عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

أنا آسف يا شنكر!

آراء

كل ذنبه أنه كان جارنا، وأنه كان «سردار» لا أعلم من الذي كان سبباً في تلك الشائعات الجنونية التي تحاك حوله بأنه يشرب دماء الأطفال، ويطهو لحومهم، والتي جعلتنا نحيل حياته وعائلته إلى جحيم ونحن نؤمن في تلك الأيام بأن ما نقوم به كان نوعاً من «الجهاد المقدس».

كنا نجتمع في مجموعات «منظمة» تحوي كل مجموعة ثلاثة أو أربعة من الأطفال.. المجموعة الأولى كان دورها أن تقف أمامه حين يخرج من سكنه وهو يرتدي تلك العمامة الشهيرة، ثم تقوم بتشبيك الأصابع على هيئة سيفين متقاطعين والبصق عليهما، كان شنكر ينظر إلينا باستغراب ونحن نهرب من أمامه بعد أداء تلك «المهمة الجهادية»، ونحن نستغرب بدورنا لأن شنكر لم يغضب، وقد عرفت بعدها ب30 عاماً أن هذه الإشارة لا تعني شيئاً، وأنها كانت مجرد شائعة!

بعد صلاة العصر وبعد انتهاء درس التحفيظ كانت المعنويات في القمة، فيقرر بعض المتحمسين منا إلقاء البيض على سيارته ويقوم الآخرون بدهنها أو تشخيطها بالمفاتيح.. دع عنك المهمة الأسبوعية المهمة لسرقة العمامة والتي لم يكن يقوم بها سوى فرقة «الاستشهاديين»، لأنه غالباً ما كانت نتائجها وخيمة!

كان شنكر يسير في حقل ألغام لا في فريج من الفرجان، في كل زاوية عليه أن يتوقع مقلباً ومع كل تعامل عليه أن يتوقع مسبة وهروباً.. ولم نكن نسمع إطلاقاً من معلمينا أو محفظينا أو ندمائنا أي توجيه لنا بأن هذا وهذا وهذا هو ما سيجعل شنكر وغيره يؤمن فعلاً بأننا أناس نسعى للتصادم ولا نحترم الآخر، وحتى لو أن شنكر بحكم سنه وطول احتكاكه بنا يعلم أننا مجموعة من الأطفال الحمقى، فهل اللاوعي الموجود لدى أطفاله سيأخذ المدرك ذاته أم أنهم سيصنفوننا بشكل طبيعي «كإرهابيين مزعجين»!

من يأخذ بأيدي وعقول أبنائنا بعيداً عن التسلسل المقلوب لعلاقتنا بالآخر، التي أصبحت تبدأ بالحروب والمواجهة وعلى هوامشها حسن الخلق؟من يعلّم أجيالنا المقبلة أن الأصل في العلاقة هو حسن التعامل مع الغير، وأن الله ورسوله أوصيا به أولاً، وأنه هو القاعدة وهو الذي يزرع في الآخر الميل لأن يصبح منا؟ أما الاستثناء فهو ما يحدث في فترات المواجهة!

ليتني أقابل شنكر الذي هاجر إلى كندا مرة أخيرة كي أعتذر له بصدق وأفهمه أن ما جرى لم يكن تربية أهلنا، لكنه كان أفكاراً ظلامية لا أعلم من الذي زرعها برؤوسنا! ليتني أهز رأسي أمامه (على طريقتهم) معتذراً، وأنا أكرر الكلمة الوحيدة التي أحفظها بالملاليلام «بتشا دماغ نيي»!

المصدر: الامارات اليوم