التعامل مع «الشيطان».. مشهد قطـري بامتياز

أخبار

«المال مفسدة الحكام والأنظمة» والتعامل مع الشيطان لتحقيق الأهداف.. مشهد قطري بامتياز.. رأته العيون ووعته العقول بعد تساؤلات سيطرت على جماهير الساحرة المستديرة في أرجاء المعمورة، فها هي الدوحة عاصمة البقعة الجغرافية المسماة بقطر طار جنونها، حينما تراكمت ثروات الغاز فأرادت أن تكون حاضرة ولكن عبر الأبواب غير المشروعة، وفي دهاليز الظلام اتفقت ومولت واستطاعات شراء النفوس الخربة لتتوج منظومتها الداعمة للخراب والإرهاب سلمياً وعسكرياً بفوزها بتنظيم كأس العالم «مونديال 2022».

وسيناريو الظهور المفاجئ يتناغم وعمليات الإرهاب في «لحظة المفاجأة». إنها أيديولوجيا نفسية وعملية خرجت من الدوحة إلى كل راغبي الشر في العالم، ومازال الستار ينكشف يوماً بعد الآخر عن مخزون قطر من الشر المستطير، من دون مقدمات ودون سوابق، تقدمت الدوحة مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بملفها إلى «الفيفا»، من أجل الفوز بشرف تنظيم «مونديال 2022» لكرة القدم، وكما تقدمت دون مقدمات فازت بالسباق طارحة علامات استفهام وتعجب لهذا الكابوس، فقد فازت بالسباق على حساب دول عريقة مثل الولايات المتحدة الأميركية ولندن وأستراليا، وغيرها، والسؤال المسيطر على جماهير الرياضة وسكان الكوكب: أي دويلة هذه التي فازت بتنظيم المونديال، وهل نجحت في إقناع المجتمع الدولي بقدرتها على التنظيم والاستضافة، أم……….. إلخ من وسائل وممارسات تشمل كل شيء لتحقيق الهدف.

التعامل مع الشيطان

ومع اكتشاف النفط ومن بعده الغاز بدأت الثروة تتساقط على قطر، وبدأ معها الشعب القطري يأمل في تحسين نمط حياته، ومنذ عام 1995، بدأت حكومة الدوحة تفكر في استغلال تلك الثروة لتحقيق مآرب خاصة بها، حتى بالتعامل مع «الشيطان»، تتعاون مع مؤسسات تعمل في مجال تغذية الفكر المتطرف، فمن الجماعات الإرهابية القاتلة بدءاً من القاعدة إلى التنظيمات الكثيرة والمتشعبة في أنحاء المعمورة، مروراً بمنظمات ومراكز أبحاث ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وصولاً إلى الجماهير الواسعة في العالم، وخاصة من الشباب، تحت غطاء الرياضة، إنها حقاً لعبة الشيطان، الذي نجح في الفوز باستضافة المونديال، رغماً عن المناخ الصحراوي الجاف شديد الحارة وغياب البنية التحتية، وهما تحديان يسقطان أي متسابق من الجولة الأولى، فكيف تجاوزت الدوحة كل ذلك؟ إنها «عبقرية» المال.

وفي التقرير الوثائقي، الذي أعدته قناة «سكاي نيوز عربية» أمس الأول، قال سكوت مات المحرر الصحفي في جريدة «الجارديان» البريطانية التي فجرت أكبر فضيحة للفساد في «الفيفا»، وكان من نتائجها توقيف معظم مسؤولي الاتحاد الدولي للعبة: كأس العالم حلم لكل الدول، وهي بطولة تعد من أكبر المشروعات المدرة للأرباح، والتنافس أمام عمالقة العالم في تنظيم أكبر بطولات كرة القدم كان يشكل انتحاراً رياضياً وسياسياً واقتصادياً بالنسبة لقطر، فهل كان يكفي المال الوفير لشراء هذا الشرف؟

وأما غياب الحضور الجماهيري والمشجعين المحليين في قطر، وفقاً لأرقام حضور الجماهير للمسابقات المحلية فيعني غياب كل شيء، فكأس العالم لعبة مجتمعية، والمباريات تتأثر بالحضور الجماهيري، والمتعة تنعدم إذا غاب الجمهور، وعدد القطريين لا يتعدى 350 ألف شخص، وهذا العدد غير كافٍ لملء المدرجات التي سيبنونها لهذا الحدث الكبير!، وبالتالي بطولة كأس العالم 2022 تم الحصول عليها عن طريق المال وليس الرياضة!.

