الجمعة ٠٧ أبريل ٢٠١٧
لا يمكن بالطبع اعتبار الجمهور الذي يحضر لسماع محاضرة في قاعة الملك فيصل بالرياض جمهوراً عادياً، مثل أولئك الذين يستمعون إلى مقابلة في إحدى القنوات الفضائية. أقول ذلك بمناسبة سفري إلى الرياض لحضور احتفال جائزة الملك فيصل التي حصلتُ عليها في الدراسات الإسلامية. ومن ضمن ترتيبات الجائرة إلقاءُ محاضرة بقاعة الملك فيصل في موضوعٍ يختاره المحاضر، وقد كانت المحاضرة عن أعمالي في التفكير السياسي في الإسلام. وكان الجمهور الحاضر كثيفاً، ولا أذكر كثافة مشابهة إلا قبل أكثر من عشر سنواتٍ عندما حضر صمويل هنتنغتون صاحب «صراع الحضارات». ما حضر هذا الجمهور النخبوي للتحدي أو للمعارضة، فأكثر الحاضرين من الكهول والشيوخ محبٌّ ومهتم. بيد أنّ الأكثرين حضروا مصممين على أمورٍ وأولويات مختلفة عما اعتدتُ عليه من خطابٍ وأولويات. لقد كان همي أن أعرض رؤيتي لمدارس التفكير بالدولة في المجال الإسلامي القديم، وهي تتضمن آراء وانطباعاتٍ أُخرى عن علائق الدولة بالدين. ولأنني كتبتُ أيضاً في سياسات الإسلام الحديث والمعاصر؛ فقد أردتُ إلقاء نظرة على متغيرات الوعي والواقع، والتي وقعت في أصل التفكير الديني والسياسي في الأزمنة الحاضرة. ولأنني حصلتُ على جائزة الملك فيصل، فقد رأيتُ أنه من المناسب الحديث عن إمكانيات التأهل العلمي والمرجعية في الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وهو ملفٌّ معقَّدٌ ذو صلة وثيقة بالتفاوتات الشاسعة المعرفية والمنهجية والموضوعية والتاريخية…
الإثنين ٠٦ مارس ٢٠١٧
كان مؤتمر الأزهر عن «الحريات والمواطنة والعيش المشترك» فرصةً للقاءٍ جديد بين المسلمين والمسيحيين في العالم العربي. وقد صدر عنه إعلانٌ قال بالدولة المدنية والمواطنة والحريات الخاصة والعامة. واعتبر الدولة الوطنية صاحبة المسؤولية الأولى عن حماية المواطنين وأمنهم وحرياتهم ودمائهم وكراماتهم وحقوقهم. لكنه، وللمرة الأولى فيما أعلم، أقام توازياً بين المواطنة، وما يجري الحديث عنه من حقوق للأقليات وضروراتٍ حمايتها. منطق إعلان الأزهر أنّ المواطنة في الدولة المدنية الدستورية هي الحافظة لحقوق وحريات سائر المواطنين، بما في ذلك الحريات الدينية والسياسية. وفي ظل دولة المواطنة، لا مجال للحديث عن حقوق خاصة للأقليات الدينية أو الإثنية أو الجهوية، لأنّ المواطنة تمثل شراكةً كاملةً وضماناً كاملاً لسائر الأفراد والفئات الاجتماعية. وتابع إعلان الأزهر أنّ حديث الأقليات كان ينبغي أن ينتهي بنهاية عهود الاستعمار الذي كان يضرب على هذا الوتر، لكنه تجدد بسبب الإغراءات الخارجية، وبسبب تراجع تجربة الدولة الوطنية، وتعرُّض الأقليات الدينية والعرقية للضغوط والتهجير والقتل من جانب المتطرفين. والحلُّ الصحيح يتمثل في أن تستعيد الدولة الوطنية، دولة الحكم الصالح والرشيد قوتها، بحيث تحتكم إلى مبدأ المواطنة ومقتضياته الذي فيه ضمانٌ للجميع. وبذلك يصبح النضال من أجل استنقاذ الدولة الوطنية هماً مشتركاً لأنها تشكل الضمانة الوحيدة الدائمة للجميع. أما الدخول في حقوق الأقليات وتحالفاتها، فإنه يُفسد الفكرة الوطنية لأنه يؤدي إلى توزع…
