أبوظبي ..رحلة بدأها زايد ويواصلها خليفة

منوعات

شاطئ العائلات بأبوظبي

تحولت العاصمة أبوظبي منذ ستينيات القرن الماضي وبعيد اكتشاف النفط إلى مدينة عصرية تحف بها الحدائق الغناء والفنادق الضخمة والمباني الشاهقة تحقيقا لرؤية وطموحات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والآن توشك تلك المدينة المتألقة على اتخاذ قفزة نوعية أخرى فهي تتطلع على مدى العقد المقبل كي تصبح أحد المراكز الثقافية العالمية الكبرى في الشرق الأوسط.

وقد عانت أبوظبي من شظف العيش بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة وبالتزامن مع نهاية حقبة صيد اللؤلؤ التي استمرت لأكثر من سبعة آلاف عام، إلا أن التنمية الاجتماعية والاقتصادية الفريدة التي شهدتها الإمارة ومن ثم دولة الإمارات العربية المتحدة تعود إلى جهود مؤسسها وباني نهضتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، الذي تولى مقاليد الحكم في الإمارة عام 1966 ثم رئيسا للدولة منذ ولادة الاتحاد في 2 ديسمبر 1971 وحتى وافته المنية رحمه الله في 2 نوفمبر 2004.

كثير من المدن شهدت تغيرات كبيرة متتالية على مدى القرن الماضي إلا أن قليلا منها فقط مرت بدرجة التحول الكبيرة نفسها التي مرت بها مدينة أبوظبي، إذ عانى جيل الأجداد والآباء من سكان الإمارة من صعوبات العيش في الماضي، لكن سرعان ما تحولوا من الحياة القاسية والاعتماد على طرق مجتمعهم القبلي في التأقلم مع البيئة الحارة والرطبة ليجدوا أنفسهم في رغد من العيش بعدما بلغ نصيب الفرد من الدخل الوطني في العام 2013 أكثر من 183 ألف درهم.

وفي ستينيات القرن الماضي، وقبل حكم الشيخ زايد مباشرة كانت أبوظبي عبارة عن جزيرة تتكون من مجموعة من السبخات البحرية المعزولة عن البر الرئيسي.

وخطت أبوظبي مسيرتها منذ مراحل البدايات بصعوبة خاصة بحثا عن مصادر الرزق وكان الخيار الوحيد أمام الأهالي هو رحلة الغوص في البحر ومجابهة معاناته بما فيها من شظف العيش وحرارة الشمس، فكل من عايشها شعر أنها رحلة وتجربة فيها الكثير من المعاناة التي لا يتمنى أحد أن يعيشها مرة ثانية مهما كانت الظروف والأحوال.

ومر تطور مدينة أبوظبي بمراحل متعددة ومهمة حتى استطاعت في إطار سياسة القيادة الحكيمة الوصول إلى مصاف المدن العالمية الكبرى وأن تحقق إنجازات كبيرة وغير مسبوقة على صعيد الطفرات الاقتصادية والعمرانية والتنموية المتواصلة والتي جعلت منها المدينة النموذج في المنطقة وفتحت سقف التوقعات أمام حياة كريمة للمواطن والمقيم معا.

وتطور العاصمة في يومنا هذا ملموس ويشهد به العالم أجمع من خلال التقارير وشهادات المؤسسات الدولية لكن تظل الفترة التي سبقت تولي المرحوم الشيخ زايد مقاليد الحكم في الإمارة قاسية، لكن في سنوات قليلة كانت انطلاقة عاصمة دولة الإمارات نحو التقدم والرقي بعد سنوات من الاستقرار واكتشاف الشركات والبنوك وخطوط الطيران حتى أضحت المدينة بيئة مثالية للاستثمار وملاذا آمنا للمدخرات العالمية.

واليوم تعيش أبوظبي عصرها الذهبي على أكثر من مستوى، إذ استطاعت الاستفادة بالكامل من الظروف المحيطة بها لتحقق ما عجزت عنه دول أخرى تملك من مقومات النجاح وعناصر التفوق أكثر منها، إلا أنها تعول كثيرا على أصالتها وتراثها ومعالمها السياحية واقتصادها القوي لتحتل موقعا متقدما بين المدن الكبرى، وتسعى جاهدة لتطوير صناعة السياحة وجعلها ركيزة أساسية في جذب الاستثمارات وتستند في هذا الصدد إلى موقع المدينة الاستراتيجي كنقطة التقاء لدول الخليج الأخرى وامتلاكها مطارات دولية تعتبر جسرا جويا يربط شرق العالم بغربه، بالإضافة إلى تنوع مجالات السياحة وفتحها باب الاستثـمار السياحي على مصراعيه، مما خلق تنوعا سياحيا وتعـددت مجالاته بين ترفيهي وثقافي وتاريخي نظرا لتعدد الأماكن الأثرية.

