مصطفى النعمان
مصطفى النعمان
كاتب وسياسي يمني عمل سفيراً لليمن في عدة عواصم كان آخرها مدريد

الحوار الوطني في اليمن: بين الطموح والمتاح

آراء

من المتوقع انتهاء جلسات مؤتمر الحوار الوطني في 18 سبتمبر (أيلول) المقبل، لكن ليس من المنتظر أن يُنهي الأعمال المناطة بأعضائه، ومرد ذلك البطء في اتخاذ قرارات حاسمة وهو ما أطلق عليها (التهيئة للحوار)، ومنها العمل على حل مشكلة نهب الأراضي في الجنوب وإعادة وتعويض المسرحين من أعمالهم قسريا (مدنيين وعسكريين) وإعادة تعمير ما خلفته حروب صعدة الست من دمار هائل والاعتذار الرسمي عن كل الحروب السابقة وخاصة حرب صيف 94… وهذه جزء من 20 نقطة كان من الواجب التعامل معها قبل بدء الحوار، ثم أضيف إليها 11 نقطة جديدة صاغها مؤتمر الحوار نفسه.. ثم الصراخ المتبادل بين المتحاورين حول نقطة دور الشريعة الإسلامية في صياغة القوانين، بين مطالب أن تكون مصدر جميع التشريعات وآخر يطالب بأن تكون المصدر الوحيد.

هذه القضايا التي يحاول البعض تجاوزها بحجة ضيق الوقت المتبقي للانتهاء من الفترة الانتقالية 21 فبراير (شباط) 2014، ستظل لغما قابلا للانفجار في أي لحظة أو على الأقل ستكون عامل قلق دائم ووقودا لتوترات تعرقل كل عمل لبناء دولة مدنية حديثة.

إن سياسة ترحيل المشاكل إلى فترات لاحقة هي نفس ما كان يمارسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وأدى إلى تفاقم وتراكم الأزمات التي أدت إلى انفجار الأوضاع على امتداد البلاد، وانتهت بتغيير رأس الدولة مع بقاء حزبه فاعلا في الساحة السياسية مع بقية أحزاب التي التحقت بالشباب الذي تجمع في ساحات التغيير، ثم استطاعت أن تتصدر المشهد وتتحكم في مخرجاته إلى أن وصل الجميع إلى قاعات فندق الموفينبيك تحت مظلة (مؤتمر الحوار الوطني الشامل).

انطلاق إعمال المؤتمر حمل معه آمالا كبيرة وتصور الكثيرون أن الأمر قد حسمته القرارات الأممية وتهديدات السفراء الغربيين بملاحقة المعرقلين، ومع مرور الوقت أدرك الجميع أن قاعات المؤتمر لن تحمل الحل لمشاكل اليمن، بل على العكس من ذلك، بدأت التناقضات تطفو على السطح وتظهر المسافات التي تفصل بين أفكار المتحاورين وخصوصا في القضايا التي ستحسم مصير المؤتمر… وشهدنا عراكا بالأيدي واستقالات وطردا!

المتداول حاليا هو إقرار الدستور الذي تتم صياغة مواده لعرضه على استفتاء خلال شهر فبراير 2014. ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية غير معروف إن كانت ستجري بطريقة تنافسية أم عبر استفتاء.. ثم هناك حديث حول تحويل مؤتمر الحوار الوطني إلى جمعية تأسيسية تُعنى بالتشريع خلال فترة انتقالية جديدة مدتها أربع أو خمس سنوات وهو ما سيعني حكما انتهاء شرعية مجلس النواب الحالي.

في حال تثبيت هذا فإن اليمن سيدخل مرحلة انتقالية جديدة تنهي بقية آثار حكم الرئيس السابق، وستخلق حالة من التوازنات والتجاذبات السياسية والاجتماعية، إذ في حال تحقق هذا الأمر فإن عناصر لا تنتمي للأحزاب التقليدية ستكون جزءا أصيلا في هذه الفترة، وأعني بذلك الشباب والمرأة والمستقلين، وهو ما سيضيف حيوية وتنوعا.. وفي ذات الوقت فإن وجود هؤلاء في هذه المؤسسة دون المرور بعملية اختيار شعبي سيكون مصدر تشكيك في مشروعيتها لإدارة هذه المرحلة، فالعقل لا يقبل أن يعين المعين نفسه لمهمة جديدة وحاسمة.. كما أن أعداد ممثلي الأحزاب المشاركة حاليا في المؤتمر لا يتناسب بأي حال مع تواجدها شعبيا ولا في البرلمان الحالي، وهو ما يضيف مزيدا من الظلال على الغرض الحقيقي وراء هذه الصيغة.

الحالة التي تمر بها اليمن، كيفما كانت، ليست حالة ثورية تستدعي حلولا ثورية، ذلك أن الثورة قد حسمت الأحزاب نهايتها بتوقيعها على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ودخولها في شراكة سياسية داخل كل مفاصل الدولة ومؤسساتها، بل وبدأت عملية استبدال لـ«الفلول» بعناصر حزبية في أكثر من مؤسسة حكومية… وأذكر هنا أني نبهت إلى هذا الأمر في أحاديث مع عدد من القادة الحزبيين وأشرت إلى خطورة مثل هذا الصنيع ونتائجه على مجمل عملية التغيير.

الجهد الحالي لتشكيل المرحلة الانتقالية القادمة، تحت أي مسمى كانت، والنصوص التي تجري صياغتها بعيدا عن الأعين، لن يكتب لها النجاح حتى لو حظيت بمباركة الرعاة الدوليين، ولن يتحقق المرجو منها ما لم تكن مبنية على رؤية لمستقبل غير غامض ولا تترك الأمور للتأويلات التي تتناسب مع هوى الحكام ورغباتهم.

حتى هذه اللحظة لم يتقدم أي فصيل سياسي برؤية واضحة لا تحتمل اللبس لما يراه مستقبل اليمن، اتحاديا أو مركزيا.. ويحيلنا الجميع إلى «رغبة الشعب»، يتساوى في ذلك سياسيو الداخل والخارج.. هذه الضبابية الكثيفة في الإفصاح عن المواقف والاختفاء خلف شعارات وكلمات لا يستطيع الكهنة سبر أغوارها، هي التي عطلت سير أعمال أهم لجان مؤتمر الحوار وجعلتنا نسمع كما هائلا من التصريحات المتناقضة حول القضية الجنوبية، ولم يعد المرء قادرا على تمييز الجاد منها، وصار كما لو كان ابتزازا ماديا وسياسيا.

ما يجري التحضير له لن يكون، في نظري، إلا مسارا لتثبيت أمر واقع في صعدة تحت قبضة الحوثيين، وفي الجنوب تحت قبضة فصائل الحراك التي لم تتمكن من لململة صفوفها، وبين هذا وذاك تبقى الحالة المرتبكة في بقية أنحاء اليمن التي تنتظر ما يريده حملة السلاح وما يرغبون في الحصول عليه.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط