الدخل الأساسي الشامل

آراء

تحدّث الفلاسفة اليونانيون عن المدينة الفاضلة، ثم جاء كتاب السير توماس مور عام 1516 ليصف تلك الجزيرة السعيدة، التي سماها «يوتوبيا» Utopia، وفيها كل أسباب الراحة والسعادة لمواطنيها، وفي عالمنا العربي جاءت الشاعرة العراقية نازك الملائكة على ذكر المدينة الفاضلة كثيراً، مرت تلك الخواطر في ذهني أثناء حضوري ندوة لرئيس الجمعية الملكية للفنون في أسكتلندا «جيمي كووك»، الذي تحدث عن نظام «الدخل الأساسي الشامل» أو Universal Basic Income، ويتلخص المفهوم في أن تمنح الدولة مواطنيها دخلاً أساسياً ثابتاً وموحداً، يكفي الاحتياجات الأساسية للمواطنين، سواء كانوا يعملون أم لا.

الفكرة ليست بالجديدة، فهي موجودة منذ أن عرف الإنسان نظام الدول والحكم، وفي الحضارات القديمة، لكن الجديد في الموضوع أن بعض الدول بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات فعلية نحو إحياء هذا المفهوم، مثل البرازيل والأرجنتين، وهناك مبادرات في فنلندا وسويسرا، وفي أسكتلندا أيضاً.

هل سيقضي الدخل الأساسي الشامل على مشكلة الفقر؟ من الممكن، ولكن الأهم أن هذا الدخل، وإن لم يكن كبيراً، ولكنه سيضمن إشباع الحاجات الأساسية للمواطن، وبالتالي لن يسرق أحد من أجل إطعام أولاده، ولن يقتل البشر بعضهم بعضاً من أجل مبلغ ضئيل لسد رمقهم، فعندما ينحصر تفكير الإنسان في قوت يومه واحتياجاته الأساسية، يظهر الجانب الأناني فيه، ويصبح الشعار السائد «نفسي نفسي»، ولو سرق أو ارتكب جرماً، وهناك عدد كبير من الدول يعيش سكانها تحت خط الفقر، بل إن دولاً مثل «ملاوي» لا يجد فيها السكان ما يأكلونه سوى الفئران المشوية، وقد انتشرت منذ شهرين لقاءات مع الناس، ومنهم وزير الصحة، الذي قال: إذا لم يجد الناس ما يسد رمقهم فماذا يفعلون غير ذلك.

هناك معارضون للفكرة، إذ إنها ستكلّف خزانة الدول أموالاً طائلة لتطبيق هذا النظام، وقد يؤدي ذلك إلى تكاسل الناس وتراخيهم عن العمل، فالبعض لا يتمتع بالطموح، ولا يشغله الإسهام في المجتمع، طالما توافرت احتياجاته الأساسية، ولكن من ناحية أخرى فمزايا هذا النظام، الاجتماعية والأمنية، كبيرة جداً، حيث سيقل معدل الجريمة، ولن يكون هناك تفاوت مبالغ فيه بين الطبقات الاجتماعية.

الموضوع جدير بالدارسة والنقاش، خصوصاً خلال أزمة وباء «كورونا»، التي تركت خلفها الكثيرين ممن لا يستطيعون كسب قوت يومهم، ويعيشون الآن على التبرعات والصدقات، هذا إن وجدت، كما أن المستقبل ينذر بالمزيد من التحديات، بسبب أتمتة الأعمال، وسيطرة الروبوتات، وبالتالي الاستغناء عن كثير من الوظائف التي كان يقوم بها الإنسان، ومن ثم قد يكون نظام الدخل الأساسي الشامل طوق النجاة.

المصدر: الامارات اليوم