بنية صناعية

وتتوفر في أبوظبي بنية صناعية وسياحية متطورة ومتكاملة، حيث توجد على أرضها المرافق والمنشآت التي تقدم متعة التنزه والاستجمام إلى جانب المعالم الأثرية والتاريخية المتعددة ومراكز التسوق الزاخرة بالمنتجات ذات الماركات العالمية والتقليدية المحلية التي لا تقل جودة عنها إضافة إلى مرافق تقدم خدمات سياحية حديثة تتمثل في مجموعة من الفنادق العالمية الفخمة والمنتجعات البحرية الممتعة، حيث يجد محبو الرياضات البحرية ضالتهم ويستمتع الزائرون بشواطئها ومسابحها ومياهها وشمسها الدافئة شتاء.

وتوصف العاصمة أبوظبي بأنها “لؤلؤة الخليج” وهي كبرى مدن دولة الإمارات وتزخر بالعديد من عناصر الجذب السياحي والأماكن الأثرية والمراكز الثقافية والحضارية، ويعد تنوعها الطبيعي والجغرافي الكبير مع وجود مئتي جزيرة طبيعية على طول شاطئها الرملي، إضافة إلى البراري الشاسعة والكثبان الرملية الناعمة وواحات النخيل من أهم معالمها السياحية.

ويوجد بها عدد من المحميات الطبيعية أشهرها محمية صير بني ياس وهي محمية طبيعية للحيوانات والطيور وسيتم تعميرها لتغدو مركزا للسياحة البيئية مع استهداف استقطابها 170 ألف زائر سنويا مع انتهاء العام الجاري، حيث تتم رعاية الحيوانات النادرة من الانقراض بها.

الرعيل الأول

وزائر المدينة عندما يلتقي بالرعيل الأول أمثال المواطن خميس بن زعل الرميثي يتأكد أن لأبوظبي قدما في الماضي وأخرى في المستقبل، إذ يقول: “ماضي أبوظبي يختلف عن الحاضر، وهذا شيء بديهي من سنن الحياة كان الواحد منا لا يجد عملا يعيش منه فيخاطر بنفسه فيرحل للإقامة في الجزر أو إلى إحدى دول الجوار إذ كان اللؤلؤ مصدر رزقنا قبل النفط لأنه لم يكن هناك دخل آخر آنذاك”، وذلك كان الحال في أبوظبي التي عاش فيها الرميثي، الذي كان يبحر لأشهر ويقيم في الجزر وسط البحر من أجل إعالة أسرته واليوم تعد أبوظبي من أعلى مدن العالم من حيث الدخل القومي الإجمالي للفرد.

ويستذكر الرميثي أياما لا يتمنى عودتها قائلا: “كانت الحياة صعبة والموارد شحيحة وعشنا سنوات قاسية يحاصرنا البحر من كل جانب، لكن نجد في زرقته بصيص أمل للرزق الحلال، كان الوضع صعبا، خاصة مع تراجع صناعة صيد اللؤلؤ بدءا من الثلاثينيات وما بعدها، وكان بناء قصر الحاكم قد شجع بعض الأهالي على الاستقرار حوله وجاءت أوائل الأربعينيات والوضع كما هو وحتى عام 1950 عندما بدأت عمليات التنقيب عن النفط تأخذ مجالا واسعا في مناطق حبشان وباب وغيرهما في المنطقة الغربية وبدأت الأمور تتحسن، خاصة مع اكتشاف النفط بكميات تجارية وتصدير أول شحنة في عام 1962”.

ويصف خميس بن زعل الرميثي المدينة في منتصف القرن الماضي قائلا: “كان أهل أبوظبي جميعا يعيشون في منطقة قريبة من قصر الحصن في بيوت أغلبها من العريش “سعف النخيل” وقليلها من الجص “الحصى” وكانت الأخيرة من طابق واحد فقط وليس كما هي الآن أبراج تناطح السحاب وكنا نعرف بعضنا البعض والجار يهتم بأمور جاره ويراه يوميا وكان الرجال يعملون في الغوص وصيد الأسماك والنساء كانت تستخدم سعف النخيل في صناعة بعض الأشياء اليدوية المستخدمة في المنزل كأغطية الطعام والمهفات والفرش والسدو بغرض الاستعمال الشخصي أو التجارة وهكذا كانت تسير الحياة ببطء شديد”.

ويوضح أنه في ذلك الوقت الجميع سواء وكل رجل بعمله فلا يوجد شخص أفضل من آخر، وفي ذلك الزمان كان الأهالي قليلي العدد وكلهم يد واحدة متعاونين على دنياهم.

ولا يعتقد الرميثي أنهم افتقدوا هذا التعاون اليوم، لكن الآن كثر الناس وزاد الخير والكل انشغل بتجارته وعمله وتباعدت الناس والتواصل بينهم أصبح قليلا عكس السابق الناس قليلة وغير منشغله لذا تجدها أكثر تعاونا وتواصلا والكل يزور أقاربه.

ويقول الرميثي: “لم تكن وسائل التعليم متوافرة كما هي اليوم بل كان جل اعتماد الناس في تلقي العلم على المطوع والمساجد والجلوس مع الأجداد والآباء قي مجالسهم”.

