آراء

جوهر اللغة في الخطاب القرآني.. تأمل في فلسفة التجلي اللغوي

الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: منذ أن وعى الإنسانُ نفسه بوصفه كائنًا ناطقًا، ظلّت اللغة موضع سؤالٍ فلسفيٍّ لا ينقضي: أهي أداةٌ للتعبير أم مرآةٌ للوعي؟، وبينما انشغل الفكرُ الغربيّ طويلًا بتحديد طبيعة العلاقة بين اللغة والفكر، جاء الخطاب القرآني ليقلب هذا المنظور من جذوره، مقدِّمًا فلسفةً مغايرة للغة، فلسفةً ترى في الكلمة فعلًا وجوديًّا، لا وسيلةً نفعية.       فالقرآن الكريم —في جوهره اللغوي والفكري— لا يتعامل مع اللغة بوصفها اختراعاً بشريّاً محايداً، بل يتشكل فيها الحيّز اللغوي في أعلى مقاماته، إذ لا شيء في النص القرآني يُقال اعتباطًا، ولا لفظ يُلقى خارج نظام المقاصد، بل إنّ الكلمة القرآنية تنشئ معناها وهي تُقال، فتتحوّل من صوتٍ إلى كشف، ومن تركيبٍ إلى حدث، و-هنا- تتجلّى المفارقة الكبرى: الوحي لا يستخدم اللغة، بل يُعيد تعريفها.      إنّ دراسة الخطاب القرآني فلسفيًّا ولسانيًّا ليست بحثًا في اللغة فحسب، بل في لغة النص القرآني بوصفه أعلى المستويات اللغوية الممكنة، هذا النص لا يتحدث عن العالم…

العجلة التي لا تقود إلى مكان

الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: أتعرّفُ عندما يكون الهامستر في عجلته مسرعًا جدًا؟ عليه أن يبقى في الدرجة نفسها من السرعة؛ فإن أسرع أكثر، خرج عن الإيقاع وسقط، وإن تباطأ قليلًا، انجرف داخل العجلة. القرارُ بالخروج منها لا يعني التوقّف، بل يعني أن يقف بثباتٍ وبقوّة، أن يختار وعيَه على دورانِه. العجلةُ التي يدور فيها الهامستر ليست قفصًا، بل مرآة. يظنّ أنه يجري نحو الحرية، نحو الأهداف، ويحيا الحياة، بينما هو يعيد الخطوة نفسها في اتّجاهٍ دائريٍّ مغلق. سرعته تمنحه شعورًا بالقدرة، لكنها في الحقيقة تمنعه من الملاحظة. لو أسرع أكثر، سيُقذَف خارجها بقوة، ولو تباطأ قليلًا، سيسقط في مركزها — حيث لا حركةَ ولا اتّجاه، بل يسقط جسده على قضبانها وهي لا تزال تحرّكه. في العجلة، كلّ شيءٍ يتحرّك… إلا الوعي. يركض الهامستر، يلهث الزمن، ويُدوَّر الهواءُ نفسه آلافَ المرّات. السرعة تغرّيه بوهم السيطرة، وبوهم القوة، لكن في عينيه خوفٌ من السقوط أكثر من رغبةٍ في الوصول. فقط عندما يتوقّف بإرادته،…

محمد خليفة المبارك
محمد خليفة المبارك
رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي

متحف العين.. من ماضينا العريق نستلهم المستقبل

السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٥

تُعد منطقة العين واحتنا النابضة بالحياة، والتي تمتد حكايتها عبر العصور، مُجسدة بالإنجازات التي ابتكرها الإنسان الإماراتي الذي أبدع في استخدام نظام الري بالأفلاج، لمواجهة ندرة المياه وبث الحياة في الصحراء التي باتت اليوم شاهدة على ازدهار المنطقة عُمرانياً وحضارياً. ولا يزال هذا النظام يُمثل إرثنا المُتناقل بين الأجيال الذي نحميه ونشاركه مع العالم. واليوم، ومن خلال إعادة افتتاح متحف العين، ندعو جميع أفراد المجتمع المحلي والزوار للاحتفاء بإرث ورؤية الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أسس المتحف عام 1969، أي قبل عامين من قيام اتحاد دولتنا، لإيمانه بأهمية التراث، ودوره المحوري كركيزة أساسية في بناء مستقبلنا. يعكس إنجازنا اليوم رؤية قيادتنا الرشيدة بالحفاظ على تراثنا الثقافي بشقيه المادي والمعنوي، وضمان استدامته وإتاحته أمام الجميع محلياً وعالمياً من أجل مشاركتهم ماضينا العريق، وتسليط الضوء على مشهدنا الثقافي المتطور والمتكيف مع المتغيرات العالمية، مُستمداً من أصالة ماضيه هذا المستقبل المزدهر. وعبر صالات عرضه…

