اختبار «المارشملو»

آراء

تزخر ذاكرة البحث العلمي بالتجارب التي أرست أسس الكثير من النظريات، وساعدت الإنسان على سبر أغوار ذاته، وفهم ما الذي يحركه ويحفزه، وقد استغرق العلماء والباحثون عقوداً كثيرة ليساعدونا على اكتشاف أنفسنا، حتى نستطيع العيش بصورة أفضل، فنرتقي ونكون كما أراد لنا خالقنا، فنعمر الأرض، ونبني مجتمعات تقوم على الأخلاق والقيم والعلم. بالطبع ليس هذا ما يحدث، ولايزال العالم لم يقترب من المثالية، بل تزداد الهوة كل يوم بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان وبيئته التي جعلها الله سكناً ومستقراً له إلى حين، بل تزداد الهوة بينه وبين خالقه، والسبب الرئيس هو انشغال الإنسان بالملذات الدنيوية قصيرة الأجل، الزائفة، وإهماله لروحه، فلم يعد يغذّيها، وبعد عن الالتزام بتعاليم خالقه فأصبح تائهاً حيراناً، لا يدري ما الحكمة من وجوده، وما قيمته الحقيقية، ونسي أن الله فضّله على سائر المخلوقات.

«لو أن الإنسان استطاع

التحكّم في ذاته وصبر،

فلابد أن يحظى بما

يتمنّى في النهاية».

إن الانضباط أساس النجاح والقدرة على التحكّم في النفس، والتغلب على الشهوات هو الطريق لهذا النجاح المستدام. من التجارب البسيطة جداً، التي لها قيمة علمية رائدة، تجربة قام بها العالم «والتر ميشيل» من جامعة «ستانفورد» في أوائل السبعينات. وتتلخص التجربة في وضع طفل وحيداً في غرفة وأمامه قطعة كبيرة من «المارشملو»، وتخييره بأن يأكل قطعة «المارشملو» وقتما يريد، أو أن ينتظر لمدة 15 دقيقة كاملة، وهنا سيحصل على قطعة أخرى. بعض الأطفال استطاعوا الانتظار وحصلوا على القطعتين، والبعض الآخر تعجّل ولم يستطع كبح رغبته في التهام قطعة «المارشملو» قبل المدة المحددة، بل إن بعضهم لم ينتظر حتى سماع التعليمات والتهم القطعة فور رؤيتها.

تم بعد ذلك تتبّع ودراسة حياة هؤلاء الأطفال، ووجد أن الأطفال الذين انتظروا وصبروا حققوا معدلات نجاح أكاديمي أعلى بكثير من أقرانهم الذين تعجّلوا. ليس هذا فقط، بل حققوا نجاحاً في مختلف نواحي حياتهم، حتى في مؤشر كتلة الجسم، والالتزام بنمط حياة صحي.

ذكّرتني هذه التجربة بالكثير من التجارب التي مررت بها، سواء كنت طرفاً فيها أو كان أحد الأصدقاء. بالفعل، لو أن الإنسان استطاع التحكم في ذاته وصبر، فلابد أن يحظى بما يتمنى في النهاية، ولا عجب في ذلك، فقد قاله لنا المولى عز وجل، وهو سبحانه أقرب إلينا من حبل الوريد، فقد تكرر الثناء على الصابرين في الكثير من آيات القرآن الكريم. الجميل في الموضوع أن الإنسان يمكنه تعلّم الانضباط والتحكم في النفس بالتدريب والمثابرة.

المصدر: الإمارات اليوم