الجمعة ٣٠ ديسمبر ٢٠١٦
أقام أستاذ الفلسفة السياسية الأشهر في القرن العشرين الأميركي جون رولز في كتابه: فلسفة العدالة (1971) مقولته على مبدأ الإنصاف. وقال إنها ممكنةٌ بل مرجَّحة التحقق في الدول الحرة الحسنة التنظيم، أي التي تحولت فيها مبادئ العدالة إلى قوانين وأنظمة وسياسات. وعندما تكاثرت عليه الانتقادات من اليمين واليسار، باعتبار أنّه إذا انقطعت هذه المبادئ عن الأُسس والأصول وعن الغايات، تصبح مسائل إحصائية تُداخلُها الأهواء، أنكر ذلك وأضاف أن الأصول للنظرية هي «الوضع الأصلي»، أو ما صار يُعرفُ بالعقد الاجتماعي، الذي أقدم عليه بشرٌ أحرارٌ عقلاء أجمعوا على تلك المبادئ الضرورية لقيام الاجتماع البشري واستمراره، أمّا الغايات فهي استهدافُ إحقاق الخير العام. إنما في أعمال الدول وسياساتها فإنّ المطلب تحقيق العدالة القائمة على الإنصاف. وإذا كان شيء من ذلك قد تحقق في دول الغرب الليبرالية، والديمقراطية على وجه الخصوص، فإنه غير مستحيل التحقُّق على مستوى العالم، ومن الأمثلة على ذلك ميثاق الأمم المتحدة (1945)، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948). لماذا نذكر هذا كلَّه هنا والآن؟ لأنه بعد أربعين عامًا وأكثر على الاحتلال الإسرائيلي للقدس والضفة الغربية وغزة (1967) وبدء بناء المستوطنات في المناطق المحتلّة، أمكن لمجلس الأمن اتخاذ قرارٍ شبه إجماعي باعتبار المستوطنات أعمالاً غير قانونية وغير مشروعة بحسب القانون الدولي. لماذا أمكن ذلك أخيرًا وما كان ممكنًا من قبل؟ لأنه…
الخميس ١٠ نوفمبر ٢٠١٦
ما توقّع أحدٌ فوز دونالد ترامب حتى ترامب نفسه، كما تقول إحدى المعلِّقات في الـCNN! لكنه رغم ذلك فاز وبفارقٍ بارز. ويتحدث المراقبون الذين يحاولون الفهم، وإن متأخرين، إنّ هناك عاملين رئيسين لنجاحه: تصويت الريفيين له وأهل البلدات الصغيرة والمتوسطة، والعامل الثاني تصويت البيض المنخفضي التعليم الذين نالت منهم أزمة ومتغيرات أسواق الأعمال نتيجة الثورات التكنولوجية المتلاحقة. ومع أنّ هذا التعليم بشقيه غير مقنع، لأنّ الطبقة الوسطى الحضرية الأميركية هائلة الحجم، فإنّ المفارقة تبقى أنّ ترامب ليس من العمال ولا من المناضلين من أجل حقوقهم، بل هو من طبقة كبار رجال الأعمال. وما عُرف عنه اهتمامٌ بقضايا الفقر والتهميش مثل ساندرز مثلاً الذي كان خصماً لكلنتون واجتلب إليه شباناً وشابات من محبي التغيير! إنّ المعروف عن الرجل الفائز فضلاً عن قصصه النسائية، تهربه من الضرائب، وكثرة دعاواه على الذين ينفذون مشاريعه، وعلى زملائه من رجال الأعمال، واحتقاره العامة والفقراء. إنما بدلاً من الانهماك في ذكر مساوئه، التي درج الجميع، بمن فيهم أقطاب الحزب «الجمهوري»، على التشهير بها، والحيرة إزاء شعبيته بين جماهير الحزب والعامة، فلنتجه إلى فهم الظاهرة، وتأثيراتها في الغربين الأميركي والأوروبي، ثم في المشرق والعرب. «جمهور جديد» هناك جمهورٌ جديدٌ من سائر الأعمار، وفي أميركا وأوروبا، ثائرٌ على تقاليد المؤسسة الحاكمة. ولثورانه أسباب أهمُّها الانضباط الشديد المفترض بحسب…