أجيال وخصال

الأربعاء ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: في حديث صريح جمعني بسيدات بلغن الستين أو تجاوزنها، قلت فيما يشبه "فشة الخلق" إنني أجدهم جيلًا يشعر بالاستحقاق والتميز، لديه شعور دائم بأنه مناضل وقدم العديد من التضحيات، وكاد أن يستشهد على أرض معارك العزة والكرامة والجهاد.. في حين أنه في الواقع جيل مدلل، ابتعث لأفضل الجامعات والتخصصات في الخارج بمجموع متواضع في الثانوية العامة، وتعين بمناصب عالية فور تخرجه من الجامعة، حتى وإن بتقدير مقبول! جيل حصد التكريم والجوائز والمنح، رغم تطرفه في كل الاتجاهات، تاركًا وسطيتنا غارقة في بحر من الذهول! وكان جدير بي أن أحزرَ أنه سيتوج "كبار مواطنين" عندما يبلغ الستين، ويحظى بالدلال والتميز والعناية الاجتماعية والصحية، والإعفاءات المالية، وتذاكر الدخول المجانية للمتاحف والمعارض والمناسبات العامة، وغيرها من مزايا.. دعونا نأمل ونتفاءل أن يحظى بها أو ببعضها جيلي وما يليه من أجيال عندما تبلغ السن ذاتها. المفارقة هي أن ما ظننته أنا ملاحظة واستنتاجًا شخصيًا على جيل سابق، تبين أنه حقيقة…

محمد خميس
محمد خميس
كاتب إماراتي

الخليج، الدائرة المكتملة التي لا تحتاج إلى مغادرة

الجمعة ١٧ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: في كل قصة بطل يسعى وراء المعنى، وفي كل مغترب رواية إنسان عاش رحلة الاكتشاف والثمن والتغيير، غير أن بين كل تلك الحكايات يظل الخليج استثناء جميل، حيث يتحقق الحلم دون مغادرة الوطن. في عالم الكتابة توجد هيكلة للقصة تسمى "دائرة دان هيرمان للقصة"، وضعها المخرج والكاتب الأمريكي دان هيرمان، المعروف بأعماله الشهيرة مثل "ريك ومورتي" والمسلسل الكوميدي "المجتمع"، هذه الهيكلة تركز على الشخصية الرئيسية في القصة، وهي كالآتي: أنت: الشخصية الرئيسية في منطقة الراحة، المنطقة التي تعوّد عليها تحتاج: الشخصية الرئيسية تحتاج إلى شيء ما تذهب: الشخصية الرئيسية تذهب للبحث عمّا تحتاجه تبحث: الشخصية الرئيسية تجابه العقبات اثناء البحث تعثر: الشخصية الرئيسية تعثر على ما تبحث عنه تأخذ: لكنها تدفع ثمنا غاليا ترجع: تعود إلى المنطقة التي خرجت منها تتغير: لكنها لم تعد كما كانت حين نتأمل طبيعة الحياة وسير قصص البشر، ندرك أن رحلة المغترب تجسد تماما ما تصفه هذه الدائرة من تحول وثمن…

المناقشات العلمية..بين النقد والهيمنة .. تأمل في مأزق الضمير الأكاديمي

الخميس ١٦ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست:       ليست جلسات مناقشة الرسائل العلمية مجرد إجراءٍ أكاديمي يختتم به الباحث سنوات بحثه، بل هي مرآة للوعي العلمي في مؤسساتنا الجامعية ومراكزنا البحثية، وميزان دقيق يزن نضج الفكر الأكاديمي ومقدار التزامه بأخلاقيات البحث والعدل والإنصاف، وهي لحظات وجودية يتقاسمها الباحث والمناقش والمؤسسة التعليمية، وتُعد فرصة سانحة لإعادة النظر، وتعديل الاتجاهات، وإضاءة الواقع العلمي الراقي، غير أنّ هذه الجلسات-في كثير من الأحيان- تتحول من فضاءٍ لتداول المعرفة إلى ساحةٍ لتمركز الذات الأكاديمية، ومن حوارٍ بحثيّ (أنيق) إلى عرضٍ سلطويّ (تسلطي) يتخفّى في عباءة النقد العلمي.      و-هنا- يكمن الخطر، فحين تنحرف المناقشة عن مقاصدها الأصيلة، لا تتأذى الرسالة وحدها، بل تتصدع فلسفة البحث العلمي نفسها، فما يبدو مجرد ممارسات فردية، هو في جوهره خلل في البنية الفكرية التي تنظّم الفعل العلمي وتضبط روحه.      وحين ينسى المناقش موقعه التربوي يتحول من شريك في العملية النقدية إلى قاضٍ يُحاكم وفق ما يراه دون تمييز بين ما…

