروبا يغرمون، وبيأخذون قيمة النظارة الأصلية منك، وبيكسرون المقَلِّدة قدامك، ولا تتميلحون يوم تشوفون حريم الغربتيه، ترا عندهم عطران الشوارب صدق، واللي زنده يمشي عليه التيس هذاك كبره، واللي رابط رأسه بلا وجع، أبو الدراجة النارية التي على طول مد رجليه، وإلا هذاك أبو وشم، وأنا على الضرابة ما أروم، وأنتم والله إنكم، ولا تنسوا تسألون عن المطعم اللي بنتعشى فيه الليلة، وأكدوا عليه نحن ما نأكل لحم خنزير، والله لو سمعتم رأيي المطعم التركي أبرك لنا، بدلاً من هالصيني اللي ما تعرف شو يزغدون، ويقدمونه لنا».

حارس ذاكرة الجماعة دائماً بالمرصاد، لكل صغيرة وكبيرة، ولو سافرت معه ثانية ستسمع منه الشريط نفسه، وكلما كبر في السن، كلما كان ألعن، وإذا ما تقاعد، فالأفضل لك أن لا تسافر معه، تراه بيلزمك بالضبط والربط، وقصوره ينش الصبح، ويصفر لك بصفارته العسكرية، ويصرخ: «فولين»!

المصدر: الاتحاد