الأحد ٢٣ أكتوبر ٢٠١٦
إنَّ الجاري ضد مدينتي حلب والموصل الآن هو عبارة عن حلقات في سلسلة تمضي من طهران إلى بغداد إلى دمشق وبيروت واليمن، ورأسُ الحربة في العملية كلّها طهران، وقد كسبت لها روسيا الاتحادية، وحيّدت الولايات المتحدة بوعي أو بتقدير استراتيجي مختلف، وقد ظللتُ آمُلُ أن الولايات المتحدة ربما كانت لها تقديراتها الاستراتيجية المختلفة، حتى صدور قانون «جاستا» عن الكونغرس، فاستقرَّ لديَّ الاقتناع بأنَّ واشنطن أيضاً ضمن التحالف ضد العرب والإسلام السني. إنَّ ذلك الأمر لا يمكن تسميته «مؤامرة» بالمعنى المعروف. لأن كل ذلك يجري عَلَناً وبدون تسويغات، وقبل الوصول إلى طهران وآثارها الطائفية والقتالية، لننظر في الوقائع الأخيرة على الأرض، ومنها الإعلان عن هدنة الـ72 ساعة على الجبهة اليمنية. لقد رحَّب الحوثيون بالإعلان، وجاء ترحيبهم مجرَّداً وبدون الالتزام بأي شيء من مندرجات القرار الدولي رقم 2216، مع الإعلان عن اعتزامهم تشكيل الحكومة الانفصالية التي تحدثوا عنها سابقاً! ولقد صرنا نطلب منهم فقط أن يفكّوا الحصار عن تعز، أو ما هو أقلّ: السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى المدينة المنكوبة! والواقعةُ الأخرى الهدنة التي أعلنها الروس بمدينة حلب من طرف واحد، وقالت الأمم المتحدة إنها ليست كافية، ولا ضمان فيها لإدخال المساعدات إلى شرقي المدينة. حلب موجودة الآن على لائحة التهجير. وأردوغان يُهوِّل بأنّ تركيا ستضطر لاستقبال نصف مليون أو مليون لاجئ.…
السبت ٢٤ سبتمبر ٢٠١٦
منذ هجمات سبتمبر (أيلول) عام 2011 شكّلت الولايات المتحدة جبهةً عالميةً للحرب على الإرهاب. وقد شملت تلك الجبهة مناحي عسكرية واستخبارية واستراتيجية وفكرية. وقد تضمن ذلك احتلال أفغانستان والعراق، ونشر الجيوش والقواعد، والبحث عن حلفاء في مكافحة الظاهرة في كل مكان. ولأنّ المحافظين الجدد كانوا مؤثرين في إدارة بوش الابن، وهم مجموعةٌ فكريةٌ وآيديولوجية؛ فقد تحدثوا منذ عام 2002 عن «حرب الأفكار»؛ وهذا يعني أن «العالم الحر»، وبني الإنسان، لا يحاربون أفرادًا أو أشخاصًا أو مجموعات صغيرة؛ بل يكون عليهم أن يحاربوا فكرة دينية متعصبة لثلاث جهات: إنها جزءٌ من دينٍ كبيرٍ وشاسع، وبالتالي فكما أغْرت الآلاف هناك إمكانية لإغراء آلاف جديدة. وأنها ترفض باسم الدين، الآخَرَ المسيحي واليهودي والغربي، ولا تتورع عن القتل والترويع، وأنها تجد بيئاتٍ حاضنة في الأوساط المتشددة، وأنها بسبب تماسكها الآيديولوجي تتحول إلى شبكة مترابطة الحلقات وشاسعة الامتداد، وقادرة على إصدار الأوامر، كما أن حلقاتها قادرة على المبادرة من دون أوامر مباشرة. على أنه رغم الغزو العسكري، وحرب الأفكار، والحملات الشعواء على الوهابية، وعلى النظام في المملكة؛ فإنّ النتائج الاستراتيجية للحرب على الإرهاب ما ظهرت تمامًا إلاّ في أيام أوباما. ففي عهد بوش الابن كانت الرؤية الاستراتيجية لا تزال أنّ الخصم الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق هو النظام الديني الإيراني المتعصب. وقد كان التفكير قبل…
الجمعة ٢٩ يوليو ٢٠١٦
ما عاد هناك حديثٌ تفصيلي عن حروب الإبادة الجارية في العالم العربي. فقد عاد بيان القمة لإفراد قضية فلسطين بالذكر، وهذا أمرٌ جيد، في حين ذكر الحروب الأُخرى بالإجمال، ودعا للاهتمام بها وبالشؤون الإنسانية ومكافحة الإرهاب والتدخلات الإيرانية. أما الذي شعر بالذنب - إذا صح التعبير - فكان الأمين العام للأُمم المتحدة الذي أرسل مبعوثه إلى اليمن ولد الشيخ أحمد - باعتباره موريتانيًا - للتحدث باسمه عن جهود الأُمم المتحدة للعودة إلى مفاوضات الحل السياسي والانتقال السياسي في سوريا. على أنّ هذه اللفتة تظلُّ محدودة المعنى والدلالة إن لم ننظر إليها من جهة أُخرى، وهي أنّ الذي حضر للحديث عن سوريا بنواكشوط ما كان دي ميستورا، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إليها. وقد شاع منذ مدة أن دي ميستورا الذي كانت المعارضة السورية تتهمه بشتى التهم، أعلن عن سُخطه أخيرًا عندما أجّل المفاوضات، وقال إنه لا أمل من وراء استمرارها، وإنّ الأطراف لا تريد السلام. والذي أغضب دي مستورا أمران اثنان: عدم القدرة على تثبيت الهدنة التي صارت في «خبر كان» منذ شهور، وعدم القدرة على التقدم في معالجة حصارات التجويع، وتعزيز جهود الإغاثة الإنسانية. وقد بلغ من تذمره أن شكى منه علنًا سيرغي لافروف الذي اشتهر دي ميستورا من قبله بولائه له واعتماده عليه أكثر من الاعتماد على كيري…
الجمعة ٠٨ أبريل ٢٠١٦
في اجتماع رؤساء الأركان في جيوش التحالف العسكري الإسلامي بالرياض وعددهم تسعةٌ وثلاثون، يمثلون 39 دولة مشاركة، جرى اتخاذ مقررات توزعت على أربعة محاور هكذا بالترتيب: الجانب الفكري، والجانب الإعلامي، والجانب الأمني، والجانب العسكري. ولأنّ المقصود من التحالف أمران: مكافحة التطرف والإرهاب الذي يهدّد أمن الدول والمجتمعات، وصون الأمن والاستقرار في دول التحالف؛ فإنّ الجوانب الأمنية والعسكرية كانت الأبرز بالطبع. أما الاهتمام بالجانب الإعلامي، فالغاية من إبرازه التصدي لاستخدام الإرهابيين لوسائل الاتصال، والتي تستهدف الإرهاب وزعزعة الاستقرار من جهة، وتجنيد شبان جدد للالتحاق بالإرهابيين في أماكن وجودهم وسيطرتهم، أو توجيههم للقيام بعمليات كما حصل ويحصل في أماكن متفرقة من العالم أبرزها في المدة الأخيرة أوروبا وأفريقيا. ولذا وفيما يتصل بالإعلام يكون هناك جانبان: الرد المجدي والقامع والمقنع، وطرح خطاب بديل لتثبيت الهمم والعزائم، ونشر تربية أخرى فاعلة تُخرجُ من أفخاخ وإغراءات تلك الفِرَق الإجرامية. ذكر المجتمعون الجانب الفكري، ولم يقولوا الجانب الديني، وهو المقصود. ذلك أنّ العالم العربي والعالم الإسلامي، يشهدان ثورانًا في التفكير الديني، والسلوك العنيف والانقسامي باسم الدين. وهو الأمر الذي دفع ويدفع باتجاه التطرف والعنف، ويُضْعِفُ التماسَك والسكينة في المجتمعات، بحيث تتصدع المناعة، ويظهر ما يُشبه الفِرَق الدينية الانقسامية في العصور الوسطى الإسلامية. لماذا حدث الثوران في ديننا؟ حدث لثلاثة أسباب: ضغوط الاستعمار والحداثة ومتغيرات نظام العيش…
