مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

السخرية البابلية.. وجموح الحرية

آراء

لم تنبع الكتابات الساخرة خلال “الربيع العربي” من فراغ، ففكرة الحرية تراود الإنسان منذ القديم، والمبدعون صبوا هواجسهم لتحريك الناس نحو مجتمعات مثالية تُحترم فيها الحقوق. ولو نبشنا التاريخ الحضاري لوجدنا مبدعا بابليا مجهولا يعد رائدا عبر نص رائع يعود إلى الألف الثانية قبل الميلاد، جاء على شكل حوار بين سيد وخادمه، يؤكد الرقي الأدبي لإنسان “الرافدين”.

فإسقاطاته الصالحة لكل زمان ومكان تجعلنا نشعر بأنه كُتب اليوم، وهي تنطبق على مسببات “الربيع العربي” وتضع الطغاة في مأزق بفضح تناقضاتهم، وكأني بالكاتب تحايل على القمع في زمنه، فلجأ للّعب على ثنائيات السلوك البشري عبر تأييد الأقوال المتضاربة لصاحب السلطة. فهو حين تحدث عن الفساد والأخلاق لدى طبقة السادة، كتب:

( أيها الخادم أصغ إليّ.

ـ نعم سيدي، نعم.

سأمارس أعمالاً غير مستقيمة.
ـ افعل ذلك، افعل. فإنك إذا لم تأت أعمالاً غير مستقيمة، من أين لك بلباسك؟

كلا أيها الخادم، لن أمارس أعمالاً غير مستقيمة.
ـ لا تمارس عملاً غير مستقيم، سيدي، لا تفعل ذلك. من يفعل ذلك إما أن يُقتل أو يُسلخ جلده. إما أن تُقتلع عيناه أو يُرمى في السجن.)

وفي مقطع آخر، يتحدث عن المساواة والعدالة:
( أيها الخادم، أصغ إلي
ـ نعم سيدي، نعم

سأقوم بعمل صالح يخدم بلادي
ـ افعل ذلك سيدي، افعل، لأن من يقدم لبلاده خدمة يجزيه مردوخ.

كلا أيها الخادم، لن أقوم بعمل صالح يخدم بلادي
ـ لا تفعل ذلك سيدي لا تفعل. اذهب إلى خرائب المدن القديمة، وتمش بينها، انظر إلى جمجمة الإنسان الوضيع وجمجمة العظيم، هل تستطيع التفريق بينهما؟ هل تستطيع التمييز بين من قدم خيراً لبلاده ومن قدم سيئا؟

أيها الخادم، أصغ إلي
ـ نعم سيدي، نعم

ما هو الخير في رأيك إذاً؟
ـ أن يُدق مني ومنك العنق ونُرمى في النهر. فمن يستطيع في هذه الحياة أن يتطاول فيرقى إلى السماء، أو يتسع فيحيط بالأسفل.

كلا أيها الخادم، سوف أقتلك وأجعلك تسبقني.
ـ إذا فعلت ذلك فإنك لن تعيش بعدي أكثر من ثلاثة أيام.)

في ختام النص خرج الخادم عن تأييد سيده، وتبدو هنا براعة الكاتب في الإشارة إلى التمرد، وفي ترك النص مفتوحا، فهو يقصد أن من اعتمدوا في حياتهم على من يخدمهم لن يستطيعوا تأمين طعامهم وشرابهم. وهكذا الطاغية الذي لا يعرف سوى إصدار الأوامر، واعتاد أن يصادق الجميع على أقواله، سينتهي إذا قتل من يخدمونه ولن ينفعه جبروته.

المصدر: الوطن اون لاين