التداعيات الاقتصادية لقطع العـلاقات الخليجية – القطرية

أخبار

أصبح الاقتصاد القطري في حالة من العزلة شبه التامة بعد قيام كلٍّ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، وعدد من الدول الأخرى، منها اليمن وليبيا وجزر المالديف؛ بقطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دولة قطر في الخامس من يونيو الجاري، وما يزيد من صعوبة هذه القرارات أنها تضمنت إغلاق كل المنافذ البحرية والبرية والجوية أمام الحركة القادمة والمغادِرة لقطر.

– قطع دول الخليج علاقاتها مع قطر يُهدد استقرار نحو 11% من التجارة الخارجية للدوحة، بما يبلغ 11.6 مليار دولار سنوياً، وهو ما سيُلقي بظلاله ليس فقط على قطاع التجارة الخارجية القطري، وإنما يضغط أيضاً على جميع الأنشطة الاقتصادية ذات العلاقة بالتجارة الخارجية وصولاً إلى الاقتصاد الكلي.

– واردات قطر من مواد البناء تأتي عبر معبر «أبوسمرة»، وانقطاع الواردات يؤخر مشروعات استضافة قطر للمونديال.

– ستتكبد التجارة البرية القطرية خسائر جمة؛ إذ إن قيام السعودية بإغلاق معبر «أبوسمرة»، المنفذ البري الوحيد الذي يربط قطر بالسعودية، سيمنع مرور نحو 800 شاحنة يومياً، تحمل السلع الغذائية ومدخلات الإنتاج ومواد البناء وغيرها إلى الأسواق القطرية، ما يعني شح العديد من السلع، وارتفاع أسعارها.

– أسهمت استثمارات دول الخليج الثلاث ومعها مصر في توليد نحو 31 ألف فرصة عمل في الأسواق القطرية خلال الفترة من 2003 – 2015، أو ما يساوي 34% من إجمالي فرص العمل التي ولَّدها الاستثمار الأجنبي. كما أسهمت هذه الاستثمارات في تنفيذ نحو 165 مشروعاً، بنسبة 28% من المشروعات التي تم تنفيذها في قطر.

خسائر قطاعَي السياحة والطيران المدني

تشير الإحصاءات إلى أن منفذ «أبوسمرة» البري بين قطر والسعودية عبره أكثر من 326 ألف شخص خلال الفترة من 10 يناير – 5 فبراير 2017، ما يعني أن هذا المعبر يمر به نحو 12.5 ألف شخص يومياً، وبالتالي فإن إغلاقه يمنع ما يوازي 4.6 ملايين شخص سنوياً من العبور إلى قطر.

ويرتبط بذلك أيضاً الآثار السلبية المتوقع أن تلحق بقطاع الطيران المدني القطري، جرَّاء قطع العلاقات، فالخطوط الجوية القطرية ستخسر 50 رحلة جوية يومياً.

وبدأت آثار قطع العلاقات تظهر بالفعل على الاقتصاد القطري، ومن المرجّح أن تتسع هذه التداعيات مستقبلاً، لاسيما في ظل الأهمية الكبيرة التي تحتلها دول السعودية والإمارات والبحرين بالنسبة لحركة التجارة الخارجية لقطر، وكذلك بالنسبة لحركة الأفراد منها وإليها، هذا إلى جانب العلاقات الاقتصادية المباشرة التي تربط الاقتصاد القطري بها، وتجعله معتمداً عليها في العديد من القطاعات. وبالتالي، يتوقع أن تكون هناك خسائر اقتصادية على قطر جرَّاء الأزمة الحالية مع دول الخليج، منها ما يلي:

1 عدم استقرار التجارة الخارجية

يرجح أن يتأثر قطاع التجارة الخارجية القطري بشكل كبير نتيجة حالة العزلة التي دخل فيها الاقتصاد. وتشير الإحصاءات إلى أن الصادرات القطرية التي بلغت 65 مليار دولار في عام 2016، ذهب ما قيمته 6.5 مليارات دولار منها أو ما يساوي 10% إلى أسواق السعودية والإمارات والبحرين ومصر، كما أن الواردات القطرية التي بلغت نحو 34 مليار دولار في العام نفسه، جاء نحو 5.1 مليارات دولار أو نحو 15% منها من دول الخليج الثلاث ومعها مصر.