الأحد ٢٣ أغسطس ٢٠١٥
انتشر مؤخراً خبر العرض الإيراني للتحاوُر مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأنّ ثلاث دول قبلتْه ورفضتْه ثلاث. وفهمنا أن الجهات التي رفضته، أرادت أن تسبق التفاوُض إجراءات لبناء الثقة حيث الاعتداء الإيراني صريح لا خافية فيه؛ ومنه ارتهان لبنان برئاسته واستقراره، والتدخل في اليمن بدون داعٍ أو مسوِّغ، والاعتداءات على البحرين. الدول الثلاث الراضية بالحوار دون شروط، لها أسبابها بالطبع، وقد يكون في هذه الأسباب ما يوضّح وجهة النظر التي تريد الذهاب إلى التفاوض مباشرةً. هم يقولون إن هناك وجهاً جديداً لإيران بدأ يبرز في تصرفات مسؤوليها، ولا بأس باستكشاف الأمر بالحضور على الطاولة وتقاسُم المصالح والأدوار، فلعلَّ وعسى أن يصغي الإيرانيون لأسلوب الدبلوماسية الفاعلة، التي تؤثر على الأرض، وليس في كواليس العلاقات الدولية فقط. إنّ هذا النمط من التفاوض أدَّى لحلّ بعض المشاكل، وإن يكن قد وصل لجمود في حالات أُخرى. وقد توصلت عُمان مع إيران إلى ترسيم للحدود البحرية قبل شهور. وكانت عُمان بطلبٍ من المملكة قد حاولت التوسط مع إيران قبل روحاني وبعده، لكنّ الإيرانيين ما أبدوا تجاوُباً. أما قطر فكانت لها علاقات وثيقة بإيران والنظام السوري قبل 2011، ثم افترقت السُبُل حول الأزمة السورية، واختارت قطر الذهاب باتجاه تركيا، بينما حمل عليها الإيرانيون ونظام الأسد حملات شعواء بحجة دعم الإرهاب! ومنذ عام ونيف هناك مُهادنة حصلت…
الأحد ٠٢ أغسطس ٢٠١٥
قلتُ في مقالتي هنا يوم الأحد الماضي، إنّ الولايات المتحدة بعد أن تدخلت مجدداً بالعراق لمصلحة إيران عملياً، وبعد أن أجْرت الاتفاق النووي مع إيران، مضطرةٌ لإعطاء شيء لتركيا.. وربما للسعودية. وما كنتُ أفكّر بحزب العمال الكردستاني بالدرجة الأُولى، بل بالسماح الأميركي لتركيا بالتدخل في سوريا، وهو الأمر الذي رفضته الولايات المتحدة منذ عام 2012، وبالمقابل فقد رفضت تركيا المشاركة العملية في التحالف ضد «داعش»، كما رفضت السماح للولايات المتحدة باستعمال القواعد الجوية التركية في ضرب «داعش» بسوريا والعراق! لقد كانت الخسارة التركية كبيرةً بالغزو الأميركي للعراق عام 2003. فالعراق ذاته إنما أوجده البريطانيون عام 1920 ليكون منطقةً عازلةً بين إيران وتركيا. إنّ هدم الدولة العراقية بالغزو، وإدخال ميليشيات كردية وشيعية مسلَّحة إلى البلاد للحلول محلّ الجيش العراقي المنحل، عنى وقتها إعطاء العراق لحلفاء إيران من المعارضة الشيعية، مع امتيازات خاصة للأكراد في الدولة الجديدة. وكما في حالة سوريا بعد عام 2011، فإنّ تركيا وقتها رفضت السماح للطائرات الأميركية باستعمال أراضيها، وبدأت سياسات ودودة مع نظام الأسد لمعارضته الغزو الأميركي يومَها. وما خاصمت تركيا الأردوغانية إيران في العقد الأول من القرن الحالي، للمصالح المشتركة في الملف الكردي من جهة، وللفوائد الاقتصادية والتجارية والمالية المتحصلة لها نتيجة الحصار الأميركي لإيران. ومع أنّ أردوغان ما ساعد «المقاومة» ضد الأميركيين في العراق كما…