ويضيف: “كانت المجالس منابر علم ودين، لكن جاء المطوع ليكمل دور المجالس، ومن أشهر المطاوعة جدي زعل بن راشد معروف بأنه شيخ علم والشيخ بدر وأحمد بالعبد وعبدالله بن حميد والمطوع عبدالحميد وحياة سعيد بن يعروف وعبدالله الوسواسي ودرويش بن كرم وخليفة بن أحمد السويدي كانوا جميعهم يدرسون القرآن في منازل العريش، وكما يوجد مطاوعة من الرجال يدرسون الأولاد واشتهرت مطوعات من النساء يدرسن البنات ومن أشهرهن في فريجنا “الرميثات” المرحومة موزة بنت ثاني ، وفاطمة بنت علي الحاي.

ويصف حال المدينة في ذلك الوقت قائلا: “كانت مجرد صحراء جدباء لا يوجد بها شوارع أبدا إلا شارع حمدان وكان شارعا رمليا غير مرصوف بالإسفلت ولا يوجد بالمدينة فنادق أو بنايات سكنية والأسواق لا يوجد إلا سوق شعبي في أبوظبي بناؤه ضيق من الخشب والشينكو “ألواح من الصفائح المعدنية” ومكانه الآن بالقرب من مكان السوق المركزي.

(أبوظبي – وام)

التعليم يقود النهضة

وقال الرميثي: لم يقف الشيخ زايد مكتوف الأيدي في ذلك الوقت وبدأت الدولة منذ توليه مقاليد الحكم استضافة البعثات المدرسية من دول الجوار، وبعض الدول العربية لمساعدتها في نشر العلم، ومن ثم استقدم عدداً من المدرسين المؤهلين لاستكمال المنظومة التعليمية، مروراً برحيل الإنجليز عن المنطقة، وأخيراً قيام الاتحاد واستحداث وزارة للتربية والتعليم، فالتعليم محمور النهضة.

وتطور التعليم في المدينة في عهد الشيخ زايد تطوراً مذهلاً بعد أن كان صعباً والإمكانات محدودة ففي بداية عام 1968 لم يكن بالمدينة إلا مدرسة واحدة للبنات على شاطئ البحر اسمها مدرسة البنات بالإضافة إلى مدرسة جديدة تم افتتاحها في ذلك الوقت في البطين، اسمها مدرسة الخنساء، وما زالت تحمل اسمها حتى الآن وكنا نعتبر البطين في ذلك الوقت بلداً بعيد جداً عن أبوظبي، وليس جزءاً من المدينة كما هو الحال الآن إلى جانب مدرستين للبنين، إحداهما ابتدائية، واسمها مدرسة محمد بن القاسم، وأخرى إعدادية، واسمها إعدادية أبوظبي.

ويقول الرميثي: إن دخول الكهرباء إلى المنازل تسبب في نقلة حضارية كبيرة، وأصبحنا نحضر كميات من اللحوم ونحفظها في الثلاجات بدلاً من شرائها يوماً بيوم، وأصبحنا نشرب المياه الباردة بعد أن كنا نشرب من “اليحلة”، وهي إناء فخاري، وحفظنا الخضار والفاكهة في الثلاجات وتغيرت حياتنا بعد استعمالنا للمراوح والمكيفات والأجهزة الكهربائية الأخرى.

الإنسان الثروة الحقيقية وليس النفط

خلال عام 1966 تولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “رحمه الله” حكم أبوظبي وهو القائد المؤسس لدولة الإمارات، وشدد الشيخ زايد على أن الإنسان هو الثروة الحقيقية وليس النفط فقط لأنه بالإنسان تقوم الحضارة وتتأسس الدول وتزدهر وبالتعليم والثقافة تنمو الشعوب وتبني مستقبلها وأن المستقبل يصنعه الإنسان إذا تم إعداده لمعركة الحياة، وهذا ما حدث في الإمارات حين تحول التعليم إلى مدارس حديثة ومتطورة وجامعات وكليات وميادين للعلم والنور، وكان ذلك وفق خطط مرسومة وبرامج وضعتها الحكومة الاتحادية التي سعت إلى تحقيقها.

ونقلت القيادة الحكيمة للشيخ زايد أبناء الشعب والوطن إلى مرحلة تطور متسارع في مختلف الميادين حتى أصبحت أبوظبي اليوم مدينة متحضرة تقود الكثير من مشاريع النهضة العربية، التي عجزت عنها كبريات الدول فتسارعت خطى التطور فيها حتى أصبحت في غضون بضعة عقود واحة أعمال مزدهرة تستقطب اهتمام العالم وتلهم جيرانها بتأسيس مشاريع مشابهة.

وتعيش أبوظبي في الوقت الحاضر مرحلة نهضة حقيقية بتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله “، ومتابعة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لتواصل مسيرة النمو والتنمية بهدف تفعيل، وصقل دور الإمارة ضمن الخريطة الاقتصادية والثقافية والسياحية العالمية إذ تعتزم حكومة أبوظبي جعل العاصمة من أفضل مدن العالم عمرانياً وسياحياً وفقاً لخطة أبوظبي للتنمية المستدامة التي تنتهي بحلول عام 2030.

(أبوظبي – الاتحاد)