المال صاحب الكلمة

ويقول فيليب أوكلير الناقد الرياضي، محرر «فرانس فوتبول»: ما نعرفه الآن أن قطر شكلت أكبر لجنة للعلاقات العامة في العالم بأكبر ميزانية تسويق للفوز بالسباق، وبالتالي فإن المال له الكلمة الأخيرة، فالأموال تتحدث عن نفسها. الجدير بالذكر، أنه منذ أول نسخة لبطولة كأس العالم عام 1930 ارتبطت استضافة المونديال بمفاوضات واتفاقيات وصفقات سرية، وبغياب الشفافية غابت معها المصداقية، ورافق الجدل والنزاع تنظيم كل بطولة عالمية، وترشح قطر لاستضافة «مونديال 2022» لم يؤخذ في البداية على محمل الجد، ولم يكن المتابعون والقائمون على ملفات الترشيح الأخرى يعتقدون أن «الفيفا» يمكن أن يرجح كفة قطر بمساحتها الصغيرة، وضعفها الكروي، وافتقارها للبنية التحية اللازمة. ويقول جيرارد أدنيس رئيس تحرير مجلة «فرانس فوتبول»: في حالة قطر نتحدث عن دولة تغيب فيها تماماً ثقافة كرة القدم، وبالتالي كان عليهم أن يشكلوا فريقاً يحظى بالشرعية، وتمثيل بلادهم بشكل أمين في تلك المنافسة، حتى لو لم تفز بالبطولة، يكفيها شرف التنافس. وقال أدنيس: الأسوأ من ذلك أن الدوحة وبعد فوزها بالتنظيم، وبدلاً من أن تلجأ لإعداد منتخب قوي من أبناء الدولة يمثل بلاده، لجاوا التجنيس لانتداب لاعبين أجانب، وأصبح المنتخب الوطني القطري أغلبيته من الأجانب، ومع مرور الوقت ظهرت المعارضة لقرار «الفيفا، ولكنها تركز على درجة الحرارة المرتفعة في الفترة التي تتزامن مع إقامة البطولة. وأضاف: عندما وجدت قطر نفسها فائزة بتنظيم المونديال كانت بالفعل ثالث ملف من حيث التقييم الواقعي، وكلنا ندرك أن لجان «الفيفا» ومحققيها يجرون معاينات ميدانية لتقييم مدى جدوى المشروع، وفي حقيقة الأمر أن الملفين الأميركي والأسترالي متقدمان على الملف القطري، وبالتالي فإن قطر لم تكن الخيار الأول المناسب والواقعي لـ «الفيفا»! وأضاف: واجه الملف القطري في حينه «حيتان» كبيرة تملك القدرات الاقتصادية واللوجستية، وقام زعماء الدول المرشحة باستمالة الأصوات التي تقرر من يحظى بتنظيم المونديال، ولكن المفاجأة غير ذلك، حيث أصيب العالم بالذهول عندما فازت قطر، ومن هذه اللحظة بدأت الأقاويل والإشارات والإيماءات والاتهامات بالفساد، وتم استثناء شخصين من التصويت بوصفهما متورطين بالفساد، والوضع برمته داخل «الفيفا» في هذا الوقت كان مريباً.

البطولة المشوهة

وقد سلطت صحيفة «sunday times» البريطانية الضوء على ذلك، وتناولت هذه الفضائح بالعرض والتفنيد إذاعة الـ«BBC» وشعرت حينها أن هذه الادعاءات كانت جديدة، ولم أتفاجأ بأن الدولة الأغنى فازت بالمناقصة، وما لم يكن القائمون على الملف القطري يدركونه أنه في تلك اللحظة انفتحت أبواب جهنم عليهم لا تستطيع التهديدات أو الرشى إغلاقها.

ويعود مات سكوت، للتأكيد على أن البطولة ولدت مشوهة من البداية، لأن المشاكل بدأت منذ لحظة تسمية قطر فائزاً بالتنظيم، ومع مرور الأسابيع بدأنا نعد تحقيقاً موسعاً للبحث في دهاليز القرار الصاعقة، وكنا على ثقة بأننا سوف نجد ما يهز الأرض من تحت أقدام مسؤولي «الفيفا» الفاسدين. وقال: مع بداية تتبع ملف الفساد كنا أمام لحظة خروج المارد من القمقم، والعفريت من تحت الأرض، عفريت الفساد وانتهاك حقوق الإنسان الذي صدم حتى المتعاطفين مع قطر بوصفها ممثلة للشعوب العربية والإسلامية، حيث بدأت الفضائح تتوالى عن الذين امتلأت جيوبهم بملايين الدولارات بين عشية وضحاها، مقابل بيع أصواتهم في علميه اختيار البلد المنظم، ولكن هذا المارد أيضاً كشف أيضاً عن حجم ثقافة الفساد التي تغذي عملية التصويت، وعن التحالف الذي خرج للعلن بين المال والسياسة والرياضة، والذي وصفه جيودو تونيوني مدير الإعلام السابق بـ «الفيفا» بأنه عالم للمافيا الصغيرة.