الإثنين ٢٠ يوليو ٢٠١٥
لا يتفق عربيان بشأن وصول الإيرانيين مع المجتمع الدولي إلى اتفاق بشأن النووي. وعندما أقول إنه لا يتفق عربيان، فلا أقصد بذلك أحباب إيران وخصومها، بل أقصد الخصوم على وجه الخصوص، الذين ينقسمون إلى ثلاثة آراء. الأول، وهو الأكثر، يصرّح بعدم الاهتمام وكأنّ الأمر سيّان، وإن خالطت لا مبالاته بعض وجوه الإعجاب بإيران التي وصلت إلى منزلة إسرائيل في أن الغرب يظلُّ حريصاً على استرضائها، ولو حاولت إنتاج سلاح نووي يهدد إسرائيل! أما الرأي الثاني فيرى أنّ إيران انتصرت بسبب دعم الروس والصينيين وتخاذُل إدارة أوباما. ويستدلون على ذلك بأنّ أقرب حلفاء أميركا بالمنطقة (إسرائيل) هي الأشدّ انزعاجاً من الاتفاق، والأشدّ خوفاً من عواقبه عليها، لأنه سلّم بوضع إيران على «عتبة النووي». فالاتفاق مع إيران على شأن مهم وخطير كهذا يعني إمكان الاتفاق سراً على أُمور أُخرى ضمنها التخريب في البلاد العربية. وهذا يعني تقدماً لإيران في العراق وسوريا. وقد تُعطى وظيفة مثل التي كانت لحافظ الأسد. فبحجة مقاتلة إسرائيل وأميركا سيسارع إلى إيران المعارضون العرب، اليساريون والقوميون والإسلاميون، وتصبح وظيفتها احتضانهم، وإعادة استخدامهم ضد بلدانهم بحجة مكافحة الرجعية أو التخاذل أمام أميركا وإسرائيل! وفي نظر هؤلاء، فإنّ الأموال الهائلة التي ستستعيدها إيران، ستصبُّ في خانة التخريب والابتزاز من جهة، وفي خانة إغراء الغرب من جهة ثانية، والذي ستستميت شركاته…
الجمعة ١٧ يوليو ٢٠١٥
أذكر أنّ المرة الأُولى التي سمعتُ فيها جديدًا بشأن «القاعدة» والأصولية، كانت من الأمير الراحل سعود الفيصل عام 2006. ففي حديثٍ إلى صحيفة «نيويورك تايمز» آنذاك، قال الفيصل: إنّ «القاعدة» وما يظهر الآن بالعراق، ليست تنظيمات إرهابية عادية. بل إنّ هؤلاء يعتقدون الخلافة العالمية. ولذا فإنّ إرهابهم سيقوى ويتضاعف وفي الحالتين: حالة تعرضهم لضرباتٍ شديدة تُضعفُهُم فيزدادون حقدًا، وحالة استقوائهم نتيجة عدم الاجتماع على مكافحتهم؛ إذ عندها سيزدادون شراسة لدُنُوِّ تحقُّق هدفهم فيما يعتقدون: إقامة دولة الخلافة! وقد جادلتُهُ عندما لقيتُهُ عام 2007 خلال اشتباك الجيش اللبناني مع تنظيم «فتح الإسلام» بمخيم نهر البارد بشمال لبنان. قلت: هذه سلفياتٌ جديدة منقلبة على التقليد السلفي. وقد تطمح لإقامة دولة إسلامية مثل الإخوان، لكنهم يعتبرونها دولة الكتاب والسنة وليس الخلافة. ثم إنّ السلفيين سواء أكانوا قُدامى أو جُدُدًا لا يعتبرون «الإمامة» ركنًا من أركان الدين! وقال: أنت تقرأ وتتابع الموضوع أكثر مني، لكنْ رغم ذلك فإنّ رؤيتك ما تزال تقليدية، اعتمادًا على أنّ الملك عبد العزيز رحمه الله ما أراد أن يأخذ الخلافة بعد سقوط بني عثمان، وأنه آثر إقامة دولة الكتاب والسنة. لكنّ هذا الزمن مضى وانقضى؛ وليس منذ حرب العراق أو الحرب على العراق، بل منذ التشارُك بين عبد الله عزام وأسامة بن لادن، ثم مُبايعة الملا عمر أمير طالبان…