دينامية الاستباق والعمل القاعدي في مجال الثقافة؛ أوجه الريادة في التجربة الإماراتية

الخميس ١٦ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست:      لا شك أن إشاعة التسامح الديني، على نحو جماهيري، عمل شاق يستدعي جهودا يتضافر فيها الخطاب الإعلامي مع الخطاب الثقافي والديني والسياسي والتربوي. ويتطلب تعاون الفرد مع المجتمع، والشعب مع القانون، والدولة مع الدستور. إنه عمل جذري يستهدف البنى الفكرية والعقدية للمجتمع، وإعادة صيغ العقل والأولويات والوعي، وتقديم فهم عصري للدين والرسالة والهدف، ونقد للمفاهيم والقيم والسلوك، ورسم مستقبل جديد للفرد والشعب والوطن، وقراءة متفهمة للتراث والتاريخ، وعودة إلى القرآن والعقل، والتخلي عن العنف والتنابذ، والتمسك بالاحترام والتسامح، وفهم آخر للحياة والعمل الصالح.      يتأسس التسامح الديني على ذلك كله، إلى حد يتعذر معه بلوغ هذا المرمى العزيز في غياب أي من الشروط المذكورة. لكن تركيب القول يقتضي أن نقول إن كثيرا من هذه الشروط متعالقة يتأسس بعضها على بعض، أو يؤدي بعضها إلى بعض، على نحو يتحول فيه ما كان سببا إلى نتيجة، وما كان نتيجة يصبح سببا داعيا لنشوء شرط آخر.…

مكتبة محمد بن راشد تأسر قلبي!

الخميس ١٦ أكتوبر ٢٠٢٥

في يومٍ ما، كانت المكتبة مكانًا لقراءة الكتب وإجراء بعض الدراسات، لكن دور المكتبات اليوم، بوجود محركات البحث، ومنصات التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي، اختلف تمامًا، فهي الذاكرة الباقية لكل أمة، وهي جسر وصلٍ حضاري وفكري وثقافي وفني بين أي أمة وباقي شعوب العالم. وإذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه، فإن مكتبة «محمد بن راشد»، تدلُّ على نفسها لكل من ينظر إليها وحيثما كان، فلقد جاء تصميمها المعماري على هيئة صفحتي كتاب مفتوحتين تملآن الفضاء بقرب مياه بحرٍ يزغرد بزرقته! بدعوة كريمة من «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة»، شاركت في الاجتماع الخامس للجمعية العمومية لـ«منتدى الجوائز العربية» ممثّلًا عن جائزة «الملتقى للقصة القصيرة العربية»، وكم سعدتُ بأن تحتضن مكتبة محمد بن راشد محاضرة عن روايتي الجديدة «دوخي.. تقاسيم الصَبا»، بمشاركة الأستاذ عبدالحميد أحمد من مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية. تبدو المكتبة للرائي هادئة تُجاور موجات البحر، لكن لحظة يضع رجله داخلًا يشعر بهيبة المكان، المفتوح على إضاءات طبيعية،…

جواحظ وبورخيسيون!

الثلاثاء ١٤ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست:      دعونا نعترف؛ يشعر جل مهووسي القراءة، الواقعين في غرام الأحرف والكلمات، ورائحة الحبر المعتق، وحواف الورق الجارحة، وردهات المكتبات ومنعطفاتها وأماكنها السرية، ومسراتها الخفية، أنهم مدينون بضريبة ما لكل هذه المتعة. يتوقعون حاصباً من السماء، أو على أقل تقدير يقدمون الضحايا والقرابين لمعبد القراءة من حقبة لأخرى. شخصياً، أصدق تماماً أن الجاحظ المأسوف على جحوظ عينيه، لقي حتفه تحت أنقاض مكتبته، أرى أنه بلغ بذلك منتهى كماله، ولست أعبأ بالأقوال المشككة في ذلك. أما تبرّأت منه أمّه لكثرة قراءته؟ أما أثْرى هذا العبقري خفيف الظل، المكتبة العربية والإسلامية، بمؤلفات لا تعد ولا تحصى في كل شيء تقريباً؟ لا تبدأ عند البيان والتبيان بأجزائه الأربعة، ولا تتوقف عند البخلاء، ولا تنتهي عند الحيوان بمجلداته الثمانية! وليس قوله: «لا أعلم قريناً أحسن موافاة، ولا أعجل مكافأة، ولا شجرة أطول عمراً، ولا أجمع أمراً، ولا أطيب ثمرة، ولا أقرب مُجتنىً، ولا أسرع إدراكاً، من كتاب» بأعظم ما قال في الكتب.…

