بدرية البشر
بدرية البشر
كاتبة سعودية مقيمة في دبي

«اكشفي»!

آراء

على قناة «يوتيوب» ستجد حلقة من البرنامج السعودي الساخر «لا يكثر» للشاب فهد البتيري، وهو برنامج «يوتيوبي»، أي يقدم حصرياً على قناة «يوتيوب». في هذه الحلقة يطلب مخرج البرنامج من شباب فريق العمل كل على حدة أن يقف أمام الكاميرا ويوجّه كلمة واحدة للنساء تقول «اكشفي»، وتبدأ الحلقة بهذه الكلمة المخادعة التي يفهم منها الشاب أنها دعوة للمرأة لكشف وجهها. يستغرب الشاب الأول قائلاً: «هكذا فقط اكشفي»، فيرد عليه صوت من خلف الكاميرا: «نعم اكشفي، وعيشي حياتك». الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين جميعهم قالوا، لا. لن نقولها. أما أعذارهم فهي «إنها كلمة صعبة»، «صادمة»، الثاني مثّل ماذا يمكن أن يحدث معه بعد قول الكلمة، يد تقبض على ياقته وتجره وهو يقول خائفاً: «أنا لم أفعل شيئاً»، الثالث قال: «لا يا خوي، وراي زواج ومستقبل»، الرابع قال: «هذا مشروع «تغريبي» على طول الخط»، الخامس انسحب، السادس قالها ثم تراجع نادماً لا، لا، ثم انسحب، السابع، الثامن لا أدري كم عددهم، لكن بطل العمل الساخر ظهر بعد كل هذا الكم من الانهيارات في الفريق ليقولها بكل شجاعة، سيدتي «اكشفي عن سرطان الثدي، فالكشف المبكر يساعد في عملية الشفاء»، ولم تتعدَّ الحلقة أكثر من كانديد كاميرا محترفة.

ومع شكرنا الجزيل لهذا المجهود التثقيفي الصحي المهم للكشف المبكر عن سرطان الثدي للسيدات، إلا أنني أشكرهم مرتين، فهم أيضاً كشفوا كشفاً مبكراً عن سرطان آخر اسمه التشدد الاجتماعي بل والعنيف حيال قضية هي محل خلاف فقهي وخيار شخصي، فقد شعر جميع الشباب الذين واجهوا الكاميرا بأنهم سيُقضى عليهم وعلى مستقبلهم لو روّجوا لكشف وجه المرأة، لأنهم بكل بساطة لم يدرسوا في مناهجهم المدرسية المواقف الفقهية المتعددة والمختلفة في باب كشف الوجه، ويحرص الصحويون الذين يصدقون كل ما يقوله واحد من أهم شيوخ الصحوة ناصر الدين الألباني إلا قوله في جواز كشف الوجه، كما قال لهم إن المرأة أشرف لها أن تقود سيارة بدل أن تركب حماراً. لكن هذه الآراء حجبت وكتمت لأنها خالفت السائد والتقليدي. ليس الشباب وحدهم من وقف مرعوباً متردداً من قضية كشف وجه المرأة، فحتى مجلسنا الشوري «شال وحط»، وحار بين موقفين «هل تلزمها أم لا تلزمها» في قضية البطاقة المدنية للمرأة، وبعد جدل استمر ثلاثين عاماً حول حاجة المرأة لبطاقة «مدنية» تعرّف بهويتها في الإدارات الرسمية، ولولا أنها تحولت إلى قضية أمنية في المقام الأول لما استطاع مجلس الشورى أن يحسم أمرها، لكنه عاد ووضع سبع سنين طويلة لنفاذ المهلة، كما حرص في بيان اللجنة الختامي على عدم إلزام المرأة بكشف الوجه في حالة الامتناع، إلا أن كشف الوجه ليس هو المشكلة الوحيدة عند بعض القضاة، بل تعداه إلى كشف الإصبع، فقد أصدر فريق من القضاة بياناً رفعوه لوزير العدل يعترضون على أمور كثيرة، منها كشف إصبع المرأة الذي سيستدعيه نظام البصمة، والذي طرح كبديل للبطاقة المدنية في المحاكم، فقد اعترض بعض القضاة على ظهور وجه المرأة في البطاقة المدنية، فطرح جهاز مطابقة البصمة بديلاً في المحاكم، لكن بعض القضاة قالوا إن الإصبع فيه وما لا فيه، وهكذا فإن علينا العودة إلى مربع جواز كشف الإصبع أولاً؟

 المصدر: جريدة الحياة