أفغانستان.. هل كتب «الانسحاب» نهاية نظام القطب الواحد بقيادة أمريكا؟

أخبار

لا تزال أصداء الانسحاب الأمريكي الأخير من أفغانستان تتصدر وسائل الإعلام العالمية وتجذب اهتمام الخبراء والمختصين لتحليل ما جرى ورصد تداعياته وتوقع ما سيجري وأين ستصبح مكانة الولايات المتحدة بعد ذلك.

وفي هذا السياق نشر موقع «مودرن دبلوماسي» تقريراً يشير إلى أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يمثل بداية نهاية القطبية الأحادية التي تقودها الولايات المتحدة.

وقال التقرير إن هجمات 11 سبتمبر الإرهابية والتعبئة العسكرية التي نتجت عنها والتي أدت إلى غزو أفغانستان، أعطت نظرة جيوسياسية بأن الانتصارات الأمريكية المبكرة هيأت الأرضية الصلبة للاعتقاد العام بأن النظام العالمي كان مستقراً تحت قيادة قطب واحد وهو الولايات المتحدة.

غطرسة أحادية القطب

لم تتأثر هذه الرواية الموصوفة بشأن التفوق العالمي للولايات المتحدة بشكل كبير بهجمات 11 سبتمبر الإرهابية – أ ف ب.

في عام 1999 كتب ويليام وولفورث، الأستاذ بكلية دارتموث، أنه لعقود عديدة من غير المرجح أن تكون أي دولة في وضع يمكنها من مواجهة أمريكا في أي من عناصر القوة الأساسية، مع الأخذ في الاعتبار المكونات الاقتصادية، والعسكرية، والتكنولوجية والجيوسياسية.

وعلى نفس النهج وفي نفس العام وصف العالم الاجتماعي والسياسي صامويل هنتنغتون النظام العالمي بأنه أحادي القطب، وقال على الرغم من أن الولايات المتحدة تطلب في بعض الأحيان بعض المساعدة من الدول الأضعف لتحقيق أهدافها، إلا أنها القوى العظمى الوحيدة التي تتفوق في كل مجالات القوة الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والأيديولوجية مع القدرة على تعزيز مصالحها وإمكانياتها في كل جزء من العالم تقريباً.

ولم تتأثر هذه الرواية الموصوفة بشأن التفوق العالمي للولايات المتحدة بشكل كبير بهجمات 11 سبتمبر الإرهابية، بل غذت القدرة على نشر القوات الأمريكية بعيداً عن شواطئها بدلاً من تقليص فكرة القطبية الأحادية.

وأشار التقرير إلى أن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام من التحليلات المذكورة للولايات هو النظرة المتفائلة إلى حد كبير حول قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على مسافة كبيرة بينها وبين القوى الأخرى في العالم.

وعندما تم النظر في المنافسين المحتملين تم ذكر برلين وباريس وطوكيو، وبشكل متكرر كانت بكين، إلا أن الغريب أنه لم يتم أخذ نيودلهي في الاعتبار.

وفيما يتعلق بقدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على نموها بشكل قوي كتب علماء مثل ويليام وهلفورث وستيفين بروكس بعد هجمات 11 سبتمبر أن فترة القطب الواحد قد تستمر لفترة أطول، حيث سيتطلب الأمر ركوداً محلياً عميقاً وطويل الأمد إلى جانب نمو قوي في مكان آخر حتى تعود الولايات المتحدة إلى المركز الاقتصادي الذي احتلته في عام 1991، وأضافوا أيضاً أن الاحتمالات لحصول مثل هذا الانخفاض النسبي قليلة جداً، وذلك بسبب أن الولايات المتحدة في أفضل وضع للاستفادة من العولمة.

نسيان الصين

وأشار التقرير إلى أنه لم يكن هناك سوى عدد قليل من الخبراء الذين تطرقوا بجدية لفكرة تحول الصين لقوة إقليمية أو عالمية.

واعتمد كل من بروكس وهلفورث النظرية التي كانت سائدة بناءً على معطيات ذلك الوقت، وقالوا إن 50% من القوة العاملة في الصين تعمل في الزراعة، وأن جزءاً قليلاً من اقتصادها موجه نحو التكنولوجيا العالية.

كما ذكروا أنه في فترة التسعينيات كان إنفاق الولايات المتحدة على التطور التكنولوجي أكثر بعشرين ضعفاً من إنفاق الصين، وأن معظم أسلحة الصين قديمة منذ عقود.

وتطرق التقرير لبيانات البنك الدولي الحديثة والتي أظهرت أن القوة العاملة في الزراعة بالصين بلغت 24.37% في 2020، كما سجلت رقماً قياسياً بلغ 2.4% أي ما يعادل 337 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي في نفس العام على البحث والتطوير.

بالإضافة إلى ذلك فإن بكين باتت تنفق على الدفاع أكثر من أي وقت مضى، ولم تعد كما كانت قبل 10 سنوات على أقل تقدير.