وما سبق يعني أن قطع دول الخليج علاقاتها مع قطر يُهدد استقرار نحو 11% من التجارة الخارجية للدوحة، بما يبلغ 11.6 مليار دولار سنوياً، وهو ما سيُلقي بظلاله ليس فقط على قطاع التجارة الخارجية بالنسبة لقطر، وإنما يضغط أيضاً على جميع الأنشطة الاقتصادية.

وستتكبد التجارة البرية القطرية بدورها خسائر جمة؛ إذ إن قيام السعودية (الدولة الوحيدة التي تشترك مع قطر في حدود برية) بإغلاق معبر «أبوسمرة»، المنفذ البري الوحيد الذي يربط قطر بالسعودية، ينتج عنه العديد من المشكلات بالنسبة للأسواق القطرية، لاسيما أسواق السلع الاستهلاكية، حيث يمر من خلال هذا المعبر نحو 800 شاحنة يومياً، تحمل السلع الغذائية ومدخلات الإنتاج ومواد البناء وغيرها إلى الأسواق القطرية، وبالتالي يُتوقع أن تُعاني الأسواق القطرية عدم توافر العديد من هذه السلع، ناهيك عن ارتفاع أسعارها. وتزداد هذه الأزمة حدةً مع قيام السعودية والإمارات والبحرين بإيقاف ممرات الملاحة البحرية والجوية مع قطر.

ومن المرجح أن تكون أسواق سلع الاستهلاك القطرية هي الأكثر تأثراً بهذه الإجراءات، حيث تشكل هذه السلع ما نسبته 27% من الواردات القطرية من السعودية والإمارات والبحرين، تليها أسواق «الأغذية والحيوانات الحية» التي تمثل 16% من تلك الواردات.

2 أضرار جسيمة في قطاع الإنشاءات

سيتكبد قطاع الإنشاءات القطري الكثير من الخسائر بسبب قطع العلاقات مع السعودية والإمارات والبحرين، فهذا القطاع يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والشركات المنتمية لدول الخليج؛ حيث تشير بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد» إلى أن قطاع الإنشاءات يُعد من القطاعات الأكثر استقبالاً للاستثمارات الخليجية في الوقت الراهن.

كما أن نسبة كبيرة من واردات قطر من مواد البناء تأتي من دول الخليج، وبصفة خاصة من خلال المعبر البري «أبوسمرة»، وبالتالي فإن انقطاع هذه الواردات يهدد بتأخير تنفيذ مشروعات إنشائية ترتبط باستضافة قطر لمونديال 2022، الأمر الذي قد يؤثر في قدرتها على استضافة هذا الحدث العالمي الذي تُعوِّل عليه الحكومة القطرية في إحداث نهضة كبيرة في عددٍ من القطاعات، على رأسها السياحة، كما أنها تُعلِّق الكثير من الآمال عليه من أجل تحسين موقع البلاد على خريطة التنافسية في العديد من القطاعات، لاسيما البنية التحتية والمرافق العامة والثقافة والترفيه واستضافة الفعاليات العالمية الكبرى.

3 تراجع الاستثمار الأجنبي

مع تحوّل الاقتصاد القطري إلى حالة العزلة شبه التامة بعد قطع العلاقات من جانب دول الخليج؛ فإن ذلك يقلص من قدرات هذا الاقتصاد على اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر. ويعود ذلك إلى محدودية السوق القطرية، وضعف قدرتها الاستيعابية بالنسبة للاستثمار الأجنبي، لاسيما أن حالة العزلة التي دخلتها تُقلص من قدرة الشركات العاملة بها على الوصول إلى أسواق دول الجوار، من أجل تصريف منتجاتها. يُضاف إلى ذلك، عدم تنوع الفرص الاستثمارية المتاحة في الاقتصاد القطري؛ حيث تتركز معظم هذه الفرص في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، علاوةً على مظاهر عدم الاستقرار التي سيتعرض لها الاقتصاد القطري في ظل حالة العزلة الناتجة عن عدم انتظام إمدادات المواد الأولية ومدخلات الإنتاج، إلى جانب تراجع فرص حصول قطر على التمويل من الأسواق المحلية والإقليمية.