محمد بن سلمان: جدل الوعي والتاريخ في تأسيس الممكن الجديد

الثلاثاء ١٤ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست:      يعد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله- فاعلاً سياسياً في مرحلة انتقالية تخوضها المملكة العربية السعودية، فخطاباته تشكل تحوّلاً عميقاً وتحدث أفعاله هزات ارتدادية في وعي الدولة والمجتمع السعودي والعالم كافة.  فالقادة اليوم لا يوصفون بأنهم إداريون أو مصلحون فقط، بل هم فلاسفة الوجود العملي، لا يكتبون رؤاهم على الورق، إنما في نسيج الكينونة نفسها، فلا يُقاس التحول التاريخي بحجم القرارات السياسية المتبعة فحسب، وإنما بما يُحدثه من تغيرات في بنية الوعي الجمعي، وبما يقدّمه -أيضاً-من إعادة تعريف لحدود الممكن والمفكَّر فيه، فخطابه اليوم تحرّر من سطحية الشعارات، ولم يعد بياناً تواصلياً مع شعبه فقط، إنما أصبح أنطولوجيا جديدة للوجود الوطني السعودي، لأن كلمته لا تُقال لتُسمع، بل تُقال لتُغيّر وتحدث أثرا ملموساً. في قلب هذا التحوّل الوطني السعودي، يبرز ولي العهد بوصفه صانع قرار، وصانع وعي، وفاعلًا مغيراً في التاريخ، لا مجرّد زعيم سياسي؛ لأنه لم يكتفِ بإنتاج خطاب إصلاحي أو…

نهاية الحرب في غزة.. وبداية الحقيقة

السبت ١١ أكتوبر ٢٠٢٥

     انتهت الحرب في غزة ومات الأبرياء وتحول المشهد إلى اتفاق وهدنةٍ مؤقتة، لكن الحقيقة أن ما جرى ليس نهاية الحرب والدمار، بل بداية مرحلةٍ أكثر تعقيدًا من القتال نفسه. فالاتفاق الذي أُعلن عنه بالأمس لا يمنح أي طرف صكّ انتصار أو الرقص على جثث الشهداء، بل يفتح باب الأسئلة الكبرى ماذا بعد الاتفاق؟ وكيف ستُدار مرحلة ما بعد الصمت المدفوع بثمن الدماء؟ إسرائيل، رغم قوتها العسكرية الهائلة، خرجت من الحرب وهي تحمل معها ألمها الداخلي والمثقل بالشكوك الداخلية، وخسرت جزءًا من صورتها المهيمنة أمام العالم.      أما غزة المنتصرة بصراخها وجراحها دمارها، فقد أثبتت أنها قادرة على الصمود كأرض لمستحقيها، وأما حماس التي كانت تناور من تحت الأنفاق وتدفع بدماء الأبرياء وخسرت ثمنًا إنسانيًا باهظًا من الأرواح والدمار والمعاناة. لا غالب ولا مغلوب في هذه المعركة الدموية؛ فالقوة الميدانية لم تغيّر شيئًا من جوهر المأساة السياسية الفلسطينية ما بين سلطة والجماعات والإنسانية تأتي بعد ذلك.    …

العشق بوصفه تفكيرًا: قراءة في جدلية المعنى الشعري عند بدر بن عبد المحسن

الخميس ٠٩ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست:        ليس الشعر عند الأمير بدر بن عبد المحسن تعبيرًا عن العاطفة، بل تفكيرٌ بالعاطفة، واستنطاقٌ للوجود من داخل اللغة، في شعره تداخل بين حدود الحس والعقل، ليولد المعنى العميق من التوتر بينهما، فقصيدته لا تبحث عن الجمال بوصفه زينةً للقول، بل عن الحقيقة بوصفها جوهر الوجد، في شعره تتقاطع الأسئلة الكبرى: من أين يأتي المعنى؟ وما جوهر العشق؟ .       يكتب البدر من أعماق الفكر والوجدان معًا، من منطقةٍ مشتعلةٍ يتداخل فيها الحسّ بالحدس، والحنين بالوعي، إنّه لا يصف الواقع، بل يعيد بناءه لغويًّا، كما لو أنّ القصيدة مختبرٌ أنطولوجيّ يعيد تعريف الإنسان في مواجهة ذاته والآخر والمطلق، ومن -هنا- تتولّد جدليته الشعرية: إن العشق ليس شعورًا، بل طريقة في الوجود ورؤية فلسفية، وأن اللغة ليست وسيلة، بل كينونة تتفكّر بذاتها.      إن الذات في شعر البدر ليست مركزًا مغلقاً، بل كائنٌ مفتوح على العالم، إنّها ذاتٌ تُعرّف نفسها من خلال علاقتها بالوجود، لا من…