تجاهل الواقع

بدأ عدد متزايد من المحللين في السنوات الأخيرة بطرح نظرية عدم استمرار السيادة الأمريكية إلى الأبد، وذلك وسط ارتفاع الاقتصادات الناشئة إلى معدلات نمو أعلى باستمرار مقارنة بالدول النامية.

وباتت قوة الولايات المتحدة تتضاءل بسبب انتشارها العسكري المكلف وغير المسؤول بشكل كبير في العراق وأفغانستان المرتبط بالحرب العالمية على الإرهاب التي شنها الرئيس الأسبق جورج بوش، ونتيجة لذلك واجهت الولايات المتحدة ضربة قاسية لشرعيتها وعملت لصالح القوى الناشئة.

وكتب أستاذ العلاقات الدولية أميتاف أشاريا في كتابه نهاية النظام العالمي الأمريكي، أن الانحدار الأمريكي انطلق بعد أن انتهت مهمة جورج بوش وسرعان ما أفسح المجال لسيناريو فيتنام في العراق، بينما تحول الفائض الذي كان في زمن الرئيس بيل كلينتون إلى عجز تاريخي، وقال أشاريا إن زوال القطب الأحادي لم يتم التعجيل به من خلال الانعزالية، بل المغامرة.

ما بعد أحادية القطب

واستشهد التقرير بما قاله أستاذ العلوم السياسية بجامعة أوهايو راندال شويلر، في مقال عام 2011 بعنوان «ما بعد القطبية الأحادية، رؤى الصين للنظام العالمي في عصر تراجع الولايات المتحدة»، وأشار فيه إلى أن القطبية الأحادية التي بدت بشكل غريب قبل بضع سنوات باتت تظهر على أنها لحظة عابرة.

وأضاف أن الولايات المتحدة لم تعد قوة هائلة فوق المنافسين المحتملين، في حين ركبت القوى الأخرى قطار المنافسة.

ومن بين المقالات الأخرى التي تطرقت إلى زوال عصر أحادية القطب، مقال للفايننشال تايمز في 2011 أيضاً بعنوان متى يجب على أمريكا أن تدير تراجعها للكاتب والمحلل جيديون راتشمان، والذي أثار النقاش العام لسنوات بعدها.

وأشار راتشمان في مقاله حينها إلى أن القوى الجديدة الأخذة في الصعود لكل منها تفضيلاتها الخاصة في السياسية الخارجية، والتي تقيد بشكل جماعي قدرة أمريكا على تشكيل العالم.

وعلى الرغم من أن الكثيرين ما زالوا يعتقدون أن أمريكا يجب ألا تتخلى عن انتشارها في الشرق الأوسط، أو يرون أن الانسحاب الأخير من أفغانستان كان مأساوياً وغير ضروري، يرى البعض الآخر أنه من الإنصاف القول إن التدخلات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط تساهم في عدم الاستقرار في المنطقة.

وأوضح التقرير أن أهم العوامل التي شكلت مستقبل المغامرة العسكرية الأمريكية، كانت الشعب الأمريكي الذي كان يدعم بقوة عملية الانسحاب من أفغانستان ويطالب بإنهاء الحروب التي لا نهاية لها.

لحظة الحساب

قال التقرير إنه اعتباراً من اليوم بات غالبية قادة الفكر يشككون في أن النظام متعدد الأقطاب يمكن أن يكون أكثر سلاماً من النظام أحادي القطب.

وقال المؤرخ الاسكتلندي نيال فيرغسون عند تعليقه على الانسحاب من أفغانستان، إن الانحدار الأمريكي يعكس التراجع البريطاني قبل قرن من الزمان، ويحاكي مصير الإمبراطورية البريطانية بأن حقيقة الاستمرار مستحيلة.

وأوضح التقرير أن نظام الأحادية القطبية نفسه يخلق ظروفاً لاندلاع الصراعات المتكررة بين القوة المهيمنة والقوى الصغيرة التي لا تلين، والصراع بين القوى الصغيرة والتي يصعب إداراتها من قبل حلفاء القوى العظمى.

وأشار أيضاً إلى أن القطبية الأحادية خالية من ضبط النفس ما يؤدي إلى المغامرة والغطرسة وهو ما شهدناه في الغزو الأمريكي للعراق، ولكن في نفس الوقت أيضاً فإن الاستغناء عن القوة المهيمنة للحفاظ على النظام الدولي موضع تحدٍ أيضاً.

نظام جديد

أشار التقرير إلى أن العالم لم يعد يعيش في نظام أحادي القطب، وبالتالي يجب أن نعيد التفكير ووجهات النظر من أجل التعامل مع التحديات العالمية كتغير المناخ والدول الفاشلة والحد من الفقر والانتشار النووي.

وأوضح التقرير أن العالم بات يتمتع بفرصة فريدة لتعزيز التعاون وإشراك أصوات أكثر بكثير من أي وقت مضى في تاريخ البشرية، وسيمثل النظام الجديد ازدهاراً بفضل تحسين الوضع الاقتصادي في بلدان العالم النامي.

المصدر: الرؤية