وبالنظر إلى أن البحرين والإمارات ومصر والسعودية من أهم الدول المستثمرة في قطر، فإن قيامها بقطع علاقاتها مع الدوحة سيتسبب في تراجع استثماراتها هناك، أو انسحابها منها تماماً، الأمر الذي سيُفقد الاقتصاد القطري أحد أهم محركاته في الوقت الحالي، ويتسبب في فقدانه العديد من الوظائف. ووفقاً لبيانات مؤتمر الأمم المتحدةللتجارة والتنمية «الأونكتاد»، بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من دول البحرين والإمارات ومصر والسعودية إلى قطر خلال الفترة 2003 – 2015 نحو 22.2 مليار دولار، بما يمثل 20.5% من إجمالي الاستثمارات المباشرة التي وردت إلى قطر خلال تلك الفترة. وقد أسهمت استثمارات دول الخليج الثلاث ومعها مصر في توليد نحو 31 ألف فرصة عمل في الأسواق القطرية، أو ما يساوي 34% من إجمالي فرص العمل التي ولَّدها الاستثمار الأجنبي بها خلال الفترة نفسها، كما أسهمت هذه الاستثمارات في تنفيذ نحو 165 مشروعاً، بنسبة 28% من المشروعات التي تم تنفيذها في قطر.

4 اضطرابات مالية متوقَّعة

تمثل حالة العزلة التي تحول إليها الاقتصاد القطري أحد مصادر التهديد بالنسبة لقدراته المالية، وجدارته الائتمانية كذلك، حيث تحد هذه الحالة كثيراً من تدفقات رؤوس الأموال إليه، بسبب توقف أو انحسار الأنشطة في العديد من القطاعات المُدرة للنقد الأجنبي بالنسبة إليه، مثل: الطيران المدني، والتصدير وإعادة التصدير، والسياحة، والاستثمار الأجنبي. وسينتج عن ذلك حدوث تراجع في احتياطي النقد الأجنبي القطري، ومن ثم لجوء الحكومة القطرية إلى السحب بكثافة من أرصدتها المالية، بما في ذلك صناديقها السيادية من أجل تأمين السيولة المالية اللازمة لتمويل عجز الموازنة العامة، وكذلك من أجل ضخ بعض الأموال في القطاع المصرفي وتمويل الاستيراد.

وستنعكس هذه المعطيات الجديدة على التصنيف الائتماني للاقتصاد القطري، الذي سيكون أكثر انكشافاً، ولابد أنه سيكون محل مراجعة خلال الأيام المقبلة. وبالفعل فقد ذكرت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، التي قامت نهاية الشهر الماضي بتخفيض التصنيف الممنوح لقطر إلى AA3 بدلاً من AA2، أن «قطع علاقات دول الخليج قد يؤثر على الجدارة الائتمانية لقطر خلال الفترة المقبلة». وفي السياق نفسه، ارتفعت كلفة التأمين على الديون السيادية القطرية إلى أعلى مستوياتها في شهرين.

وتُعد سوق المال القطرية من أكبر المرشحين لتكبد الخسائر بسبب قطع دول الخليج علاقاتها مع الدوحة. وفور الإعلان عن ذلك تراجع المؤشر العام للسوق القطرية إلى أكثر من 8%، وفقد سهم «بنك قطر الوطني»، أكبر بنك في البلاد، أكثر من 10% من قيمته. وعلى المدى الطويل، يُتوقع أن تفقد سوق المال القطرية مكانتها كثاني أكبر سوق مالية في المنطقة العربية، بعد السوق السعودية، وذلك بسبب خروج رؤوس الأموال العربية والخليجية منها، إلى جانب تأثر أنشطة الشركات القطرية الرئيسة المدرجة بها سلباً جرَّاء قطع العلاقات.

المصدر: الإمارات اليوم