شجرة الحرارة

وحاولت السلطات القطرية في البداية تجاهل الأحاديث والشبهات، ومع مرور الوقت تحول عامل الحرارة إلى شجرة تخفي خلف أغصانها غابة من الأسباب التي يكفي كل واحد منها لعدم قبول ملف الترشح القطري، فهناك ملف حقوق الإنسان وقيام قطر بارتكاب انتهاكات قذرة في هذا المجال، وهناك مطالبات من جماعات حقوقية مثل منظمة «هيومان رايتس ووتش» بإصلاح قوانين العمل للمهاجرين في قطر التي وصفت بغير الإنسانية، لأنها كان عليها أن تشيد البنية من الصفر لمدن جديدة بالكامل، وعلى الرغم من أن قطر تتمتع بأعلى مستوى للدخل الفردي، فقد قبل الكثير عن مدى عدم احترام حقوق الإنسان فيها، والعاملون في مشاريع المونديال وهم بعشرات الآلاف ليس لديهم مرافق صرف صحي مناسبة للمعيشة، ولا يملكون حتى طاولة يأكلون عليها، وأكدت التقارير الحقوقية أيضاً أن نوعية الطعام رديئة، أنهم يفتقدون إلى الشعور بالكرامة الإنسانية.

استعباد القرن

وأعلنت الدوحة عن جاهزية أول ملعب من ملاعب كأس العالم وهو استاد خليفة المجهز بوسائل التبريد والتكييف للتغلب على درجات الحرارة، لكنه شيد على أشلاء عمالة مستعبدة، وأكبر نقابة عمالية في العالم، وهو الاتحاد الدولي لنقابات العمل، وصف ظروف عمل العمال الأجانب في قطر بـ «استعباد» القرن الحادي والعشرين، وهذا ما ورد لفظياً على لسان الأمين العام لهذه المنظمة الدولية الكبيرة.

ويقول فيليب أوكلير مستطرداً: تؤكد تقارير حقوق الإنسان الصادرة في 2013، أن عدد العمال الذين يموتون في بناء مرافق المونديال سوف يتجاوز عدد اللاعبين المشاركين في المنافسات، فكيف يمكن الدفاع عن هذه الفضيحة؟، فعند المقارنة في عدد الوفيات في الدول التي نظمت أهم المحافل الدولية الرياضية ينكشف المسطور، ونكتشف حجم الكارثة، لأنه في أولمبياد بكين 2008 توفي 6 أشخاص في أعمال البناء، وفي مونديال جنوب أفريقيا 2010 توفي شخصان.

وفي أولمبياد لندن 2012، توفي شخص واحد، وفي كأس العالم بالبرازيل 2014 توفي 10 أشخاص، وفي الأولمبياد الشتوي في شوتشي بروسيا 2014 أيضاً توفي 60 شخصاً، أما قطر فحتى هذه اللحظة توفي 2060 شخصاً، والعدد مرشح للزيادة، حتى العمال لا يحصلون على أجورهم رغم ضآلتها.

وتشدد تقارير المنظمات الحقوقية على الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان مع العمال الأجانب الذين يقومون ببناء استادات ومدن قطر الرياضية، حيث إن العامل الهندي يتقاضى 600 دولار في الشهر ويجبر على العمل 60 ساعة أسبوعياً، وقد توفي حتى الآن أكثر من 700 منهم، والعامل النيبالي يتقاضى 340 دولاراً شهرياً، ويضطر للعمل 70 ساعة أسبوعياً، وقد توفي منهم حتى الآن أكثر من 500 عامل، وحتى كوريا الشمالية التي أرسلت أكثر من 3 آلاف عامل لتحصل حكومتهم على 90 % من رواتبهم بموجب القانون فيمارس معهم بهذا الوصف شكل من أشكال الاستعباد المضاعف!!

وأما رقم الوفيات النهائي الذي كشفت عنه المنظمات الحقوقية والإنسانية فقد يصل إلى 7 آلاف عامل، وقد أصدرت منظمة العفو الدولية أكثر من تقرير يتهم قطر بإجبار العمالة الوافدة على العمل القسري في ظروف أشبه ما تكون بسجون العبيد.

استغلال العمالة

وأما فضيحة استغلال العمالة الوافدة، والانتهاكات الجسمية، قابلها ملف فساد ورشى تبين مع مرور الوقت، أنه أخطبوط امتدت أذرعه من أوروبا إلى أفريقيا، ومن آسيا إلى أميركا الجنوبية، ولكن القائمين على الملف القطري يصرون على نفيها، مؤكدين أن فوزهم جاء بعد جهد سنين، إلا أن الحقيقة أن هذه الأعوام لم تكن سوى أشهر محدودة، لأن فكرة التقدم بملف الاستضافة طرحت أول مرة عام 2008 في الدوحة بحضور سيب بلاتر وأمير قطر السابق حمد بن خليفة لدى زيارة بلاتر إلى الدوحة، للتعبير عن امتنانه لمساعدة القطريين له للفوز بولاية رئاسية جديدة لـ «الفيفا»، بفضل رشى قدمها نيابة عنه القطري محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي آنذاك، وقد وردت بعض هذه التفاصيل في كتاب «اللعبة القبيحة»، الذي خصص الجانب منه عن كيف خططت قطر للفوز بتنظيم كأس العالم؟ وماذا جرى خلف الكواليس؟

وفق مؤلفي الكتاب وعد بلاتر رئيس «الفيفا»، الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر السابق بتنظيم مونديال، ويعدها بأسابيع أعلن بلاتر أن قطر واحدة من الدول التي تسعى لاستضافة المونديال، لتبدأ بعد ذلك تهم الفساد والرشى تتوالى.

المصدر: الاتحاد